أعلنت السعودية بالأمس انتهاء العمليات العسكرية المعروفة باسم عاصفة الحزم، بعد حوالي أربعة أسابيع من انطلاقها في أواخر مارس الماضي، قائلة بأن المتمردين لا يشكلون خطرًا الآن بعد نجاح العملية، وأن المرحلة القادمة ستكون موجهة الآن لمنع المتمردين من القدرة على القيام بأي فعل عسكري من الأصل بعد أن نجحت القوات السعودية وحلفائها في هزيمتها، طبقًا للمتحدث باسم التحالف أحمد العسيري، والذي قال أن قدرات الحوثيين العسكرية تم تدميرها بالضربات الجوية.
في مؤتمر صحافي عقده بالعاصمة السعودية الرياض، قال العسيري أن المتمردين ليسوا خطرًا على المدنيين بعد الآن، وأن مرحلة “تجدُّد الأمل” ستلي عاصفة الحزم، وستركز على إعادة البناء وتقويض قدرات المتمردين في الحركة على الأرض وستحمي المدنيين وتقدم الخدمات الإغاثية لكل من تضرروا من الصراع، بينما أكد أن القوات السعودية ستستمر في حماية الحدود مع اليمن، “ستظل عملياتنا قائمة، ففي مدينة مثل عدن سنظل موجودين لنحمي المدنيين من الميليشيات.”
من جانبه، أعرب الرئيس الأمريكي أوباما عن تفاؤله بانتهاء العمليات، وقال بأنه يأمل أن “نجلس جميعًا لتسوية الوضع اليمني،” موجهًا تحذيرًا لطهران بعدم الوقوف خلف الحوثيين، هذا وقامت واشنطن بإرسال حاملة طائرات وسفينة حاملة للصواريخ الموجهة إلى خليج عدن بعد أنباء عن تواجد مجموعة من تسعة سفن إيرانية في المنطقة.
“على الإيرانيين أن يكونوا جزءًا من الحل لا من المشكلة، وقد قُلنا لهم ذلك بوضوح،” هكذا صرّح أوباما في حوار لقناة إم إس إن بي سي، داعيًا أطراف الصراع إلى الجلوس على طاولة الحوار والوصول لاتفاق سياسي، في نفس الوقت الذي صرّحت فيه المصادر الرسمية في واشنطن بأنها تراقب حركة السفن الإيرانية حول اليمن لرصد عمليات تزويد الحوثيين بالأسلحة.
من ناحية أخرى، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون، الكولونيل ستيفن وارن، أن الأخبار التي تشير لتأهب أمريكي لمهاجمة السفن الإيرانية “مبالغ فيها”، ولكنه لم ينفي المراقبة المستمرة للتحركات الإيرانية، “نحن لا نعلم بالضبط نوايا هذه المجموعة من السفن وما ستقوم به.. ولكننا نحتفظ بكافة الخيارات المتاحة بتواجد قوتنا البحرية في المنطقة.”
على الناحية الأخرى، رحبت إيران بالإعلان عن نهاية العمليات قائلة أنها حذرت مرارًا من أن الحل العسكري لن يؤدي لنتيجة، وأنها ممنونة لوقف نزيف “الأبرياء والعزّل” كخطوة للأمام، كما صرّحت بذلك المتحدثة باسم وزارة الخارجية الإيرانية، مرضية أفخم لوكالة الأنباء الإيرانية إسنا ISNA.
أما بعد
تلوح في الأفق الآن بشكل رئيسي أنباء عن مبادرة عُمانية لرسم خارطة طريق جديدة لليمن للخروج من أزمته السياسية، لا سيما وأن عُمان لم تشارك في عاصفة الحزم نظرًا لمواقفها السياسية المعروفة في خلق توازن بين العلاقات بينها وبين السعودية من ناحية، ومن خلفها دول مجلس التعاون، وبينها وبين إيران من ناحية أخرى، بالنظر للروابط التاريخية والثقافية بين البلدين، خاصة وأنها ليست بلدًا سنيًا، وأن العامل المذهبي قد لعب دورًا كبيرًا في الأزمة بالنظر للمذهب الشيعي الزيدي الذي يدين به الحوثيون.
هذا وتجري المشاورات الآن في مسقط للإعلان عن بنود المبادرة، والتي تشير المصادر إلى اقتصارها على سبعة نقاط حتى الآن هي كالآتي:
1) انسحاب الحوثيين وقوات صالح من جميع مدن اليمن وإلزامهم بإعادة أسلحتهم للجيش اليمني
2) عودة السلطة الشرعية إلى الرئيس عبد ربه هادي منصور
3) إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في أقرب وقت
4) التوافق على حكومة جديدة تضم كافة الأطراف المتنازعة وكافة أطياف الشعب اليمني
5) تحوّل جماعة الحوثي إلى حزب سياسي يشارك في إطار المنظومة الشرعية
6) عقد مؤتمر دولي للمانحين لبدء عمليات إعادة البناء في اليمن
7) تقديم اقتراح بدخول اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي
على صعيد آخر، من المتوقع أن تبدأ الجهات المعادية لعاصفة الحزم بمحاولة البحث عن آثار العمليات السعودية على الأرض، والأضرار التي ألحقتها باليمن، خاصة ما يخص أعداد القتلى من المدنيين، في محاولة لتصعيد مسألة الانتهاكات السعودية دوليًا، وهي جهود غالبًا لن تستطيع إيران القيام بها أو الاضطلاع بها بشكل واضح على أقل تقدير نظرًا لضلوعها هي الأخرى مع حلفائها في انتهاكات مماثلة كما يقول المراقبون، وهو ما يعني أن ملف الانتهاكات التي جرت أثناء الصراع لمدة شهر سيكون مرهونًا بوجود جهات مستقلة وعازمة على تسليط الضوء إليه، بعيدًا عن الرياض وطهران، أما عدا ذلك فإن المسألة، كالعادة، سيتم تجاوزها لصالح التركيز على المحادثات والتسوية السياسية.
أما على المدى البعيد، فإن الإشكالية الرئيسية ستكون مصير “القوة العربية المشتركة” التي أعلنت عنها قمة شرم شيخ في ذروة العمليات في اليمن، والتي ستحتاج إلى تعريف نفسها بشكل أوضح وأكثر عمومية إن استمرت من الأصل، فالخلافات بين القاهرة والرياض فيما يخص الملف السوري يعني ببساطة أن توسيع نطاق تلك القوة كما تريد الرياض لن يكون احتمالًا قويًا، كما أن الحديث عن فجوة بين الرؤيتين المصرية والسعودية فيما يخص اليمن قائم أصلًا منذ بداية العمليات، لا سيما مع ظهور أسئلة مماثلة فيما يخص الإمارات ودورها في عاصفة الحزم، وهي الحليف الخليجي الأقرب الآن من القاهرة.
في الرياض، وبينما يبدو أن السعودية حققت جزءًا من أهدافها في وضع التقارب الأمريكي الإيراني عند حد معيّن والحصول على موقف إيجابي من واشنطن في تلك الأزمة، لا يبدو أن الهيمنة في اليمن ستكون سهلة، خاصة مع دعوات انضمام اليمن لمجلس التعاون، والتي قد تجد اعتراضًا داخل المجلس بالنظر للمهام الاقتصادية والمالية الجسيمة التي سيتوجب على دول المجلس الاضطلاع بها لتحسين الأوضاع في اليمن، والمخاوف من نزوح أعداد كبيرة من اليمن الفقير إلى بلدان الخليج وتشكيل أزمة من المهاجرين هناك، أضف لذلك بالطبع خضوع مصير اليمن للمحادثات غير المباشرة بين الرياض وطهران وطبيعة التسوية التي سيتوصل لها الطرفان.