يحتل الموقع الجغرافي للأردن مكانة مهمة لدى الراغبين بالالتحاق بصفوف المقاتلين في سورية، بحيث تعد الأردن المنفذ الثالث لهم بعد تركيا ولبنان، كونها تشترك بحدود مع سورية تمتد لمسافة 375 كيلومتر.
وبسيطرة قوى المعارضة السورية على معبر نصيب الحدودي، وفي مقدمتها جبهة النصرة (تنظيم القاعدة في بلاد الشام)؛ ازدادت الحاجة لمعرفة حجم تواجد المقاتلين الأردنيين ضد النظام في سورية، وانعكاسات ذلك على المشهد الداخلي في الأيام القادمة، في ظل توسع سيطرة مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق على مناطق واسعة، منها ما هو قريب من الحدود الأردنية.
سورية بأعين “الجهاديين الأردنيين”
لا يختلف أبناء التيار السلفي الجهادي على وجوب قتال نظام بشار الأسد في سورية، بذريعة أنه نظام نصيري مرتد، يسفك دماء أهل السنة، وقد توافرت الفرصة لمواجهته بالسلاح.
المنظر الأبرز للتيار عصام طاهر البرقاوي الشهير بـ “أبي محمد المقدسي” دعا مبكرًا أثناء إيقافه في سجن الموقر، إلى “جهاد النظام السوري” رافضًا في مارس 2013 طلبًا لدائرة المخابرات العامة بإصدار رسالة شرعية تنهي أبناء التيار عن الذهاب للقتال في سورية، مقابل الإفراج عنه وعدم محاكمته، حسبما تناقلت وسائل إعلام محلية.
ولم يكن الموقف مختلفًا لدى القيادي في التيار السلفي الجهادي بمحافظة إربد عبدالفتاح شحادة المعروف بـ “أبي محمد الطحاوي”، الذي وجّه في يونيو 2012 دعوة “لكل الرجال القادرين، إلى لذهاب للجهاد في سورية؛ فمسؤولية كل مسلم صالح أن يعمل على وقف إراقة الدماء التي يقوم بها النظام النصيري بحق أهل السنّة”، وفق تعبيره.
وعلى نفس المنوال، جاء موقف القيادي في التيار بمحافظة معان محمد الشلبي الشهير بـ “أبي سياف”، الذي رأى أن الجهاد في سورية جاء لرد العدوان عن أهل السنة، وقد أصبح فريضة عندما اتّخذت الحرب منحىً مذهبيًا، لاسيما بعد تدخّل حزب الله وإيران”.
وفي الآونة الأخيرة، وبعد ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المختصر إعلاميًا بـ “داعش” في أبريل 2013، وحدوث اقتتال بينه وبين فصائل معارضة وعدم انصياعه لتوجيهات رموز التيار الجهادي على مستوى العالم وفي مقدمتهم زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، عاد المقدسي إلى تقييد دعوته للخروج إلى سورية باشتراط الانضمام للجماعات الإسلامية، وفي مقدمتها جبهة النصرة، وعدم الانضواء تحت راية تنظيم الدولة الذي يصف المقدسي قياداته بـ “الغلو والتكفير غير المنضبط، واستحلال دماء المسلمين”، بينما اتخذ الطحاوي الذي مازال مسجونًا موقفًا مناصرًا لتنظيم الدولة الإسلامية، بحسب تسريبات من سجنه لم يُتأكَّد منها.
من جانبه؛ حاول أبو سياف المعاني الموازنة بين تنظيمي “النصرة” و”الدولة” لمدة طويلة، بهدف عدم خسارة أنصارهما في الداخل الأردني، بحسب مراقبين، في الوقت الذي يقول فيه بعض مناصري التيار إنه بات أقرب لجبهة النصرة، ولموقف علماء التيار أبو محمد المقدسي، وأبو قتادة الفلسطيني، المناهضين لتنظيم الدولة وآلية عمله.
وحول أهمية سورية لدى الجهاديين الأردنيين ترى الكاتبة الفرنسية من أصل لبناني منى علمي أن لسورية خصوصية كبرى لدى الجيل الصاعد من الجهاديين الأردنيين الذين يقاتلون حاليًا في سهول وهضاب (بلاد الشام، سورية الكبرى) حسب الموروث العربي والإسلامي، وأن الحرب الدائرة في سورية ضد طاغية عربي تجسد التحول البارز في أولويات الجهاديين الذين يركزون الآن جهودهم على العدو القريب (الحكّام الإقليميين) بدلًا من استهداف الغرب، لبناء ما يسمى “دار التمكين” والتي يمكن أن تتمدد باتجاه الأردن لتوحيد بلاد الشام كخطوة أولى في الحرب المقدّسة الهادفة إلى إنشاء دولتهم الإسلامية المستندة إلى الشريعة والعابرة للأوطان وتوسيعها.
أعداد المقاتلين ومستوياتهم الاجتماعية
أكدت الحكومة الأردنية مرارًا على أنها لا تسمح باختراق الحدود من قِبل الراغبين بقتال نظام الأسد، وعلى استخدامها للقوة المسلحة بحق المتسللين إلى الجانب السوري، بينما تتوالى الاتهامات من قِبل النظام السوري بتسهيل عبور آلاف المقاتلين من الجانب الأردني.
وتتضارب الأرقام التقديرية لأعداد المقاتلين الأردنيين في سوريا، حيث صرّح مصدر أمني سوري لوكالة فرانس برس في 21 مارس الماضي، أن ما بين 2000 و2500 مقاتل دخلوا إلى جنوب سوريا قادمين من الأردن، مشيرًا إلى أنهم “مدربون ومسلحون بشكل جيد”، على حد قوله.
بينما أكد محامي التنظيمات الإسلامية موسى العبداللات، أن عدد الأردنيين المقاتلين في سوريا “يصل إلى زهاء 3000، موزعين بين جبهة النصرة والدولة الإسلامية”، عازيًا هذه الأرقام إلى إحصائيات أجراها التيار السلفي الجهادي.
ونشر الموقع الإلكتروني لقناة سي إن إن الأمريكية في نهاية شهر فبراير الماضي، خريطة “إنفوجرافيك” لأهم 10 دول يشارك مواطنوها ضمن التنظيمات الجهادية في القتال بالعراق، وفقًا لدراسات أعدتها عدة مراكز، منها المركز الدولي لدراسات التطرف والعنف السياسي، ومجموعة سوفان، ومركز بوي للأبحاث.
وأظهرت الخريطة أن تونس تحتل النسبة الأعلى من المقاتلين بنحو 3000، ثم السعودية 2500 مقاتل، ثم الأردن والمغرب وروسيا، حيث خرج من كل منها نحو 1500 مقاتل، ثم فرنسا 1200 مقاتل، ثم لبنان 900 مقاتل، ثم بريطانيا وألمانيا وليبيا، وخرج منها نحو 600 مقاتل.
وكان معهد كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط قد ذكر في سبتمبر 2013 أن عدد المقاتلين الأردنيين في سوريا يتراوح بين 800 – 1500 شخص.
ويتفق مراقبون على أن الرقم لا يقل عن 2500 مقاتل، ولا يزيد عن 4000 على أعلى تقدير، إذا أُخذ بعين الاعتبار أن العدد الإجمالي للمحسوبين على التيار السلفي الجهادي في الأردن لا يتجاوز 7000 شخص.
ويعزو المراقبون عدم القدرة على حصر أعداد المقاتلين الأردنيين في سوريا لعدة أسباب، أهمها أن العديد من المنضوين تحت مظلة القتال في سوريا؛ هم من الفتيان والشباب الذين ليس لهم ملفات أمنية سابقة، أو خلفيات تنظيمية.
وحول طبيعة الأردنيين الملتحقين بالتنظيمات الجهادية ومستوياتهم الاجتماعية يرى الباحث في مركز الدراسات الإستراتيجية بالجامعة الأردنية محمد أبو رمان في مقاله “أبناؤنا.. في داعش والنصرة” المنشور في صحيفة الغد، أن “من الضروري تصحيح الصورة النمطية الدارجة عن الشباب الأردنيين الذين يلتحقون بالتنظيمات الجهادية”، لافتًا النظر إلى وجود تسطيح واختزال إعلامي للظاهرة، وسذاجة في التعامل معها من قِبل نخب سياسية رسمية، عندما توضع في سلة الحديث عن الفقر والبطالة والجهل”، وفق تعبيره.
فالتيار السلفي الجهادي بشكل عام انتقل نقلة نوعية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 بتبني فكرته من أعداد من حملة الشهادات الجامعية العليا ومن الطبقات الاجتماعية المتوسطة وما فوقها، ولم يعد حكرًا على الطبقات الفقيرة أو من كان يصفهم بعض الباحثين بـ “أنصاف المتعلمين”، كما كان عليه الحال في مطلع التسعينات من القرن الماضي، وفي الأردن تحديدًا، بخلاف الحالة المصرية على سبيل المثال التي تعتبر مهدًا للجماعات الإسلامية المعاصرة والتي خرجت أغلب قياداتها من رحم الجامعات وكلياتها العلمية.
قيادات أردنية في سورية
لم يكن العنصر الأردني غائبًا عن قيادة حركات المعارضة المسلحة في سوريا، تمامًا كما كان الحال في الساحات الجهادية الشهيرة (أفغانستان والشيشان والعراق).
فبعد سطوع نجم جبهة النصرة التي تشكلت أواخر عام 2011 وأصدرت بيانها الأول مطلع عام 2012 لتكون عنوانًا تنظيميًا يمثل فكر السلفية الجهادية، وحاضنة لأتباعها المهاجرين إلى سوريا؛ برزت أسماء أردنية في الواجهة، كان في مقدمتها إياد دواس الطوباسي الملقب بـ “أبي جليبيب” والذي تندر المعلومات حوله لكونه لم يكن مشهورًا في صفوف التيار السلفي الجهادي الأردني، وظهر اسمه فجأة عبر بعض وسائل الإعلام التي قالت بمقتله من خلال مصادر مجهولة في ديسمبر 2012 وذكرت أنه من مواليد مدينة الزرقاء، وصهر أمير تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين أحمد فضيل الخلايلة “أبو مصعب الزرقاوي” وقاتل معه في العراق، وكان يشغل إمارة جبهة النصرة في دمشق ودرعا.
بعد ورود تلك الأنباء غير الصحيحة بمقتل القيادي الميداني بجبهة النصرة إياد الطوباسي تم تداول اسم الأردني مصطفى عبداللطيف صالح الملقب بـ “أبي أنس الصحابة” كقيادي تسلم المرتبة القيادية مكان الطوباسي في جبهة النصرة.
وأبو أنس من الشخصيات المعروفة لدى التيار الجهادي، فهو من سكان منطقة الرصيفة، اكتسب وصف “الصحابة” من مكتبة كان يمتلكها تسمى “مكتبة الصحابة” تعنى ببيع الإصدارات والتسجيلات الإسلامية، وقد قاتل فترة في صفوف تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، واُعتقل أكثر من مرة من قِبل الأجهزة الأمنية الأردنية بعد عودته، وكان آخرها على ما عرف بقضية أحداث اعتصام السلفيين في الزرقاء 15 أبريل 2011، وقد نفى “الصحابة” أن يكون قائدًا لجبهة النصرة في اتصال هاتفي مع مدير مكتب قناة الجزيرة في عمّان حينها ياسر أبو هلالة، مع تأكيده على أنه قيادي ميداني في صفوف جبهة النصرة.
لم يلبث الحديث طويلًا عن “أبي جليبيب” و”أبي أنس” عبر وسائل الإعلام، ليصعد اسم الأردني الدكتور سامي محمود العريدي المكنى بـ “أبي محمود الشامي” الذي يعتبر الممثل لموقف جبهة النصرة من المسائل الشرعية والعقائدية، وفق ما قال المسؤول العام للجبهة أبو محمد الجولاني في لقائه الوحيد مع قناة الجزيرة.
والعريدي من مواليد عام 1972، حاصل على درجة الدكتوراة في علم الحديث، وله كتابان مطبوعان في نفس تخصصه، وكان يعتبر أحد قيادات التيار السلفي الجهادي في محافظة إربد، وقد تعرض للاعتقال عدة مرات لانتماءاته الفكرية، وسجن على قضية سميت “تنظيم الطائفة المنصورة”، وكان يعتبر أحد المرجعيات الشرعية للتيار في الأردن، ويحظى بعلاقة وثيقة مع أبرز منظري التيار على مستوى العالم عمر محمود أبو عمر، الشهير بـ “أبي قتادة”.
في منتصف أبريل 2014 تسربت أنباء عن سفر القيادي المعروف بالتيار السلفي الجهادي الدكتور سعد خلف الحنيطي، للعمل على إجراء مصالحة بين تنظيمي جبهة النصرة والدولة الإسلامية، وهو ما نفاه ذووه، مؤكدين أنه سافر لأداء مناسك العمرة، ومن ثم توجه إلى أوكرانيا لعمل خاص.
والحنيطي من مواليد عام 1971، ومن سكان بلدة أبو علندا شرقي العاصمة عمان، ويكنى “أبو خلف” ويعد من أوائل حملة الفكر السلفي الجهادي في الأردن، وهو حاصل على درجة الماجستير في التاريخ من جامعة آل البيت، والدكتوراه في التربية من إحدى الجامعات الأوكرانية، وله كتاب منشور بعنوان (الفقيه والسلطان)، اعتقل وسجن عدة مرات كان آخرها في سجن الموقر على خلفية قضية أحداث الزرقاء.
وتداولت معرفات “جهادية” في “تويتر” أن الحنيطي كان عضوًا بمجلس شورى جبهة النصرة، ومسؤول دار القضاء فيها، قبل اختلافه مع المسؤول العام للجبهة أبو محمد الجولاني حول استقلالية القضاء، وقد أعلن الحنيطي في 16 أكتوبر 2014 التحاقه بصفوف “الدولة الإسلامية”.
في ذات الشهر من العام نفسه، حفلت صفحات التواصل الاجتماعي المؤيدة لتنظيم الدولة الإسلامية بما وصفته “نفير الشيخ عمر مهدي زيدان” الملقب بـ “أبي المنذر” ووصوله إلى “دولة الخلافة”.
وزيدان قيادي في التيار السلفي الجهادي بمحافظة إربد، حاصل على درجة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية، اُعتقل عدة مرات من قُبل الأجهزة الأمنية، وسجن عدة سنوات على قضية شهيرة قيدت بمحكمة أمن الدولة عام 1994 تحت اسم “بيعة الإمام” مع أهم رمزين للتيار في الأردن أبي مصعب الزرقاوي وأبي محمد المقدسي، الذي كانت بينه وبين زيدان في السنوات الأخيرة ردود وتبادل اتهامات لاختلاف “المواقف الشرعية” من تنظيم الدولة والاعتصامات السلمية المطالبة بالإفراج عن معتقلي التيار في السجون الأردنية، حيث كان زيدان من أهم الشخصيات الجهادية المعارضة لقيام التيار بالاعتصامات، ما أدى إلى شروخ في العلاقات بينه وبين أغلب قيادات السلفية الجهادية المعروفة بالأردن، بحسب أعضاء في التيار.
وقد ظهر زيدان مؤخرًا في مقطع فيديو بثه تنظيم الدولة على الإنترنت في 31 مارس الماضي، أثناء إلقائه كلمة في مجموعة من رجالات العشائر العراقية في محافظة نينوى.
المقاتلون العائدون من سورية
يشغل ملف العائدين من سوريا أجهزة الأمن العربية والغربية على حد سواء، والتي ارتأت بخروج الراغبين في الجهاد فرصة سانحة للخلاص منهم، وذلك بالنظر إلى سوريا وغيرها من مناطق الصراع المسلح محرقة تساهم بإنهاء الظاهرة الجهادية، بحسب بعض المحللين السياسيين.
ويرى قيادي في التيار السلفي الجهادي – فضل عدم ذكر اسمه – أن هناك اختلافًا في رغبة بعض المقاتلين الأردنيين بالعودة للبلاد، فمنهم من يريدون العودة لطول فترة غيابهم وإلحاح ذويهم عليهم، أو بسبب العلاج من إصابات بالغة لحقت بهم جراء المعارك، أو لحدوث اقتتال بين الفصائل المجاهدة وهو ما لم يكن بتصورهم إطلاقًا عند مغادرتهم.
ويضيف القيادي في حديثه لـ “أردن الإخبارية” أن بمحاكمة العائدين من سوريا، وإصدار أحكام عالية بحقهم من قبل محكمة أمن الدولة، فضلًا عن تعامل حرس الحدود من الجانب الأردني بالرد المسلح بحق المتجاوزين، بات أمر العودة شبه مستحيل، ويفضل المجاهد البقاء في سوريا على الرغم مما فيه من آلام وجراح على العودة”، منوهًا في الوقت ذاته إلى أنه أمر ليس بصالح النظام الأردني على المدى البعيد، لتولد حالة من الشعور بالانتقام لدى الأخ المجاهد لمنعه من العودة لبلاده والإقامة فيها، على حد تعبيره.
في حديثه لراديو البلد ميّز الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية بين مجموعات ذهبت للمساعدة في قتال النظام السوري والعودة لاحقًا إلى ديارها، فيما انخرط آخرون بتنظيمات ذات أهداف أخرى، مؤكدًا على أن مخاوف الأنظمة من عودة المقاتلين مشروعة ليس على المدى القصير فحسب، وإنما على المدى المتوسط والبعيد، لحدوث بعض العمليات والاصطدامات التي كان يشارك بها العائدون من الساحات الجهادية.
وشدد أبو هنية على ضرورة التعامل مع العائدين بمقاربة شمولية وعدم اقتصارها على الحلول الأمنية، خاصة في ظل وجود نقاط مشتعلة في المنطقة، واكتساب المقاتلين لمهارات عالية خلال تجاربهم القتالية، مؤكدًا على أهمية إعادة دمجهم بالمجتمع، وعدم التعامل مع كافة “الجهاديين” كإرهابيين.
المصدر: شبكة أردن الإخبارية