في ظل الأنظمة القمعية، الأنظمة الديكتاتورية، أنظمة تكميم الأفواه ووأد الديمقراطية وقطع كل صلة بالنقد أيًا كان نوعه سواء سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، فعليك أن تبتعد عنه وتنأى بنفسك عما يدخلك في المساءلة، أو الزج بك في غياهب المجهول، وأصعب ما يكون ذلك النقد هو نقد الرئيس أو تناول الذات العظيمة المجيدة الكبيرة المتمتعة بالحصانة التامة ضد كل رصاصات النقد، وعليك في هذه الحالة إن كنت صاحب شهية لنقد الرئيس أو تناول أي مادة تدور حول حزب الرئيس أو جماعته أن تأتي معنا لتنظر في مقرر دروس مادة الوطنية.
في البدء، اعلم أن الوطنية هي الحالة المتماسكة وهي الشعور النبيل الذي يتمتع به الرئيس أو الذات العظيمة وجماعتهم وحزبهم وكل من يمت إليهم بصلة القرابة أو النسب، أما أنت أيها المواطن والذي تثبت وطنيتك بما لديك من أوراق الميلاد أو الجنسية فأنت مواطن وليس وطني، فالوطني هو الرئيس وحزب الرئيس وجماعة الاقتصاد الداعمة له وجماعة أصحاب الطبل وجماعة أصحاب تلميع الأحذية.
إذن أول الدروس في المقرر الوطني: ألا تتناول الرئيس بأي نقد أو أي توجيه أو لمم، إنك إن كنت من أصحاب الإيمان بفكرة رحم الله امرئ أهدى إليّ عيوبي، فتطبيق هذه الفكرة في حقك جيدة وذات معاني يمكن أن تستفيد منها في حياتك، أما أن تحاول أن تهدي إلى الرئيس عيوبه فهذا سوف يؤدي بك إلى المهالك وسوف تنبري أقلام سيادة الرئيس وكل المدافعين عنه في السراء والضراء وسوف تلقى الهجوم تلو الهجوم، وعليك أن تحترم نفسك وتنسحب كما انسحب باسم يوسف الذي هاجم الرئيس السابق صاحب العام الواحد،ثم حينما ظهر في الأفق نجم جديد قبل أن يصبح رئيساً تلقى باسم يوسف الدروس والمحاضرات والموجهات العامة، ولكنه احترم نفسه وغاب عن المشهد.
إذن وقد وعيت الدرس الأول في مقرر مادة الوطنية؛ تعال معنا لننتقل إلى الدرس الثاني وهو درس الأمن القومي، وما أدراك ما الأمن القومي، فأنت مواطن عادي، والذين هم حماة الوطن أو القومي هم رجال الدولة، دولتك العظيمة وهي المدافعة عن شرف الأمة وحامية الحدود من تغول الأعداء وكل المتربصين بأمن بلدك؛ فعليك أن تعرف حجمك وتدرك حجم الأعباء الملقاة على السيد الرئيس العظيم حامي الدستور وحامي الأمن القومي، فأنت حين تكتب عن بلدك من منطلق النقد فإنما تقف بذلك إلى جانب صفوف المتربصين بأمن البلاد والذين يحاولون سرقتها والزج بها في جانب البلاد المتأخرة، فعليك الانتباه لأسرار ومعاني الأمن القومي والذي يمثله والذي يمثله رئيسك ليل نهار ويعمل على راحتك ويحميك من الأعداء والمتربصين، وعلى كل ناقد أن ينتبه إلى كلمات دولته الرنانة والطنانة فأي عبث أو تلاعب بهذه المصطلحات يعرضك إلى الخطر ممنوع الاقتراب والتصوير.
والدرس الثالث في مقرر مادة الوطنية: هو التحدث عن الثوابت الوطنية، فعليك حين تسمع هذا المصطلح أن تتعلم أنها ثوابت قوية قد ترسخت وتجذرت منذ عقود ولا أحد يستطيع أن يغيرها أو ينال منها، فمن أهم الثوابت والتي تم حفر أساسياتها بعمق في أرض الواقع السياسي هي مدة بقاء الرئيس، لدرجة أن الجمهورية من العادي وغير المثير للقلق أن تورث القيادة فيها لابن الرئيس، فهذه من الثوابت الجديدة في الأنظمة العربية، وعليك أن تنتبه إلى أن المؤيدين بالطبل وتلميع الأحذية للرئيس الجديد في مصر يسعون إلى جعل مدة رئاسته سبعة أعوام، فيجب عليك أن تنتبه للثوابت الوطنية؛ تنأى بنفسك عن التهلكة، ومن الثوابت الوطنية أن تدرس في دولتك لا تتدخل في شؤون الغير، إلا بمقدار أن يكون رئيس دولتك عسكريّ ومن الممكن أن يدعم من هو حفتريّ وهذه من الثوابت.
ومن الدروس المهمة في مقرر مادة الوطنية درس حرية الرأي والتعبير فهي كما يقول الدستور وتقول الفطرة السليمة إنك حر ولا حجر عليك من أحد، لكن بشروط بلدك وقيادتك الحرة النزيهة وقيادة القائد الملهم البطل المغوار حامي الحريات، وبهذا يمكنك أن تتكلم عن انعدام البصل واختفاء البطيخ كما يحلو لك وتوجه النقد العام للتّجار، لكن عليك أن تنتبه وأنت بصدد ممارسة حريتك ألا تتناول أحد رموز النظام الأغنياء النافذين في تجارة البصل والبطيخ، فإنك إن فعلت ذلك لا تلومن إلا نفسك “وعلى نفسها جنت براقش” واعلم أننا أمة القرن الواحد والعشرين لا تأبه بالسياسة العمرية القائلة متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا، وعليك أن تفرق دائمًا بين الكلام عن الحرية وحرية التعبير والكلام عن الرأي والرأي الآخر، وبين الفعل والتنفيذ وأن تفرق بين الحديث عن الديمقراطية وتطبيق الديمقراطية.
ونواصل في طرح دروس مادة الوطنية فنجد درس الانتخابات، وما أدراك ما الانتخابات، سواء كانت انتخاب الرئيس أو انتخاب المجالس النيابية أو البرلمانية أو مجلس الشعب أو المجلس الوطني، سمها ما شئت، هي جميعها مغلفة بالتزوير والبلطجة، وأعلم أن النسب في انتخاب القائد الملهم هي مائة في المائة فجميع الناس – ونكرر جميع الناس في الوطن – يحبون الرئيس ويقدسونه ويقدرونه، ويعرفون قيمة أن يكون هو لا أن يكون أحد غيره، وعليك أن تقول معي سبحان الله، فالله عز وجل الخالق الرزاق الكبير المتعال ينادي الكافرين به والذين لا يعترفون بوجوده فيجعل طريقتهم المنحرفة الضالة دينًا (لكم دينكم ولي دين) مع أن دينه هو الحق وهو الدين القيّم، فالله عز وجل لم ينل من عبيده هذه التسعة والتسعون وتسعة من …… ولكن الرئيس الملهم الدكتاتور ينال هذه النسبة ويظل على الكرسي ترشيح بعد ترشيح وانتخاب بعد انتخاب، وهذا هو البشير يترشح لولاية جديدة بعد ربع قرن من الجلوس على الكرسي، أما الحديث عن انتخابات مجلس الشعب فهي الضلال البعيد، وعليك أن تسميها (أنتم خيبات) وليس انتخابات.
ونصل إلى الدرس السابع في دروس مادة الوطنية وهو بعنوان التدوال السلمي للسلطة، هنا عليك أن تظل في حزبك تعتني به، وتواصل الأحلام في الوصول إلى السلطة، والسلطة بيد الحزب الوطني الذي يجعل من الأحزاب الأخرى أشياء هامشية لا أهمية لها، ولكنه في الإعلام يواصل النهار مع الليل وهو يتحدث عن التداول السلمي للسلطة يرسل الإشارة بذلك إلى الذين خرجوا عليه وحملوا السلاح ولم يستطع أن يقضي على تمردهم وكيف يمكن للأحزاب المسالمة أن تصل إلى السلطة وكل السلاح بيد الحزب الحاكم الجيش، الشرطة، حرس الحدود، الدفاع المدني، الدفاع الشعبي وغيرها من المسميات الأخرى، فمن هو الذي يجب عليه أن يكون سلميّ فجميع أدوات القمع في يده والأحزاب لا تمتلك سوى الأعضاء، وكيف يكون التدوال السلمي والرئيس ينتخب مرة بعد مرة، والحزب الذي سمى نفسه وطنيًا يريد أن تكون الأمور بيده إلى الأبد فهو العظيم الجليل، وما سواه إلى جماعات لا يجب أن تصل وتحكم وتتحكم في الشعب.