جاء بيان المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة المصرية قاطعا، فالبداية العسكرية التي يخاطب فيها “الشعب المصري العظيم” تعني أن الأمر جلل. البيان الذي جاء مباشرة بعد نشر عدة صحف مصرية مذكرات لسامي عنان، رئيس أركان الجيش المصري الأسبق والذي عزله الرئيس محمد مرسي، جاء ليحذر الإعلام المصري من تناول معلومات وبيانات على أنها مذكرات شخصية لبعض المسؤولين العسكريين السابقين، والذى “يؤدي إلى إيجاد حالة من البلبلة والإثارة بشكل يمس أمن وسلامة القوات المسلحة”، ويؤثر على الأمن القومي للبلاد في ظل ظروف بالغة الدقة والحساسية.
سامي عنان الذي جاء في مذكراته احترام ظاهر وتقدير للرئيس المخلوع حسني مبارك، سبب حرجا واضحا لقيادة الجيش التي ما فتئت تؤكد انتمائها للثورة، وانحيازها لمطالب المصريين، حاول أن يؤكد على وطنيته عندما قال في المذكرات أنه لو وجه إليه أمر بإطلاق الرصاص على المصريين فلن يفعل، فهو لم يفعل ذلك عند “الاجتياح الفلسطيني” لرفح، ولم يشهر سلاحه في وجه الفلسطينيين.
عنان كذلك قال وجه انتقادات لقناة الجزيرة ، واصفا إياها بـ”ذات البراعة المشهودة فى صناعة التوتر”، وأكد في نبرة تآمرية معروفة، تحاول إثبات أن للولايات المتحدة دور في انتفاضة المصريين في ٢٥ يناير.
رئيس الأركان الأسبق حاول أيضا وسم نفسه بالوطنية، حيث طلب من وزير الدفاع المشير طنطاوي والذي أقاله الرئيس مرسي من منصبه كذلك في أغسطس من العام الماضي، أن ينفذ انقلابا ناعما ضد مبارك.
واستخدم عنان نفس التعبيرات الشعبوية التي يستخدمها الإعلام في مصر من أن الرئيس مرسي قد هرب من السجن بمساعدة حزب الله وحماس، كما اتهم بشكل ضمني الثوار بقتل أنفسهم في ميدان التحرير أثناء موقعة الجمل حين قال “الرئيس مبارك بعد خطابه استطاع أن يكتسب أرضاً جديدة ويحظى بقدر كبير من التعاطف، فلا مصلحة لأحدهما فى تغيير المسار الإيجابى، فمن الذى يملك المصلحة؟ ومن الذى استفاد فعلياً؟ الإجابة عن هذين السؤالين معروفة، والفاعل -بالتبعية- معروف.”
وفي بقية شهادته حاول عنان بكل قوة أن ينفي أي صلة أو تعاون بين الإخوان وبين الجيش خلال الفترة التي سبقت والتي تلت تولي محمد مرسي لرئاسة الجمهورية، وهو ما يؤكد شعبوية المذكرات وحرصها على مجاراة النفس الفاشي في مصر المتمثل في الرغبة في استئصال الإخوان المسلمين، من الحياة السياسية أو من الحياة بشكل عام.
المتحدث العسكري كما يبدو، عبر عن استياء قيادة الجيش من تصريحات عنان، وحذر بوضوح من أن الأمن القومي المصري هو الأولى بالنظر وليس تبادل المعلومات التي هي من حق المواطنين، وهو ما يؤكد التكهنات التي تقول برغبة ومساعي الضابط عبدالفتاح السيسي في الترشح لرئاسة الجمهورية، والتي من الممكن أن يرى في فضح مذكرات عنان لموقفهم المضاد للثورة تقويضا لها.
من جانبها قال محمد عادل المتحدث باسم حركة ٦ أبريل في مصر أن مذكرات عنان كشفت “تآمر” المجلس العسكري -ومن ضمنه عبدالفتاح السيسي- علي الثورة .
وأضاف عادل في سلسلة تغريدات أن المذكرات تؤكد تخطيط المجلس العسكري لتشويه الثورة والسيطرة علي مقاليد أﻷمور.
وطالب بعض العسكريين السابقين والمقربين من قيادة الجيش بمحاسبة عنان قانونيا بحجة أن “مذاكراته تمس الأمن القومي” مؤكدين أن توقيت نشر المذكرات بهداف الدعاية الانتخابية قبل الانتخابات الرئاسية، ولدفاع عنان عن نفسه ولتبرئة ساحته من أي تهم منسوبه اليه.
ومن المؤكد بالنسبة للمتابع للشأن المصري حاليا وجود حالة من التخبط إن لم يكن الصراع بين قادة الانقلاب العسكري في مصر، والمخابرات العامة والحربية، و أيضا بعض العسكريين السابقين أمثال سامي عنان، وتؤكد كل المؤشرات أن هناك صراعا واضحا بين بعض الجهات الإعلامية التي تسيطر عليها المخابرات العامة المصرية مثل الإعلامي توفيق عكاشة الذي بمجرد ما أصدر اتهاماته للسيسي والتي كان يكيلها لجميع العاملين على الساحة السياسية في مصر، قامت الشرطة باعتقاله وإغلاق قناته.
مذكرات عنان وبيان القوات المسلحة وتسريبات مبارك والعادلي، كلها تؤكد أن هناك أياد خفية ما زالت تدير الأحداث من وراء ستار، والخاسر الوحيد هي الدولة المصرية التي تعاني من تدهور شديد في الخدمات الأساسية، وفي الاقتصاد، وهو ما يؤشر إلى اتجاه مصر إلى حالة انهيار الدولة.