مع مرور اليوم الثالث من أيام التصويت في الانتخابات السودانية، وسط حديث عن نسب إقبال شعبية متدنية؛ مما اضطر المفوضية القومية للانتخابات المشرفة على الانتخابات الرئاسية والتشريعية في السودان تمديد فترة الاقتراع يومًا واحدًا إضافيًا وهو الخميس.
من المفترض أن يُدلي أكثر من 13 مليون ناخب سودني بأصواتهم في الانتخابات التشريعية والرئاسية لاختيار رئيس جديد للبلاد، وترجح كل التوقعات أن تمنح النتائج ولاية جديدة للرئيس الحالي عمر البشير الذي ينافسه 15 مرشحًا على منصب الرئاسة، في ظل دعوات للمعارضة لمقاطعة الانتخابات التي يرون أن النظام يُجبر الطيف السوداني السياسي على خوض معركة انتخابية معه محسومة سلفًا في وسط أجواء سياسية لا تصلح لإقامة أي نشاط سياسي.
سبق هذه الانتخابات قرار الحكومة بتعديل الدستور، حيث تم إلغاء انتخابات الولاة وحُرم مواطنو الولايات من انتخاب حكامهم، ومُنح رئيس الجمهورية السلطة الحصرية لتعيين ولاة الولايات، ما يشير إلى تكريس سطوة النظام السوداني قبيل الدخول في الانتخابات من الأساس.
الأمر الذي جعل المعارضة تعتبر أن هذه الانتخابات نتيجتها معلومة سلفًا وقبل أن تبدأ؛ إذ قرر الحزب الحاكم الذي يهيمن هيمنة تامة على السلطة في البلاد أن يستحوذ على 70% من مقاعد الدوائر الفردية، وأن يترك المنافسة على 30% من المقاعد للأحزاب المتحالفة معه لكي يخلق معارضة موالية داخل البرلمان وممثلة في مجلس الوزراء، كما أن منصب رئاسة الجمهورية لا يتعرض لمنافسة حقيقية وليس للمرشحين الذين تزدحم بهم ساحة الانتخابات والذين يبلغ عددهم خمسة عشر مرشحًا بجانب الرئيس الحالي عمر البشير، من لديه أدنى فرصة في المنافسة الحقيقة، ومن سيحصد من الأصوات ما يؤهله لاسترداد تأمينه الانتخابي فإنه سيعتبر نفسه قد حقق نصرًا مبينًا، حسب رؤية المعارضة المقاطعة.
وسط كل هذه الضجة والمنافسة الإعلامية والصحفية بين المعارضة المقاطعة والحزب الحاكم الذي يدير دفة الانتخابات التي لن تتغير نتيجتها كثيرًا مع والوعود التي ضربت قبل وإبان الحملات الإنتخابية؛ فمن المتوقع أن يبقى الواقع السياسي والاقتصادي والأمني في الداخل السوداني في حاجة ماسة لمراجعة شاملة، خاصة في الساحة الداخلية الاولى بالاهتمام والعناية لإعادة إعمار جسور الثقة مع المعارضين.
أضحت نتيجة هذه الانتخابات وفق المعطيات السابقة والراهنة عملية أحادية الجانب محسومة النتيجة خاصة بالحزب الحاكم فقط، حيث مضت في كما هو مخطط لها لتحقيق هدف النظام في تمديد شرعية سلطته بغض النظر عن مدى نزاهتها والشكوك المثارة حولها ومقاطعة الانتخابات ورؤية العالم الدولي لها، فضلا عن جدواها.
الأزمة السودانية وشكلها بعد الانتخابات تتوقف على طريقة تعاطي النظام السوداني الذي أخذ ما يريده من ضمانة بقائه لمدة خمسة أعوام أخرى، فالنظام يمتلك أن يسير على نفس خطاه قبيل الانتخابات ولن يجد الأمر تغير كثيرًا وستبقى المعارضة على ما هي عليه، بيد أن مراقبين يرون أن البشير لن يُقدم على استفزاز المعارضة وترك قواه الحزبية تستمر في نهجها، فالرئيس السوداني عمر البشير يريد أن يجتذب المعارضة لحواراته الوطنية حتى يكتسب شعبية الحديث مع المعارضة للوصول إلى حل للأزمة الراهنة وهو نفسه لا يعرف ذلك الحل ولا المعارضة بالأساس التي تارة تجلس معه ليترأس حكومة انتقالية وتارة تدعو لإسقاطه ونظامه، ولكن بالأساس الأهمية تكمن في استمرار هذا الحوار الوطني الذي يعتقد البشير أنه سيمنع تفجر الأوضاع.
عملية التسوية السياسية التي يسعى إليها البشير ستمكّنه بالفعل من مواجهة الضغوطات الدولية التي تواجهه لاسيما أمر المحكمة الجنائية الدولية بعد إعادة ملفه إلى مجلس الأمن، ولا توجد أي احتمالية بعد هذه الانتخابات أن يتخذ المجتمع الدولي موقفًا مؤثرًا ضد البشير في السودان مع العلم أن المعارضة تُأمّل كثيرًا على هذا الموقف الدولي لأن قدرتها على التغيير في الواقع السياسي السوداني تتلاشى.
هناك معطى آخر في غاية الخطورة سيتحدد شكله بعد الانتخابات أيضًا إذا ما فشل الرئيس البشير في احتواء المعارضة الفترة القادمة، فلم يعد أمام المعارضة المسلحة سوى أن تنشط في ظل انسداد الأفق السياسي مع المعارضة السياسية، فإذا تم التصعيد فإن النظام السوداني سيدخل جولة جديدة من الحروب الداخلية غير معلومة النتائج وهو ما لا يتمناه البشير شخصيًا، لكن بعض قوى حزبه الحاكم مستعدة أن تمول حربًا كهذه ولا تمانع فيها.
كل هذه تخمنيات لما يمكن أن يجري الفترة القادمة بعد إعلان نتيجة الانتخابات السودانية، لكن الواقع يقول إن ثمة قوى سودانية معارضة دعت الشعب لتصعيد مقاومته من أجل إسقاط النظام، كما دعت إلى عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات “المزيفة” على حد وصفهم، حيث ترى المعارضة أن النظام يرفض الحوار ويدعو للحرب، وهذا هو أحد السيناريوهات التي تحدثنا عنها.
لكن تنفيذ هذا السيناريو يتوقف أيضًا على جدية المعارضة السودانية المذبذبة التي تختلف فيما بينها على أدق التفاصيل، فيما يراها متابعون أنها ضحية هي الأخرى لهذا النظام الذي اعتمد نهج تفجير المعارضة من الداخل، حتى باتت السودان تعاني حتى في قواها السياسية المعارضة التي لا تكن أبدًا على مستوى الحدث؛ مما أفقدها أي ثقل شعبي أو تجاوب مع دعواتها، بينما ترى المعارضة عكس ذلك بسبب تجاوب الفئات الشعبية مع دعواتها للمقاطعة، والحقيقة التي أكدها نشطاء على الأرض في السودان أن هناك حالة من الإحباط السياسي أصابت المجتمع السوداني وكل من الحكومة والمعارضة مشترك في أسبابها وهي التي دفعت الشعب إلى المقاطعة ولكن المعارضة السودانية لا تريد الاعتراف بذلك.
ومن جهة مآلات الصعيد الخارجي للانتخابات، تشهد السودان هذه الأيام تزامنًا مع قيام الانتخابات التي تثير الجدل السياسي بالبلاد، بزوغ فجر جديد لعلاقة وثيقة مع عدد من دول المحيط العربي، كأحد أهم إفرازات انضمام السودان لتحالف “عاصفة الحزم” والعمليات العسكرية التي تقودها المملكة العربية السعودية في حربها ضد الحوثيين في اليمن، وهذا القرار يوضح بجلاء أن الرئيس السوداني يسعى للاستفادة من المتغير الاقليمي في حملته الدعائية الانتخابية وما بعدها، وهذا ما أفصحت عنه خطبه في كل جولاته الانتخابية الولائية، ولكن يبقى السؤال: هل سيفيد هذا التحالف الرئيس البشير على الصعيد الداخلي على المدى البعيد في مرحلة ما بعد الانتخابات؟
استعاض النظام على المستوى الداخلي عن فقد الحليف الإيراني بمكاسب مالية ضخمة، على خلفية التغيير الذي طرأ في العلاقة مع إيران، باعتبارها الحليف الإستراتيجي السابق للسودان ولكن النظام ينظر في هذه المرحلة إلى التركيز على الأزمة مع القوى السياسية السودانية، والتي حلها سيعد الأكثر نجاعة لحل المشكلات المعقدة التي تعانيها السودان، بداية من الأزمة الاقتصادية المستفحلة والأوضاع الأمنية المعقدة التي لازمت الرئيس البشير طوال ربع قرن من الحكم.