بعد طي صفحة الانتخابات: كيف يتعامل نظام السودان مع المعارضة؟

s1

قدم حزب المؤتمر الشعبي السوداني المعارض الذي قاطع الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة بقيادة الإسلامي السوداني حسن الترابي مبادرة وصفها بطوق نجاة للسودان وطريق لحل الأزمة بين الحكومة والمعارضة.

المبادرة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة التي تطرحها المعارضة السودانية، فبالأساس هناك حوار وطني من المفترض أن تُستكمل جلساته في العاصمة الأثيوبية “أديس أبابا” لكن غير معلوم مستقبله حتى الآن، خاصة مع نوايا بعض القوى المعارضة التصعيد أمام النظام بعد إعلان نتيجة الانتخابات التي من المقرر لها الإعلان في يوم 27 من أبريل.

وبالعودة لمقدمي المبادرة نجدها آتية من أحد رموز المعارضة السياسية في السودان وهو حسن الترابي، الذي انشق عن حزب المؤتمر الوطني الحاكم نهاية التسعينيات من القرن الماضي، بسبب الخلاف مع الرئيس الحالي عمر حسن البشير، ومن ذلك الوقت والترابي أحد أبرز رموز المعارضة السياسة في السودان، حتى أنه دفع ثمن ذلك عدة مرات من الاعتقال، الشاهد أن الرجل قد تخلي في الأوانة الأخيرة عن نهج المعارضة وبدأ يرى نفسه وحزبه في موقف الوساطة بين النظام والمعارضة، الأمر استهجن بشدة من المعارضة السياسية والمسلحة في السودان والتي رأت أن الترابي انحاز لجانب رفقائه القدامى.

فالترابي قام بحضور مؤتمرًا لحزب المؤتمر الوطني الحاكم الذي يترأسه البشير بجانب الحركة الإسلامية في السودان، دعى فيه الرجل لاتحاد الإسلاميين في السودان لمواجهة الأخطار والأزمات التي تواجه السودان، بينما يرى المعارضون أنها دعوة للوقف ضد رياح التغيير التي أوشكت على العصف بحكم الإسلاميين في السودان، بهذا ربح النظام بطريقة “تفجير المعارضة من الداخل”.

لا أحد يعرف أي تفاهمات أعادت الترابي إلى أحضان خصومه في المؤتمر الوطني، ولكنها سياسة يتبعها النظام مع المعارضة، يرى محللون أنها أبقت نظام البشير لربع قرن، حيث فقدت السودان أي معارضة جادة تمثل بديلا شعبيًا لنظام الحركة الإسلامية في السودان.

حزب المؤتمر الشعبي كان من أشد المتمسكين بطرح إسقاط النظام وانسداد أفق الحل السياسي معه الا أنه بين عشية وضحها قرر التلويح بخيار الحل السياسي، بعدما اكتسب نظام البشير شرعية جديدة بإجرائه انتخابات اتفقت عليها المعارضة أم اختلفت، فقد تحقق هدف النظام منها.

على لجانب الآخر تخوض المعارضة تجربة اسقاط النظام التي لا تمل من تكرارها، من خلال حملة “ارحل”، التي كان أكبر تأثيرًا لها أنها أثارت أجهزة الأمن السودانية تجاه رموز المعارضة، بالإضافة إلى استخدام التعبئة الإسلامية من قبل نظام البشير أمام دعوات المعارضة بوصفها علمانية وما إلى غير ذلك من الاتهامات المتبادلة بين النظام والمعارضة، لذا قد يفسر البعض اتجاه حزب المؤتمر الشعبي لهذه الخطوة لأنه استقرء مبكرًا انسداد أفق النظام المصر على البقاء في السلطة دون تنازلات أمام نفس الإصرار من المعارضة على اتخاذ سبل وطرق ليس لها أي صدى واقعي، إذ أشار كمال عبدالسلام الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي أن “هناك مزاجًا شعبيًا ساخطًا على الحكومة والمعارضة على حد سواء، وأنه يجب الوصول إلى طريق ثالث غير تلك الطرق المتبعة من الطرفين التي لم تؤدي إلى شئ بعد كل هذه السنوات”.

سياسة العصا والجزرة التي يعتمد عليها المؤتمر الوطني في طريقة إدارته للصراع مع المعارضة قد تكون ناجحة إلى حد كبير، لكنها أدت إلى تجريف السودان من الكوادر السياسية الحقيقية، فالأحزاب المعارضة بها تيارات مزروعة من قبل النظام موالية له، إذا ما اشتد ساعد حركة معارضة أو حزب سياسي يتم تفجيره من الداخل بانسحاب التيار الموالي للنظام ليشكل حزبًا كرتونيًا آخر يدعي المعارضة، وهكذا تدور الدائرة في الحياة السياسية السودانية.

كذلك الاتفاقات الغير معلنة بين النظام ورموز المعارضة المؤثرين من حين لآخر، جعلت كل دعاوى المعارضة في السودان غير ذات مصداقية لدى الجمهور الذي أصيب بالإحباط جراء هذه الممارسات، فالمعارض يمكن شرائه بمنصب وزاري أو ولائي، فنظام السودان الذي يدعي الفيدرالية شهد كثيرًا اختلاق مناصب غير ذات أهمية لرموز معارضة بغرض الاحتواء، كما هو الحال مع الرموز القبيلة والعشائرية التي يتم احتوائها بنفس المنطق، حتى ظهرت الدولة في جميع مرافقها ومفاصلها بهذا المشهد المتكلس الذي استشرى الفساد في جسده باعتراف السودانيين أنفسهم بل وباعتراف رموز من الحكومة الحالية، والكارثة الكبرى الذي يتحدث عنها الشارع السوداني أن هذه البيئة جرفت السودان من الكفاءات وحصرتها عند الحزب الحاكم أو خارج البلاد.

كل هذه العوامل والممارسات السياسية من المعارضة والنظام على حد سواء، أدت لشعور المواطن السوداني بعدم الثقة في العملية السياسية برمتها، سواء أشتركت بها المعارضة أم قاطعتها، فهو يعلم جيدًا أن هذه المعارضة ستصمت نظير مصلحة ما مع النظام وستتخلى عن كل تلك الشعارات التي تروجها في يوم قريب، وهو ما انعكس على انعدام المشاركة في الانتخابات الأخيرة، وهذا نتيجة الاحباط الذي أشرنا إليه لكن المعارضة آثرت أن تصف الأمر بأنه نتيجة دعوتها للمقاطعة، وهو أمر ينفيه الواقع الذي لا يتجاوب مع دعوات المعارضة الأخرى.

هكذا يظل الحال في السودان إلى أن تظهر إرادة حقيقة لدى النظام والمعارضة على حد سواء للجلوس على طاولة الحوار لانهاء الأزمات الحقيقية العالقة، لكن غالبية جلسات الحوار هذه لا تخرج عن كونها ترضيات لبعض المعارضين الذين يميلون إلى صف الحكومة بعد فترة، أو انسداد لأفق النظام أمام بقية أحزاب المعارضة التي لم ينجح في استمالتها، لتظل الحقلة السياسية السودانية تدور دون انتاج حقيقي يشعر به المواطن السوداني.