اختتم منتدى الشرق الشبابي أعمال مؤتمره السنوي الثاني في العاصمة التركية إسطنبول، والذي استمر بين السادس عشر والتاسع عشر من شهر أبريل الجاري.
وكان المنتدى بالتعاون مع شبكة الصحفيين الدوليين GEN قد رعى في اليومين الأولين (16-17) مسابقة بين عدة فرق إعلامية مشاركة من أكثر من عشر دول عربية، كان من بينها فلسطين والأردن ومصر والبحرين والعراق وسوريا.
وتنافست الفرق في المسابقة التي تُعرف باسم “الهاكثون الإعلامي” على إنتاج مشاريع لرواية القصة بطريقة مبدعة، ولفتت عدد من المشاريع انتباه المحكمين والمشاركين، حيث فاز فريق “كان” بالمركز الأول، عن منصة لتوثيق أوضاع المعتقلين في دول الربيع العربي لاسيما في مصر وسوريا وحتى في العراق، ويمكّن مشروع “من داخل السجن” From Prison المعتقلين من دون مسوغ قانوني والمسجونين تعسفيًا أو في ظل أنظمة قضائية وسياسية فاسدة من التواصل مع العالم الخارجي عبر إرسال رسائلهم المكتوبة أو الصوتية أو حتى بالفيديو مع العالم الخارجي.
The winning team: @nazs2, @abdelhamid868 and @KhaledNabil2. They will be competing in the Editors Lab Finale! pic.twitter.com/GItec5PJ6K
— Global Editors Network (@GENinnovate) April 17, 2015
وشارك فريق نون بوست بمشروع GeoRelief والذي حصل على اهتمام لجنة التحكيم، وGeoRelief هو مشروع لبناء منصة تهدف إلى تسهيل التواصل بين عُمال الإغاثة ومنظمات الإغاثة والصحفيين على الأرض في أماكن النزاع من جهة، وبين المستشفيات والمراكز الصحية اعتمادًا على قربها الجغرافي ومدى جاهزيتها لاستقبال الحالات الحرجة.
مشروع فريق نون بوست يساعد على الحفاظ على ارواح الضحايا في الحروب وخصوصا سوريا #استشراف_المستقبل pic.twitter.com/Vsvf5cLSl2
— Al Sharq Forum (@SharqForum) April 17, 2015
وشارك في تحكيم المشاريع المُقدمة صحفيون وتقنيون بارزون في مؤسسات إعلامية كبرى من بينها شبكة الجزيرة ومؤسسة Thinkst البريطانية.
وبدأت جلسات المنتدى الذي رفع شعار “استشراف المستقبل” في اليوم التالي للهاكثون حيث شارك في الجلسة الافتتاحية وورش العمل التي لحقت بها أكثر من 400 شخص، معظمهم من الإعلاميين الشباب المميزين في العالم العربي، والذين جاءوا من عشرات المؤسسات الإعلامية الكبرى، والمشاريع الناشئة، وحتى من المستقلين.
وألقى خنفر كلمة الافتتاح للمؤتمر، حيث قدم عرضًا للمنتدى الذي تم إطلاقه في الذكرى السنوية الأولى للثورة التونسية، ملقيًا الضوء على نشاطاته المختلفة، مؤكدًا على أهمية الحوار الجاد والمسؤول في المنطقة.
وتحدث خنفر في كلمته عن محورية الربيع العربي في اللحظة التاريخية الحالية، وأن تصورات العقل العربي السلطوي يجب أن تتغير بشكل جذري، وأن تدرك بأن الانتصار على أبناء الوطن، خسارة محققة، ودعا خنفر الشباب إلى ألا يكونوا “رواد دم”، وألا تسكرهم اللحظة الراهنة عن المستقبل.
وعلى مدار اليوم الأول لجلسات المنتدى عُقدت عدد من الجلسات التي شارك فيها الحضور بفعالية شديدة، حيث ضمت الجلسة الأولى منها الصحفي البريطاني بيتر أوبورن، والمؤرخ العربي الدكتور بشير نافع ووضاح خنفر، وأدار الجلسة الإعلامي سامي زيدان من قناة الجزيرة الإنجليزية.
وتناولت الندوة الأولى “الشرق بين التوازنات الإقليمية وتطلعات الشعوب”، وتناقش فيها المتحدثون عن السياسة الغربية تجاه المنطقة، حيث أكد بيتر أوبورن أن الهيمنة الغربية على المنطقة قد أدت إلى إفساد الأخيرة، مؤكدًا أن سياسات الرئيس الأمريكي باراك أوباما على سبيل المثال لم تختلف كثيرًا عن ميراث جورج بوش في المنطقة.
أما بشير نافع فتحدث عن أن التغيير في المنطقة لم يبدأ من تونس مع الربيع العربي، لكنه بدأ بالتغيير السلمي في تركيا في عامي 2002 و2003 مع صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة وابتعاد العسكر عن السلطة.
وقال نافع في معرض كلمته عن الثورات العربية إن الثورات المضادة أمر واقع يحدث في كل العالم، مؤكدًا أن المنطقة قد عبرت مرحلة الردة التي قامت بها الثورة المضادة، والتي قادتها إيران وبعض الدول العربية، ووصلنا إلى لحظة الانقسام بين قوى تلك الثورة.
وأكد نافع أنه لا يمكن بناء علاقات سلمية مع دول مثل إيران إلا بكبح جماح التوسع الكبير الذي تقوده إيران في المنطقة، ودعا بشير نافع دول الخليج أن تتوقف عن دعم الأنظمة الانقلابية، متابعًا أنه على القوى الإسلامية أيضًا أن تحسم موقفها من تطبيق الديموقراطية.
ومتحدثًا عن السعودية قال نافع إن السعودية الآن أكثر ارتياحًا من السنوات العشر الأخيرة، لكن في نهاية المطاف سيكون عليها إعادة النظر في مواقفها من قضايا المنطقة.
وبدأ وضاح خنفر حديثه في الندوة مؤكدًا أنه يجب أن يُدرك العرب والكرد والترك وإيران أن المستقبل لن يكون إلا من خلال تكوّن لحظة توازن المصالح لا انتصار طرف على طرف.
وعرض خنفر تحليلاً مثيرًا قال فيه إن إيران تريد إشغال العرب والمنطقة بما يحدث في اليمن عن المعركة الحقيقية في العراق وسوريا، اللتان اعتبرهما خنفر درع الجزيرة وعقلها المساعد، مشيرًا إلى أن تحالفًا عسكريًا لا يجب أن يكون تحالفًا سنيًا ضد تحالف شيعي، ومشددًا على أن أي تحالف يجب أن تكون فلسطين في أولوياته.
وقال خنفر إنه على الرغم من أن إيران دولة معتدية إلا أن هناك حقائق جيوسياسية تجبرنا على أن نلجئ إيران إلى الرضوخ للتوازنات، مشيرًا إلى أن الطموح الإيراني غير المسبوق في المنطقة لم يتشكل إلا بسبب عجز الدول العربية.
وعقب تلك الندوة بدأت عدة جلسات متوازية، كان أحدها بعنوان “إنشاء صحافة المعلومات في المؤسسات الإعلامية”، للإعلامي أنطوان لورنت، وبالتوازي مع ذلك أُقيمت جلسة “الرقابة الحكومية على الإعلام، والبدائل المتاحة” للتقني البريطاني هارون مير، والذي تحدث فيها عن الوسائل التي تنتهجها الدول والمنظمات للتأثير في الرأي العام عبر وسائل التواصل والمواقع الإخبارية وغيرها.
كما عُقدت جلسة عامة ثانية بعنوان “رؤية مستقبلية للتكامل الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط” تحدث فيها الدكتور إبراهيم كالين، مستشار رئيس الوزراء التركي، حيث أدار الندوة الباحث غالب دالاي، مدير مركز الشرق البحثي.
Dr Ibrahim @ikalin1 , advisor to the PM of Turkey, delivering keynote speech "Engaging the Future' #SharqForum pic.twitter.com/MTSRyn1cFr
— Ihtisham Hibatullah (@ihtishamh) April 18, 2015
وتحدث كالين في مداخلته عن تبعات الربيع العربي على المنطقة والعالم، قائلا إن السؤال بعد الربيع العربي لم يعد عما إذا كان المسلمون مستعدون للديموقراطية أم لا، بل عما إذا كان الغرب مستعدًا للديموقراطية في العالم الإسلامي، وأكد كالين أن إيران ليست ممثلة للإسلام الشيعي، وأن السعودية ليست ممثلة الإسلام السُني، قائلاً إن حل أزمة اليمن يجب أن يشمل جميع الأطراف الداخلية والخارجية.
وكان من بين الجلسات التي عُقدت في اليوم الأول للمنتدى جلسة التمويل الجماعي للمؤسسات الإعلامية الناشئة، والتي تحدث فيها الشاب اللبناني عبدالله عبسي، مؤسس ومدير موقع ذومال، بالإضافة إلى ندوة أخرى تحدث فيها مدير قسم الصحافة الاستقصائية بالجزيرة كلايتون سويشر.
Getting ready to discuss Investigative Journalism at @SharqForum #2015 with an awesome group of tweeps pic.twitter.com/qmPdywGQw2
— Clayton Swisher (@claytonswisher) April 18, 2015
وعلى مدار اليوم التالي للمنتدى عُقدت عدد من الجلسات كان أولها لدان جيلمور، الكاتب الأمريكي في مجال التكنولوجيا والباحث في جامعة هارفارد ومؤسس ما عُرف لاحقا باسم “المدونات”.
تحدث جيلمور عن هيمنة الدولة الوطنية على المؤسسات التكنولوجية ومواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدًا أن شروط استخدام فيسبوك صارت متعلقة بقوانين الدول التي يقيم فيها المستخدمون، كما أن شركة غوغل أصبحت تخفي روابط من محركات البحث لذات الأسباب، كما تحدث جيلمور عن وسائل الحكومات لخنق المؤسسات التي تتمتع بميزة حريات نسبية، حيث إن ويكيليكس على سبيل المثال كانت قد منعتها شركات بطاقات الائتمان من قبول التبرعات من خلالها، وهذا ما خنقها في النهاية.
وأكد جيلمور أنه حتى في الدول التي لا تتمتع بمستويات حرية عالية، مثل تركيا التي تم حجب تويتر فيها أكثر من مرة، فإن المستخدمين يصبحون أكثر قدرة على إيجاد طرق بديلة، وتابع جيلمور أنه رغم اعتقاده بأن الولايات المتحدة تتمتع بأقوى مساحات حرية التعبير في العالم، إلا أن الحكومة الأمريكية تريد أن توقف بعض أنواع التعبير عن الرأي، وأنها تراقب عددًا من الصحفيين رقابة لصيقة.
وقال جيلمور إن الحكومة الأمريكية لديها القدرة أيضًا على الوصول إلى خوادم شركات مثل غوغل، ولذلك فإن الصحفيين لا يمكنهم استخدام خدمات مثل جي ميل في اتصالاتهم الحساسة لأن الحكومة تستطيع اختراقها، وتابع جيلمور أنه حتى وسائط المحادثة الفورية لم تعد آمنة كما كانت في الماضي، حيث تستطيع الحكومات الآن الوصول إلى محادثات سكايب وغيرها.
ونصح جيلمور الجميع بأن يحصلوا على النصائح في ذلك المجال من المتخصصين، مشددًا على أهمية “تشفير كل شيء”.
وتحدث جيلمور أيضًا عن مشروع تور TOR وهو مشروع تشفير عميق، قائلا إن أحد الأشياء التي تدعو للسخرية أن مشروع تور هو مشروع أُنشيء للجيش الأمريكي، ورغم ذلك فإن وكالة الأمن القومي الأمريكية تكرهه بشدة لأنه يمنعها من التجسس على مستخدميه.
كما تحدث في نفس الجلسة أوبورن بالإضافة إلى المدير العام لقناة الجزيرة ياسر أبو هلالة. وركز أبو هلالة في كلمته على استقلالية الإعلام، قائلا إن العالم العربي يواجه فوضى الاستبداد، مشيرًا إلى أن التمويل الأجنبي يتحكم بالكثير من وسائل الإعلام، وهذا بحد ذاته يمثل شكلاً من الرقابة الناعمة.
بدء الجلسة الجوارية الان #استشراف_المستقبل pic.twitter.com/YqwAov81la
— Al Sharq Forum (@SharqForum) April 19, 2015
وقال أبو هلالة في حديثه عن الثورات العربية إن الثورة التونسية ثورة فيسبوك، والمصرية ثورة تويتر، بينما السورية هي ثورة سكايب، وتابع أن الدول العربية تعطي الجوائز للصحفيين والمؤسسات المتواطئة مع الأنظمة القمعية.
وقال مدير الجزيرة إن لدى شبكته أرشيفًا مرعبًا من التجاوزات، والكثير من الشباب فقدوا أرواحهم من أجل ذلك، فمنذ اليوم الأول للثورة السورية والنشطاء يدفعون حياتهم من أجل التقاط صورة.
ودعا أبو هلالة إلى تأسيس مرحلة جديدة من الإعلام، تتوافق حول المصلحة العامة، مع إبقاء هامش للخصوصية للأفراد والمؤسسات، منوهًا إلى أن قضية التسريبات وخاصة في مصر واليمن لم تترك أي قوة قادرة على ضبط المعلومات، وتابع أبو هلالة قائلاً إن الإعلام المصري ينشر أكاذيب كبيرة وممنهجة بدعم رسمي وإن مصر الآن تقف أمام مشروعين، أحدهما للدولة العميقة والآخر للثورة.
كما أُقيمت جلسة اقتصادية أخرى شارك فيها ممدوح الولي، نقيب الصحفيين المصريين السابق، والذي تحدث عن الوضع الاقتصادي في المنطقة وكيف يمكن تحسينه.
وتحدثت في الجلسة التالية إنجا ثرودر من بي بي سي عن تطوير إستراتيجية رقمية إعلامية لجمهور الشباب، والتي طرحت فيها طريقة العمل الحالية في بي بي سي، ولإستراتيجية الشبكة وحتى تقنيات التصوير التي تستخدمها الشبكة والتي كان من بينها الطائرات بدون طيار.
ثرودر نحن نستعمل طائرات بدون طيار لصناعة القصص والتصوير وذلك بموافقات امنية #استشراف_المستقبل pic.twitter.com/UvzYM3QKcc
— Al Sharq Forum (@SharqForum) April 19, 2015
ورغم ذلك قالت ثرودر إن هاتفًا واحدًا قد يقوم بعمل وكالة إعلامية كاملة، وإن المستقبل حسب المنظور هو للفيديوهات القصيرة والسريعة.
وتحدث في كلمة رئيسية أيضا إبراهيم تورهان، رئيس بورصة إسطنبول السابق عن التكامل الاقتصادي الإقليمي في الشرق.
@ibrahimmturhan Bey Sharq Forumun konferansinda ortadogunun ekonomik firsatlarini degerlendiriyor #استشراف_المستقبل pic.twitter.com/yUiPYsSIxj
— Osman Nuri Önügören (@onugorenosman) April 19, 2015
وقال توران في كلمته التي حازت على انتباه الحضور إن التغير الاقتصادي العالمي يتسارع وبالتالي تتزايد معدلات التوترات، مؤكدًا أننا يجب أن نتعلم من تجربة الاتحاد الأوروبي أن بناء مناطق اقتصادية مشتركة على حدود الدول، سيقلل من الحروب بين تلك الدول.
وقال توران إن مناطق اقتصادية مشتركة بين الدول ستوفر وظائف للشباب، وهو ما سيمنحهم أملاً، وهو قيمة عظيمة، وفقدانه هو الأخطر، وأكد توران على منطق ابن خلدون، ومنطق كارل ماركس، من أن البنية التحتية وشكل المدن وخدماتها هي المحدد الأول للبنية الفكرية لتلك الشعوب.
وبشكل عملي تحدث توران أنه سيكون من السهل الربط بين السعودية وتركيا اقتصاديًا وعلى مستوى العملة خاصة مع معدل التجارة المرتفع بين البلدين، وحول المخاوف الحالية من صعود الدولار وتأثيره على العملات المحلية، قال توران إن الاقتصاد التركي مبني على أسس قوية، وربما لا تكون الثقة المبالغ فيها في العملة (كما الحال مع الدولار الأمريكي) أمرًا جيدًا على الدوام.
كما عُقدت جلسات أصغر شارك فيها غالب دالاي ورياض منتي من الجزيرة.
وفي حفل ختام المنتدى، تم عرض المشروع الفائز بمسابقة الهاكثون، وتكريم عدد من أعضاء المنتدى والمشاركين، وتحدث في الختام وضاح خنفر عن أن أبطال الربيع العربي خلف القضبان هم قادة المستقبل، مؤكدا أن الشهداء والسجناء والمطاردين سيظلون منارات تنير طريق الحق.
وانتهت أيام منتدى الشرق لهذا العام.. وتبقى أفكاره وحواراته وعلاقاته.. تشرفت بالجميع#استشراف_المستقبل @SharqForum pic.twitter.com/EPBZNNmjVZ
— حمزة العبدالله (@HamzaElabdulla) April 19, 2015