جدل اجتماعي وديني أصاب الأوساط المصرية مع تنامي دعوات اعتبرت “شاذة” لدى البعض بسبب صعود أصواتها رغم أنها موجودة بالمجتمع المصري من قديم الأزل، هذه المرة يتجدد أمر دعوة نساء مصر إلى “خلع الحجاب” تحت ذريعة التحرر من العادات القديمة،وتشويه صورة الحجاب بالإسلام السياسي هذه ادعاءات استند إليها الكاتب الصحفي شريف الشوباشي أحد الداعين لتنظيم تظاهرة في ميدان التحرير لخلع الحجاب وزاد في الأمر إلى أن وصل به الحد لإطلاق أوصاف غير لائقة على من يرتدين الحجاب.
لا يعد هذا الإعلان سابقة في نوعه في الفترة الأخيرة بمصر، فليس الكاتب الصحفي شريف الشوباشي هو أول من يقول ذلك، فقد سبقه هجوم وزير الثقافة السابق جابر عصفور على الحجاب، فضلاً عن دفاعه بقوة عن الصور العارية، كذلك ادعت الكاتبة الصحفية فريدة الشوباشي أن الحجاب ليس فريضة دينية.
أشعلت هذه الدعوات جدلًا جديدًا، بسبب مطلقي الدعوة الذين أعلنوا أن من بين أهدافها مواجهة “الفكر المتطرف” على حد وصفهم فيما اعتبر معارضوها أن فحواها تناقض حرية اللباس بالأساس،كما تأتي الدعوة في خضم مشكلات سياسية متصاعدة ووضع اقتصادي متدهور أصاب البلاد.
سيطرت قضية الحجاب على تصريحات وأحاديث من يوصفون بـ”الليبراليين” أو من تصفهم الحركات الإسلامية بالعلمانيين ممن يرون أن الحال في مصر بدأ يتدهور بعد انتشار الحجاب على كافة الأصعدة على حد زعمهم، رافعين شعارات أن مصر كانت أجمل “بدون حجاب” في إشارة لفترة الخمسينات والستينات والسبعينات التي لم تشهد هذا الانتشار الواسع للحجاب في مصر.
أثارت هذه الدعوة جدلا واسعًا على كافة الأصعدة سواء على صفحات الجرائد وشاشات التلفزة وبالطبع وسائل التواصل الاجتماعي التي ضجت بآراء بين مؤيد ومعارض، وخرج كل فريق ليظهر رأيه في الأمر الذي انعكس على الانقسام السياسي الذي يشهده المجتمع المصري، فبينما يرى أنصار التيار الإسلامي في مصر أن هذه الدعوات نتيجة واضحة للانقلاب العسكري في مصر الذي يخوض حربًا ضد ثوابت الدين على حد وصفهم، يرى في نفس التوقيت التيار الذي يصف نفسه بالتنويري -وهو تيار ممالئ للسلطة- أن انتشار الحجاب في مصر جاء نتيجة لازياد نفوذ جماعات الإسلام السياسي في المجتمع المصري، وحان الوقت لشن الهجوم على كافة مظاهر الإسلام السياسي وفي مقدمتها الحجاب.
انتقل الجدل سريعا إلى شبكات التواصل الاجتماعي إذ اشتعل موقع “تويتر” بالتغريدات التي تطرح وجهات نظر مؤيدة ومعارضة لدعوة خلع الحجاب في ميدان التحرير إذ تصدر هاشتاج “مليونية خلع الحجاب” مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما بعد تصريح الشوباشي الذي رأى فيه أن “99% من العاهرات يرتدين الحجاب” وهو تصريح أثار جدلا واسع النطاق.
وانعكس الجدل على موقع “تويتر” إذ نشر المغردون الرافضون للدعوة صورا لحجاب المرأة في اليهودية والمسيحية والإسلام وصورا لأول مذيعة محجبة في التليفزيون الأمريكي، في حين بدأ مؤيدو الدعوة في نشر صور تظهر نساء مصر في خمسينات وستينات القرن الماضي بدون حجاب مع دعوات للعودة إلى هذا العهد.
وصف الأمر على أنه صفعة على وجه الإخوان أثار غضب بعض من غير المسيسين من المصريين الذي رأوا ضروة الفصل بين الصراع السياسي والثوابت الدينية في وجهة نظرهم، والذين أكدوا أيضًا أنهم مختلفون مع تيارات الإسلام السياسي لكن لا يمكنهم سحب ذلك الاختلاف في الدين.
كما أُطلق أيضًا هاشتاج آخر تحت اسم #حكايتي_مع_الحجاب رأي مناصرون فكرة خلع الحجاب أنه من الضروري رواية تفاصيل بداية احتكاكهم بالحجاب وبالطبع أثار معظمهم أمر إجبارهم عليه، فيما استغل آخرون هذا الهاشتاج لمهاجمة فكرة الإجبار على الحجاب موضحين أنها فرية باطلة لتشويه مرتدي الحجاب.
عبر نشطاء مواقع التواصل الرافضون للأمر بأن العلمانية المصرية دائمًا ما تقع في التناقض والازدواجية ففي نفس الوقت التي تدعو فيه لعدم خلط الدين بالسياسة، تقوم بالاستقواء السياسي في مصر لمحاربة أفكار دينية.
التناقض الفكري والأخلاقي كبير لدى علمانيو مصر فهم من جهة يدعون لعدم خلط الدين بالسياسة ومن جهة يحاربون الدين بالسياسة..#مليونية_خلع_الحجاب
— رضوان الأخرس (@rdooan) April 17, 2015
كما أكد المغرودن أن من يستفز المجتمع بمثل هذه الدعوات عيه أن يتحمل ردود الأفعال التي ستتحول من الخصومة الفكرية إلى الخصومة العقائدية .
من يتعمد استفزاز الناس في دينهم عليه أن يبصر النتائج جيدا، لأنه سيواجه لاحقا خصوما يرونه عدوا لدينهم وليس لفكرهم السياسي#مليونية_خلع_الحجاب
— Lama Khater لمى خاطر (@lama_khater) April 17, 2015
على الجانب الآخر ذهب المؤيدون للفكرة بترويج حجج تدعو لخلع الحجاب والاستجابة الأمر كقولهم أن الحجاب لن يمنع التحرش وأن الأمر لن يقف عند الحجاب وفقط بل سيطالبونك بالمزيد.
#مليونية_خلع_الحجاب لو فاكرة أنك ستتخلصين من تحرش المجتمع بالحجاب، هيفضلوا يقرفوكي ويتحرشوا بيكي به لحد ما تلبسي كيس أسود- وبرده رايحة النار
— Alyaa Gad (@AlyaaGad) April 17, 2015
وعلى هاشتاج آخر #حكايتي_مع_الحجاب تدوالت الناشطات فكرة بدء ارتداء الحجاب بين مؤيدة ومعارضة لدعوات خلعه
حيث أكد المؤيدون لهذه الدعوات أن الحجاب لا يمثل لهم أي أهمية في الواقع ولا يرونه شيئًا أخلاقيًا
https://www.facebook.com/CilantroSecularists/posts/715798818530528
بينما دعى الإسلاميون إلى تدوال قصص بدايتهم مع الحجاب للتشجيع على ارتداء الحجاب ومجابهة دعاوى خلعه
https://www.facebook.com/ihab.ahi.ali/posts/10152774675154249
ولم يخل الأمر من السخرية من هذه الدعوات على مواقع التواصل، حيث تدوال مغرودن صورًا كوميدية تسخر من هاشتاج حكايتي مع الحجاب كنوع من رفض فكرة الخوض في هذه النقاشات
دعوات خلع الحجاب لم تأتي وحدها بل أتت في وسط هجمة داخل المجتمع المصري المنقسم على نفسه، فبين حرق الكتب في باحات المدارس بدعوى تطهير الأفكار من الإرهاب إلى تلميع بعض من المفكرين الذين يطعنون في أفكار تراثية إسلامية بدليل وغير دليل، فسر البعض هذه الهجمات بإنها بإيعاز من السلطة الحالية التي روجت لفكرة التجديد الديني والتي تلقها تيار فكري بعينه في مصر على أنها دعاوى للطعن والتشويه في الثوابت مستندين إلى ظهر السلطة التي دعتهم للتجديد الديني .