في بداية كلمته قال رجب طيب أردوغان مخاطبا الشعب التركي عامة: “كنا قد أعلنا عن رؤيتنا السياسية للعام 2023 وجميع الوعود التي قطعناها لشعبنا وجميع الأهداف التي وضعناها باتت قاب قوسين أو أدنى من الانجاز”.
وقبل أن يكشف أردوغان عن حزمة الإصلاحات الديمقراطية الجديدة، قال رئيس الوزراء التركي: “الحزمة التي سيعلن عنها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة”، مؤكدا أن حكومته ستبذل كل ما في وسعها لأجل “تعزيز مكانة تركيا بين الشعوب المتحضرة”، قائلا بأن “حزمة الإصلاحات ستعزز المصالحة الداخلية والوحدة الوطنية واستقلالية الجمهورية التركية”، ثم أضاف: “هذه الإصلاحات كان الآخرون يمنعون الحديث عنها قبل 11 سنة من الآن.. نحن سنواصل مسيرة التحول الديمقراطي ومصرون على رفع سقف الحريات بالرغم من كل العراقيل وبالرغم من المحاولات التي استهدفت إغلاق حزب العدالة والتنمية، فإننا نواصل أداء الأمانة التي كلفنا بها الشعب بهدف رفع مستوى تركيا”.
وفي ما يتعلق بالتعديلات التشريعية، تبرأ أردوغان من شرط الحصول على 10 بالمائة المنظم للانتخابات التركية والذي يمنع الأحزاب التي تحصل على أقل من 10 بالمائة في الانتخابات من دخول البرلمان، وقال أنه سيتم طرح مقترحات على البرلمان التركي لمناقشتها وإقرارها، ومن بينها تخفيض هذه النسبة إلى 5 بالمائة.
وكذلك أعلن أردوغان عن زيادة في المساعدات المقدمة من قبل الدولة إلى الأحزاب السياسية بغاية دعم الأحزاب الجديدة وصغيرة الحجم، حيث كان القانون التركي يمنع المساعدات الحكومية عن الأحزاب التي تحصل على أقل من نسبة 7 بالمائة في الانتخابات، وبموجب الإصلاحات الجديدة سيتم تخفيض هذه النسبة إلى 3 بالمائة.
وفي إطار التشريعات المنظمة للانتخابات وللحياة الحزبية، أعلن أردوغان عن إزالة المادة 43 من قانون الأحزاب التركي التي تمنع الأحزاب التركية من استخدام اللغات غير التركية في الحملات الانتخابية والدعاية الحزبية، ليصبح بإمكان الأحزاب الكردية استخدام اللغة الكردية في خطاباتها وفي في حملاتها الانتخابية، وذلك ضمان تعددية سياسية حقيقية، مع العلم الآن الإصلاحات شملت أيضا تعديلات تشريعية تسهل عملية إنشاء الأحزاب، وتسحب في المقابل صلاحية “حلّ الأحزاب” من المحاكم، لتصبح كل الأحزاب عصية عن الحلّ مهما كانت الأسباب.
وفي الإطار التشريعي أيضا، سيتم ترفيع عقوبة التمييز والعنصرية من سنة واحدة إلى 3 سنوات، بما في ذلك التمييز الجنسي والديني والعرقي، ومن بين أنواع التمييز التي خصها أردوغان بالذكر خلال كلمته، جريمة “المنع من أداء الشعائر الدينية”.
وفي خصوص حقوق الأكراد، طالت الإصلاحات لأول مرة قانون الأبجدية التركية الموضوع منذ أكثر من 85 سنة والذي يحدد الأبجدية التركية ب29 حرف، حيث سيسمح لأول مرة باستخدام حروف x و q وw والتي كانت ممنوعة سابقا والتي تستخدم بكثرة في اللغة الكردية وخاصة في الأسماء، وبعد اعتماد هذه الإصلاحات، سيكون بإمكان الأكراد تسجيل أسماء أبنائهم باستخدام هذه الحروف، بالإضافة إلى إعادة التسميات القديمة للكثير من الأحياء والقرى الكردية.
وبموجب الإصلاحات الجديدة، سيتم رفع القانون المنظم للتجمعات (المسيرات والمظاهرات والاحتجاجات)، ولن يحتاج الراغبون في تنظيم تجمعات إلى الحصول على إذن من الحكومة بعد اليوم، حيث سيتم تشكيل لجنة مستقلة مسؤولة عن هذا الملف بالكامل وتتولى التعامل مع كل الأطراف (المتجمعين والسلطات) وتقرر الطريقة التي يتعامل بها مع الاحتجاجات التي تتجاوز القانون.
وسيتم كذلك رفع القيود المفروضة على القانون المقيد لجمع التبرعات التي كانت سابقا تمنع بعض أشكال التبرع والتي من بينها جمع جلود الذبائح يوم عيد الإضحى.
خطوات تهدف إلى إطلاق الحريات الدينية وإلغاء ما تبقى من القوانين المقيدة للحريات الدينية، بما في ذلك رفع الحظر عن الحجاب في مؤسسات الدولة، الأمر الذي سيتيح للمرة الأولى للمحجبات التركيات بممارسة العمل النيابي من داخل قبة البرلمان، وبالعمل في المؤسسات الحكومية، بالإضافة إلى الملتحين وإلى مرتدي أي لباس ديني، مع الإبقاء على اللباس الرسمي الخاص بمؤسستي الجيش والقضاء.
وفي إطار الإصلاحات الهادفة إلى إرجاع حقوق الأقليات التي اضطهدت في العقود الماضية، قال أردوغان في خصوص الأقلية الغجرية: “حكومتنا قامت ببناء منازل وتسليمها للمواطنين الأتراك من أصول غجرية وسنواصل سعينا من أجل تحسين الظروف المعيشية لهم”، كما أكد أنه سيتم افتتاح معهد للدراسات الثقافية للمواطنين الأتراك من أصول غجرية.
كذلك ستعيد هذه الإصلاحات الكثير من الحقوق للطائفة العلوية في تركية من الناحية التشريعية بإطفاء الصبغة القانونية على دور العبادة الخاصة بالعلويين، وكذلك معنويا بإعادة بعض التسميات لعدد من المؤسسات العامة مثل جامعة “نافشهير” التي ستحمل مستقبلا اسم “حاج بكتاش والي” الشخصية العلوية التاريخية المرموقة.
وقبل الشروع في الحديث عن فحوى الإصلاحات تطرق أردوغان إلى مسألة الدستور التركي الجديد الذي وعد به خلال حملته الانتخابية الماضية، قال أردوغان أن حزبه لم يرد تمرير الدستور عبر التصويت، وأنه فضل التشاور والحوار مع كل مكونات المجتمع التركي، وأن حزبه يرفض الانفراد بكتابة الدستور ويصر على أن تشارك كل مكونات المجتمع التركي على حد سواء في كتابة الدستور، محملا مسؤولية التأخر في إنجاز الدستور لل”معارضة المتعنة”.
وعن دور المعارضة، استنكر أردوغان الدور “السلبي الذي تلعبه المعارضة التركية” والتي وصف قسما منها بالمعارضة الدائمة لكل شيئ، مشيرا إلى أن بعض زعامات المعارضة تنتظر الإعلان عن الإصلاحات لمعارضتها وليس للاطلاع عليها، حيث قال أردوغان: “المعارضة غير قادرة على مراجعة نفسها وتشكل عائقاً أمام التحول”.
وما لم يكن متوقعا هو أن أول مستفيد عمليا من الإصلاحات كان من المعارضة، فأول مرشحة مرتدية للحجاب للانتخابات البرلمانية التركية القادمة لم تكن من حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه أردوغان، ولا حتى من الأحزاب ذات التوجه الإسلامي الأخرى، حيث استبق حزب الحركة القومية المعارض مؤتمر أردوغان الذي أعلن فيه عن الإصلاحات، بالكشف عن قوائم مترشحيه للانتخابات البرلمانية القادمةومن بينهم “هوليا آكدينيز” المرتدية للحجاب.