شهد مركز إسنا بجنوب محافظة قنا صباح اليوم غرق ناقلة نيلية تابعة للقوات المسلحة محمّلة بخمسمائة طن من الفوسفات، في طريقها من أسوان إلى القاهرة، جراء اصطدامها بأحد الأعمدة الخرسانية الخاصة بكبري دندرة العلوي، لتفقد كل حمولتها التي آلت إلى مياه النيل، دون أي خسائر في أرواح من كانوا على متنها، حيث نجح قبطان الناقلة ومساعده في الخروج من الناقلة سريعًا.
جدير بالذكر أن الفوسفات لا يوجد منفردًا بذاته كعُنصر بالطبع، ولكن كمركّب مع عناصر كيميائية أخرى وقت استخراجه من مصدره، وهي عناصر قد تشكل خطرًا على سلامة مياه النيل، مثل البولونيوم والرصاص واليورانيوم والكادميوم، وقد تسبب الكثير من الأمراض والأوبئة إذا لم تتخذ الجهات والوزارات المعنية التدابير اللازمة تجاهها، والأنظار ستتجه بطبيعة الحال إلى اليورانيوم تحديدًا، إلا أن اليورانيوم الموجودة بالطبيعة في الحقيقة ضعيف الإشعاع، كما أن 99% من اليورانيوم الطبيعي هو نظير اليورانيوم 238 الأقل إشعاعًا بين كافة نظائر اليورانيوم، في حين يُعَد النظير النادر اليورانيوم 235 هو النظير شديد الإشعاع والمطلوب في المفاعلات النووية، هذا ويضع اتحاد الغذاء والدواء الأمريكي نسبة قصوى لوجود اليورانيوم في المياه الصالحة للشرب بـ 0.03 ميلليغرام لكل لتر.
الفوسفات ومشتقاته، والذي يستخدم في صناعة المبيدات الزراعية بشكل أساسي، أحد أخطر الملوثات بشكله الحالي، إذ إن العناصر الأخرى التي تضمها مركبات الفوسفات تؤدي إلى تلف أعضاء الجسد البشري إذا ما تراكمت في الخلايا البشرية مع الوقت، مثل الكبد والكلي والمخ، كما أن مركبات كهذه تظل في المياه لفترة طويلة وإن لم تذُب، مما يستتبع التحرك السريع لإزالتها من موقع الحادث قبل بدء انتشار تأثيرها، والذي لا يقتصر فقط على مياه الشرب، ولكن يصل إلى الأسماك الموجودة في تلك المنطقة، والتي تتحرك بالطبع ناقلة معها أي مخاطر، كما سيؤثر على المحاصيل الزراعية الناتجة عن الري بتلك المياه.
على الرُغم من كل تلك الآثار بعيدة المدى، تبدو المخاوف التي انتشرت فور ذيوع الخبر مبالغ فيه، إذ إن تحرّك السلطات المعنية لإزالة الفوسفات كافٍ لإنهاء الخطر تمامًا، حيث يكمن الخطر في بقاء الفوسفات لفترة طويلة في قاع النهر، وبدء انتشاره في غذاء الأسماك الموجودة، أما الصورة الذهنية عند البعض والتي ترى سريان الفوسفات مع مياه النيل فهي غير علمية وغير دقيقة، لأن الفوسفات لا يذوب ويترسب في القاع عند موقع الحادث، مما يجعل مهمة تنقيته سهلة، ولكن ملحّة.
أكّد تلك المعلومة اللواء هاني حمدي، رئيس شركة مياه الشرب والصرف الصحي بقنا، إذ صرّح أن الفوسفات مادة “رسوبية”، وبالتالي لا يتوقع أن يكون لها أثر سلبي على مياه الشرب، كما صرّح بأن الشركة قد أغلقت خمس محطات للمياه في المنطقة المحيطة بالحادث، اثنتين في قنا وواحدة في كل من دشنا والوقف ونجع حمادي، بانتظار اختبارات العينات التي جمعها فريق تابع لها للنظر في آثار الحادث.
هذا وأعلن حسام مغازي، وزير الري، حالة طوارئ قصوى في وزارته نتيجة الحادث، بينما قال المتحدث باسم الوزارة، خالد واصف، لصحيفة الأهرام أونلاين، بأن الوزارة والجيش يراقبان عملية إزالة الفوسفات من المياه في قاع النهر بموقع الحادث، وأن الوزارة أبلغت محطة مياه الشرب في محافظة قنا باتخاذ الاحتياطات المطلوبة على أي حال، مشيرًا إلى عمل وزارة البيئة على تحليل المياه في قنا لاتخاذ اللازم.
من ناحية أخرى، أصدر اللواء عبد الحميد الهجان، محافظ قنا، تعليماته إلى السلطات التنفيذية بالمحافظة للقيام باللازم حيال الصندل النهري الغارق، قائلًا إنه لم تحدث أي تلفيات أخرى، وإن عينات المياه قيد الفحص تم أخذها من موقع الحادث مباشرة، وأن شركة مياه الشرب ومديرية الصحة وأجهزة البيئة أكدت صلاحيتها للاستخدام الآدمي، وهي تصريحات لم تؤكدها أية جهة أخرى حتى الآن، بينما ينتظر الجميع النتائج التي ستعلنها أي من وزارتي الصحة والبيئة، حيث تتولى غرف عمليات خاصة متابعة الوضع في قنا ونتائج تحليل العينات المأخوذة صباح اليوم.