حرية ممارسة الشعائر الدينية مكفولة طبقًا للدستور في طاجيكستان، البلد الصغير الناطق بالفارسية والمتاخم لأفغانستان، ولكنها في الواقع تكاد تكون منعدمة، على الأقل للأغلبية المسلمة، والتي تعاني من قبضة الدولة على الدين، حيث صرّح الرئيس الطاجيكي مؤخرًا عن “تفضيلاته” لما يجب أن يكون عليه زي الطاجيك، كما تنتشر أنباء بين الحين والآخر عن عمليات إجبار الرجال على حلق لحاهم إن وُجِدَت، مع قيود صارمة على من يستطيع أن يذهب إلى مكة لأداء العمرة أو الحج.
الإسلام في طاجيكستان
حتى الشهر الماضي، كانت طاجيكستان هي البلد الوحيد في آسيا الوسطى الذي حصلت فيه الحركة الإسلامية على تمثيل في البرلمان في نوع من أنواع الانفتاح النسبي تجاه الدين، حيث تمتع حزب النهضة الإسلامي بوضع قانوني وحده دون أي فصيل إسلامي آخر، بيد أنه خسر مؤخرًا في انتخابات مزوّرة، ليخرج لأول مرة من نطاق ممارسة السياسة بشكل قانوني منذ أن وضعت الحرب الأهلية في البلاد أوزارها، ولتبدأ حملة إعلامية مطالبة باعتباره فصيلًا إرهابيًا وحظره من ممارسة نشاطاته.
في الحال، أصبحت خطبة الجمعة يوم 27 مارس الماضي عبارة عن مطالبة بالضغط على الحكومة لحظر الحزب، لأن الخطَب ببساطة تُكتَب قبلًا وتجيزها السلطات قبل أن يلقيها الخطباء المعيّنون من الدولة، وهي إشارة إلى رغبة الرئيس إمام علي رحمن في التراجع عن وعوده بمنح الحزب 30٪ من المناصب الوزارية كما يقضي اتفاق ما بعد الحرب الأهلية.
تُعتَبر اللجنة الحكومية للشؤون الدينية هي المشرف الرئيسي على القوانين المتعلقة بالدين في طاجيكستان، والمسؤولة عن تطبيقها، بما في ذلك تسجيل أي مجموعة دينية جديدة، واستيراد المواد الخاصة بالدين، ومراقبة الجوامع والكنائس، في حين يقوم مجلس العلماء بدور الموجّه الروحي إن جاز القول للمسلمين الطاجيك، وهو بالطبع خاضع تمامًا لسلطان الدولة رُغم استقلاله على الورق بشكل رسمي.
تشتمل تلك القوانين على منع ارتداء الطالبات للحجاب، ومنع الشباب دون سن الثامنة عشر من المشاركة في أي مناسبات دينية عامة، باستثناء الجنازات، والتي تتحكّم فيها السلطات هي الأخرى (!)، مثلها مثل مراسم الزواج وعبد المولد النبوي، حيث تقوم السلطة بوضع حد لعدد الأفراد الحاضرين لأي مناسبة، وكمية الهدايا، وتمنع من الأصل احتفالات الخُطبة.
حملة جديدة على الحريات الدينية
في يناير 2014، أصدرت الدولة زيًا جديدًا للأئمة في المساجد، كما أشارت تقارير عدة إلى إجبار بعضهم على حلق لحيته، مثلما جرى في 31 مارس المنصرم لأحد زوار مدينة خوجند حين ضل طريقه ولم يجد سوى شرطي ليسأله، ليُجبَر على حلق لحيته التي أطلقها بعد الحج، بعد إجباره على التوجه لقسم الشرطة وتعرّضه للضرب طبقًا لأقواله.
تأتي تلك القيود الجديدة في أعقاب انتشار التطرف بين قطاعات واسعة من الشباب نتيجة عودة طالبان في أفغانستان بعد بدء انسحاب القوات الأمريكية، وظهور داعش وطلبها لخبرات مقاتلي آسيا الوسطى وأفغانستان، وهو ما أثار حفيظة الأنظمة الشمولية التي تركها الاتحاد السوفيتي في المنطقة، والتي تتسم بعلمانية متطرفة ورثتها عن سياسات الروس، وتحاول الحفاظ عليها تحت اسم “مكافحة الإرهاب” كالعادة، في محاولة لركوب الموجة الموجودة حاليًا، وهو هدف سيجد صدى لدى الجميع، من موسكو وحتى واشنطن، أو هكذا يعتقد النظام الطاجيكي.
في هذا السياق، وخوفًا من تطرّف الشباب، قررت لجنة الشؤون الدينية، كما أعلنت في مؤتمر صحافي هذا الأسبوع، منع أي شخص يقل سنه عن 35 عامًا من السفر لأداء فريضة الحج، وتقليل الأعداد المخصصة للطاجيك، والتي يتم تنسيقها مع السعودية، من ثمانية آلاف طاجيكي إلى 6،300 فقط، في حين خرج الرئيس الطاجيكي إمام علي رحمن في عيد الأم ليشن هجومًا ضمنيًا على الحجاب، لا سيما الشادور الأسود القادم من إيران، داعيًا إلى التزام النساء بالأزياء الطاجيكية والابتعاد عن “الملابس السوداء”، والتي قال أنها تُستَخدم من قِبل فتيات الليل للتخفّي ليس إلا!
في أعقاب خطابه، أذاع التلفاز الطاجيكي برنامجًا عن استخدام مجموعة من فتيات الليل للشادور الأسود، في حين بدأ الهجوم على محلات بيع الحجاب في العاصمة دوشانبه، كما أشارت تقارير عدة، حيث نزلت مجموعات تابعة للجنة الشؤون الدينية مع مفتشي ضرائب وضباط شرطة إلى سوق صدبرگ، وأمروا بائعي “الملابس الإسلامية” بالتوقف عن عملية البيع.
“انظر لهذه العباءة وقُل لي أي خطر يمكن أن تشكله،” هكذا قال أحد الباعة المعترضين على توجهات الحكومة الجديدة، والذي اضطر إلى رفع إحدى العباءات السوداء من العرض بعد أن رأت السلطات أنها ملابس إسلامية، بل وغرّمته 10،000 ساماني (حوالي 1750 دولار)، “لن أدفع تلك الغرامة، وليس هناك تفسير للجريمة التي ارتكبتها طبقًا للقانون لأدفع مبلغًا كهذا لأن أوراقي كلها سليمة.”
“كيف لي أن أعرف فيما سيُستَخدَم الشادور الذي سأبيعه، وما شأني أن تستخدمه إحداهن في البغاء كما يُقال؟،” هكذا قالت نسيبة خال مرادوفا، والتي تبيع أغطية الرأس في سوق سعادت بالعاصمة الطاجيكية، والتي بدأت تضيق ذرعًا من توجهات الحكومة الجديدة مثل الملايين من الطاجيك الذين ترتدي نساؤهم الحجاب على نطاق واسع.
***
بطبيعة الحال، وكما تشي حالات سابقة، لا يبدو أن توجهات الحكومة العلمانية المتطرفة ستخلق سدًا أمام انتشار الأفكار المتطرفة والتأثر بدعايا الحركات الإسلامية خارج طاجيكستان، خاصة طالبان وداعش، بل على الأرجح ستؤدي لنتائج عكسية، كما يقول ديلشاد شريفوف، أحد العمال العاملين بروسيا وواحد من أنصار حزب النهضة، والذي يعتقد أن ما يجري للحزب، وسكوته على حملة القمع الجديدة تلك، إشارة إلى ضرورة تجاوزه وتبني أفكار أكثر راديكالية لمواجهة نظام إمام علي رحمن.
“لقد قررت مجموعة من أصدقائي الانضمام لحركات أخرى ذات أجندات راديكالية، لأننا نعتقد أن حزب النهضة الآن قد أحبط الجميع،” هكذا يقول شريفوف.