أصدرت محكمة الجنايات المصرية صباح اليوم حكمًا بالسجن مدة عشرين عامًا بحق الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي و10 آخرين من مساعديه وقياديين بجماعة الإخوان المسلمين بتهم استعراض القوة والعنف واحتجاز وتعذيب معارضين له في القضية المعروفة إعلاميًا باسم “أحداث الاتحادية” والتي تعود إلى فترة حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي في العام 2012، ولمعرفة حيثيات هذا الحكم يجب تتبع خيوط هذه القضية وأحداثها وكيف أعاد النظام إنتاجها بشكل جديد متوائم مع متغيرات الانقلاب الذي حدث على الرئيس الأسبق.
أجواء ما قبل الاتحادية
في يوم 22 نوفمبر 2012، أصدر الرئيس الأسبق محمد مرسي إعلانًا دستوريًا مكملًا، تضمن حزمة من القرارات التي أثارت جدلًا في الأوساط السياسية المصرية، أبرزها كانت تحصين مجلس الشورى المنتخب واللجنة التأسيسية للدستور من الحل كما حدث لمجلس الشعب سابقًا بعد حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان القانون الذي أُقيمت عليه الانتخابات، مع تمديد فترة عمل اللجنة التأسيسية للدستور شهرين آخرين، كما تضمن إقالة النائب العام المعين من قِبل مبارك عبدالمجيد محمود، وتعيين طلعت إبراهيم نائبًا عامًا، مع قرار بإعادة التحقيقات والمحاكمات للمتهمين في قضايا قتل متظاهري ثورة يناير.
هذا الإعلان الدستوري أدى إلى استقطاب حاد في الشارع المصري بين مؤيد لقرارات الرئيس ومعارض لها، تزامن مع ذلك خروج تظاهرات من الجانبين مؤيدة ومعارضة للقرارات، وسط غضب عارم في أوساط القضاة الذين اعتبروا هذا الإعلان تعديًا على السلطة القضائية في البلاد، الأجواء السياسية حينئذ اتسمت بالشحن في ظل نزيف حاد في شعبية الرئيس الأسبق محمد مرسي بسبب الأحداث الداخلية التي صعدها الإعلام بشكل ملحوظ كتصادم قطاري الفيوم وحادث قطار أسيوط مع حافلة مدرسية، كذلك خلاف الرئاسة مع النائب العام السابق عبدالمجيد محمود الذي عُرض عليه التخلي عن المنصب مقابل تعيينه سفيرًا لمصر في الفاتيكان فقبل العرض ثم تراجع عنه وهو ما أثار بلبلة داخل الوسط القضائي، في سمت عام تكون كصورة ذهنية لدى المجتمع على تردد قرارات الرئاسة.
اجتمعت أغلب القوى السياسية المعارضة ورفضت الإعلان الدستوري كلية، إلا أن بعض الأحزاب أيدت قرار إقالة النائب العام عبدالمجيد محمود، متهمين إياه بالتقصير في تقديم الأدلة التي تدين رموز نظام المخلوع مبارك.
أحداث الاتحادية
دعت المعارضة أنصارها للخروج إلى الشارع في تظاهرات بجميع أنحاء الجمهورية، كما ترددت دعاوى عن نية المعارضة للاعتصام حتى إلغاء الإعلان الدستوري، من جهة أخرى تزعمت التيارات الإسلامية في مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين الدفاع عن الإعلان الدستوري وأعلنت خروج تظاهرات مؤيدة له في كافة أنحاء الجمهورية.
في يوم الرابع من ديسمبر أعلنت مجموعات معارضة الاعتصام أمام قصر الاتحادية الرئاسي حتى إلغاء الإعلان الدستوري المكمل، تسربت شائعة لدى أنصار الرئيس في هذا الوقت أن هناك نية من المعارضين اقتحام القصر الرئاسي في ظل تواطؤ من الجيش والشرطة، فتوجهت مسيرة مؤيدة إلى محيط قصر الاتحادية واشتبكت مع مجموعات المعارضة المعتصمة واستولت على أماكن اعتصامهم أمام القصر.
تمكنت القوى المعارضة من تجميع أنصارها واتجهت نحو القصر من جهة أخرى واندلعت اشتباكات عنيفة بين الأطراف نتج عنها سقوط عشرات المصابين في الجانبين، إلى أن بدأ سماع دوي إطلاق رصاص من أطراف مجهولة بين الطرفين أدت إلى سقوط 8 قتلى من جانب أنصار الرئيس وصحفي تواجد لتغطية الاشتباكات “الحسيني أبوضيف” وضحية أخرى من جانب المعارضة.
اعتبر الإخوان المسلمون الأمر أنه محاولة انقلاب فاشلة بتدبير من المعارضة بالاحشتاد أمام القصر واستدعاء الجيش للتدخل، وهو أمر ظل مسار جدل بينهم وبين المعارضين الذين اعتبروا الهجوم على الاتحادية من قِبل أنصار الإخوان هو بداية لفتح باب العنف.
الاتحادية في قضيتين
بعد القبض على بعض المتهمين في الأحداث من الجانبين، أمرت النيابة بإخلاء سبيل جميع المتهمين وهو ما أغضب الرئاسة بشدة حينذاك من المستشار الذي تولى التحقيق في القضية في ظل اتهامات من أنصار الإخوان له بالتواطؤ مع المعارضة، ظل التحقيق على هذا الحال في القضية باهتًا وتم تسجيل القضية بالشهود دون أن تتحرك، حتى تم الانقلاب في الثالث من يوليو على يد وزير الدفاع آنذاك الفريق عبدالفتاح السيسي، اعتقلت قوات من الجيش الرئيس وعزلته إلى مكان مجهول دون سبب، في وسط دعوات داخلية ودولية لإظهاره وإطلاق سراحه، فاضطر الجنرالات إلى عمل قضية جديدة لأحداث الاتحادية بنفس شهود القضية الأولى لكن هذه المرة بورق تحقيق مختلف تمامًا عن الموجود في القضية السابقة، مع اتهام للرئيس الأسبق محمد مرسي و14 من معاونيه في القضية بتهمة التحريض على قتل المتظاهرين، مع ضم المتهمين من جانب المعارضة بإحداث شغب في القضية الأولى كشهود إثبات من بينهم أكثر من 17 أصحاب سجلات قضائية شاركوا في الأحداث ثم أفرجت النيابة العامة عنهم في القضية القديمة ليصبحوا شهودًا في القضية الجديدة.
رغم كل هذا العوار والتسييس الذي شاب القضية الجديدة التي صنعت خصيصًا لتبرير احتجاز الرئيس الاسبق إلا أن النظام مضى في جلساتها دون أن يضم ضحايا الإخوان الثمانية في الأحداث إلى القضية وكذلك المحرضين من المعارضة، واكتفى بمحاكمة الرئيس الأسبق في قتل الصحفي والمعارض.
حتى حكمت محكمة جنايات القاهرة صباح اليوم بالسجن 20 عامًا على الرئيس الأسبق محمد مرسي في هذه القضية، مع وضعه تحت مراقبة الشرطة لمدة خمس سنوات.
كما قضت نفس المحكمة بالسجن المشدد لعشرين سنة على القياديين بجماعة الإخوان المسلمين محمد البلتاجي وعصام العريان وعشرة آخرين من مساعدي الرئيس الأسبق وبوضعهم تحت مراقبة الشرطة لمدة خمس سنوات، بعد اتهامهم بـ “استعراض القوة والعنف”.
هذا الحكم يوضح إصرار النظام المصري الجديد على استخدام القضاء كأداة سياسية ضد معارضيه، حيث خُلقت قضية من رحم أخرى موجودة بالفعل متروكة في أدراج المحاكم، وتم الحكم على الرئيس الأسبق فيها ليستمر التصعيد تجاهه بمحاولة طي صفحته التي مازالت تؤرق الجنرالات في الحكم وذلك من خلال إدانات قضائية في قضايا قديمة مختلقة بتحقيقات جديدة كأحداث الاتحادية، واقتحام السجون، وقضايا تخابر أقل ما توصف به بأنها هزلية.
فيما ينتظر الرئيس الأسبق محمد مرسي أيضًا المحاكمة في هذه القضايا الأخرى، التي من المتوقع أن يصدر بها أحكامًا في اثنتين منهم في شهر مايو المقبل، هما قضيتا “التخابر مع حركة حماس وحزب الله” و”اقتحام السجون”، بينما تستمر المحاكمة في قضية “التخابر مع دولة قطر”، كما ينتظر أولى جلسات محاكمته في قضية أخرى بتهمة “إهانة القضاء”، كدليل آخر واضح على أن النظام يستخدم القضاء للتنكيل بالرئيس الأسبق للحفاظ على ماء وجهه أمام الغرب بحيث لا يستخدم الاعتقال وللخروج من مأزق استخدام إجراءات استثنائية ضده.
الإخوان المسلمون دعوا للتصعيد قبيل جلسة النطق بالحكم في ظل استنفار أمني شديد داخل القاهرة تحسبًا للتظاهرات التي قد تنطلق معارضة للحكم على الرئيس الأسبق، فيما نقل التليفزيون الرسمي المصري وقائع النطق بالحكم بالطبع لإرسال رسالة مفادها أن مرسي لم يعد رئيسًا وإنما مدان قضائيًا في ظن من النظام بأنه يقوم بحل مشكلته مع الرجل من خلال إدانته بحكم قضائي ولو كان أوليًا وقابلًا للطعن.
يرى مراقبون أن الحكم ما هو إلا مجرد استعراض للقوة من قِبل النظام، ورسالة إلى الإخوان بعد الحكم على المرشد العام بالإعدام في قضايا أخرى، أن النظام سيمضي في التصعيد من جانب القضايا والأحكام القضائية حتى على الرئيس المعزول بقوة الجيش، ولن يسير في اتجاه مصالحة أو ما يتردد في هذه الآونة على الأقل حتى هذه اللحظة.