ترجمة وتحرير نون بوست
“لا ترسل تعزيزات إلى سيناء أرسل الجيش بأكمله، وسوف يلاقي حتفه في الصحراء”، هذه الكلمات التي وجهها كمال علام لعبد الفتاح السيسي، ومن خلفه عربة مدرعة معطوبة تابعة للجيش المصري لإضافة الرمزية إلى مشهد التحدي.
علام هو زعيم الجماعة الإسلامية في ولاية سيناء، والذي أعلن نظام القاهرة عن مقتله أربع مرات على الأقل، وفي الحقيقة علام ليس الزعيم الوحيد الذي سلط الضوء على أزمة مصداقية المتحدثين باسم الجيش المصري وتضليل روايات الإعلام الرسمي، فبعد إعلان وفاته للمرة السادسة على التوالي، نشرت ولاية سيناء صورًا لشادي المنيعي – زعيم آخر في ولاية سيناء – وهو يقرأ نعيه على جهاز الكمبيوتر المحمول.
الأزمة في سيناء تبدو أبعد ما يمكن عن الأفول أو الانتهاء، خاصة بعد أن أسفرت آخر هجمة قامت بها التنظيمات المسلحة الإسلامية على الجيش المصري عن مقتل أكثر من 20 جنديًا، وأعقبها تغييرات طالت قيادة الجيش الثاني الميداني والاستخبارات العسكرية وقوات البحرية، كما أن موجات الحملات الأمنية والعسكرية على سيناء، والمستمرة منذ عام 2000 في أعقاب الانتفاضة الفلسطينية الثانية، شهدت أعنف موجة موجهة ضد المنطقة حتى الآن في أكتوبر الماضي، فيما بات يُعرف رسميًا باسم مرحلة تطهير الحدود مع قطاع غزة، والتي أسفرت عن التهجير القسري لأكثر من 1165 أسرة وتدمير أكثر من 800 منزل.
التمرد الأعنف
موجات الحملات العسكرية والأمنية المستمرة منذ أكثر من عقد ونصف العقد، لم تحظ بأي نجاح في إنهاء الأزمة رغم تصاعد العنف المستخدم فيها، فبين عامي 2004 و2015، تحول الإرهاب في سيناء ونما من إرهاب حضري يستهدف الأهداف السهلة (مثل فندق هيلتون طابا في عام 2004)، إلى إرهاب منظم وتمرد منخفض إلى متوسط المستوى، يستهدف في المقام الأول الأهداف الصعبة (مثل الكتيبة 101 بالعريش).
يمكن القول إن هذه المرة هي المرة الأولى في تاريخ مصر الحديث التي يستطيع بها أي تنظيم غير تابع للدول أن يكتسب هذا المستوى من المهارة والموارد العسكرية؛ ففي ولاية سيناء تم استخدام الصواريخ الموجهة المضادة للطائرات لإسقاط طائرة مروحية تابعة للجيش الثاني الميداني، كما أن الجماعة الإسلامية استخدمت بمهارة فائقة قذائف الهاون الخفيف (عيار 60 مم) والرشاشات الثقيلة (عيار 12.7 مم) لتنفيذ هجماتها المتزامنة والمنسقة على 11 هدفًا عسكريًا وأمنيًا في ثلاث مدن في يناير الماضي.
وفضلاً عما تقدم، استطاع التنظيم تكديس عدد كبير من الأسلحة التي اغتمنها من التعزيزات العسكرية التي تم إرسالها تباعًا إلى سيناء، حيث استعرض بعضًا منها في مقاطع الفيديو الدعائية التابعة لولاية سيناء، وبينت هذه المقاطع اغتنام قذائف هاون ثقيل (عيار 120 مم) وعربات مدرعة عائدة للجيش المصري، علمًا أن أيًا من التمردات السابقة التي شهدتها مصر في تاريخها الحديث لم تغتنم هذه الأنواع من الأسلحة النوعية، بما في ذلك التمرد في صعيد مصر في تسعينات القرن الماضي.
والاستثناء الوحيد لهذه الحقيقة حدث بين عامي 1952 و1954، عندما انقسم ضباط الجيش إلى معسكرين: معسكر يسعى للحفاظ على البرلمان وعلى الديمقراطية البرلمانية، وآخر يسعى لإنشاء حكم ديكتاتوري يسيطر عليه الجيش، وعلى الرغم من أن المعسكر الأول امتلك المدفعية الثقيلة والدبابات، بيد أنه خسر المواجهة مع المعسكر الثاني.
أخطاء مكافحة التمرد
إن الطبيعة التطورية والمتعددة الأبعاد للأزمة في سيناء تستلزم اتباع سياسة معقدة لمكافحة التمرد، تنطوي على نهج غير حركي يتم اتباعه على المدى المتوسط والطويل.
تاريخيًا، تعود الأبعاد السياسية والاجتماعية والهيكلية والأمنية والإنسانية للأزمة في سيناء إلى أعقاب الانسحاب الإسرائيلي عام 1982، فمنذ ذلك الحين، تتطلع السياسات الأمنية والاجتماعية إلى سيناء باعتبارها تهديدًا أساسيًا يحيق بالكيان المصري بدلاً من النظر إليها على أنها فرصة مصرية، كما يُنظر إلى سكان سيناء باعتبارهم مخبرين محتملين أو إرهابيين أو جواسيس أو مهربين بدلاً من اعتبارهم مصريين يتمتعون بحقوق المواطنة الكاملة.
وباختصار، يمكن تحديد السمة الرئيسية لهذه السياسات التي يقودها الأمن بمزيج من سياسات القمع الشديد ومحاولات الاحتواء التي يقودها زعماء القبائل المختارين.
أوجه القصور في هيكلية السياسة العسكرية والأمنية
النتيجة الرئيسية التي أفرزتها هذه السياسات تمثلت بتحويل المشكلة الأمنية الصغيرة والمحدودة المتمثلة بالدعم اللوجستي للجماعات الفلسطينية المختلفة في غزة، إلى تمرد محلي نما وتصاعد بشكل مطرد، سواء في حجمه، نطاقه، كثافته، مدته، موارده، قدرته، وحتى في شرعيته، وهذه التحولات المتنامية أدت بالضرورة إلى تحول الهدف من التمرد ليأخذ بعدًا إقليميًا معقدًا.
الجزء الأكبر ربما من مشكلة سيناء يتعلق بالقصور الهيكلي في العلاقات المدنية – العسكرية المصرية، وهذا القصور يرتبط على وجه التحديد بعدم وجود رقابة على وضع سياسات الأمن القومي وتنفيذها في سيناء، بالإضافة إلى غياب نهج المساءلة عندما تفشل هذه السياسات أو تعمل على مفاقمة الأزمة.
وما يعزز هذا القصور العام هو عدم القيام بتنقيح شامل للسياسات العسكرية والأمنية المتبعة في سيناء، حيث جرت المناقشة الوحيدة المفتوحة بهذا الخصوص في الفترة الانتقالية القصيرة ما بين فبراير 2011 ويونيو 2013، وبالطبع لم تسفر هذه المناقشات عن أي وضع أو تغيير أي سياسات تنفيذية وتم خنقها في المهد بسرعة بعد انقلاب يوليو العسكري.
أخيرًا، من المرجح أن تدوم الأزمة طالما استمرت ولم تتغير السمات الرئيسية لسياسات الجيش في شبه جزيرة سيناء.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية