ترجمة وتحرير نون بوست
أصدر صندوق النقد الدولي مؤخرًا بحثًا عن تأثير الأزمات المالية “الذعر المالي” على البنوك الإسلامية، البحث الذي أعده معظم فاروق وسجاد زهير، والذي نُشر في فبراير الماضي، وهو توقيت مثير للاهتمام ضمن القطاع المصرفي، حيث يتزامن مع انتهاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة من اختبارات التحمل للبنوك الكبرى في جميع أنحاء العالم، حيث تعمل هذه الاختبارات على قياس مرونة كل مؤسسة تجاه الأزمات المالية.
إن القدرة على التعامل مع الضغط المالي مع الحفاظ على تقديم الخدمات المالية الأساسية للعملاء هو مفتاح البقاء والصمود الاقتصادي، لذا فإن النتائج التي قدمتها الورقة البحثية، تقدم حقائق رئيسية وهامة بالنسبة للمنطقة، نظرًا للتوسع الدائم والمستمر للقطاع المصرفي الإسلامي في السوق.
إذن هل البنوك الإسلامية أكثر مرونة خلال الأزمات المالية؟
من حيث المنهجية، يدرس البحث تأثير الأزمات المالية “الذعر المالي” على سلوك الإيداع والإقراض في البنوك الإسلامية والتقليدية في باكستان، وهي الدولة التي تمت فيها هذه الدراسة، والمثير للاهتمام حول القطاع المصرفي في باكستان، هو أن القطاع المصرفي هناك غير ملزم بوضع تأمين على الودائع، مما يعني أن الخسائر المحتملة تترجم فورًا إلى خسائر فعلية في أعقاب الأزمة المالية، وبالتالي المخاطر ضمن هذا الاقتصاد هي أعلى منها في الاقتصادات الأخرى.
البحث قدم العديد من الاستنتاجات، أهمها متعلق بطبيعة المصارف، فمثلًا يوضح البحث أن السمة الأساسية المتعلقة بكون البنك إسلامي أم تقليدي، ليس لها دور في تحديد الحالة الصحية للبنك خلال تشغيله للودائع، كما تشير الدراسة أن بعض العوامل مثل رسملة ما قبل الأزمة لها تأثير ضئيل إحصائيًا عند مواجهة الأزمة الاقتصادية، في حين يكون للترويج الديني دور أكثر حسمًا وأهمية في مواجهة هذه الأزمة.
النتائج الأساسية في التقرير تشير إلى أن المصارف الإسلامية هي أقل عرضة لنقص الودائع مقارنة مع البنوك التقليدية، والمتغيرات التفسيرية التي توضح سبب حصول ذلك، لم يتم حصرها بشكل كامل في البحث، فعلى سبيل المثال، تم إيضاح أحد العوامل التي تلعب دورًا في هذا المجال، وهي الهوية الدينية للمودع، حيث تلعب هذه الهوية بالتوزاي مع الخيارات المصرفية دورًا رئيسيًا في تحصين البنوك الإسلامية نسبيًا من آثار الأزمة المالية، كما لاحظ البحث استمرار نمو الودائع لدى البنوك المختلطة – أي البنوك التي تقدم الخدمات التقليدية والإسلامية – حتى خلال أوقات الذعر المالي.
وكان الاستنتاج الذي خلص إليه البحث هو أن خصائص البنك ليس لها أي دور في تفسير أو تحديد خطر سحب الودائع السريع خلال الأزمات المالية، وبعبارة أخرى، خزائن البنوك الإسلامية ليست هي ما يحصنها بمواجهة نظيراتها التقليدية، بل إن السبب الحقيقي يكمن في شخصية المودع وليس في طبيعة البنك ذاته، واستشهد البحث باستطلاعات تؤكد هذا الاتجاه، مشيرًا إلى أن العملاء الذين يتمتعون بدوافع دينية يكونون أقل ميلًا للتخلي عن أحد البنوك خلال الأوقات الصعبة، لأن هذا يقدم لهم الرضا الديني عن أنفسهم.
بناء عليه، في قطاع التمويل الإسلامي المقرض والمستفيد (المقترض) يتشاركان ذات القيم الدينية، وهذا يصوغ علاقة معنوية قوية بينهما، هذه العلاقة لا يمكن العثور عليها عادة في المؤسسات المالية التقليدية، حيث لا يكون للثقافة أو للدين أي دور مهم على الإطلاق، ويسلّط البحث الضوء على العلاقة ما بين البنك الإسلامي وعملائه ويثبت وجودها إحصائيًا، ممهدًا بذلك السبيل أمام حجر الزاوية في اقتصاد المنطقة الذي أصبح مبنيًا على التمويل الإسلامي حاليًا.
التمويل الإسلامي حاضر من الابتكار والنمو
الابتكار هو الذي يقود العمليات المصرفية الإسلامية اليوم في سوق ما بعد الأزمة، فعلى سبيل المثال، أعلنت الإمارات العربية المتحدة مؤخرًا أنها سوف تصدر أول صكوك إسلامية خضراء في العالم، وهي سندات تتماشى مع أحكام الشريعة الإسلامية، وسوف تستخدم هذه السندات لتمويل مشاريع الطاقة الخضراء، مستفيدة بذلك من سوق السندات الخضراء التقليدي الموجود بالفعل، والذي بلغت قيمته وفق آخر تقدير عشرات المليارات من الدولارات.
القطاع المالي الإسلامي يشهد نموًا غير مسبوق في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وأسيا، ووفقًا لموقع زاوية، فإن سوق الصكوك العالمية تضاعف خلال السنوات الثلاث الماضية وحدها، وساعد هذا السوق صناعة الخدمات المالية الإسلامية الدولية على الاحتفاظ بحوالي 1.5 تريليون دولار على شكل أصول، وعلى الرغم من تأثر الخدمات المالية الإسلامية بخدمات التمويل التقليدية، بيد أن معدل نموها يزيد عن الـ10%؛ مما يجعله القطاع الأسرع توسعًا ونموًا.
في ماهيته، يشكل هذا القطاع هوية جديدة للاقتصاد في المنطقة، هذه الهوية التي امتدت إلى ما هو أبعد من حدود الشرق الأوسط وتتواصل بالتغلغل دوليًا، ومع اندماج أسواق السياسة ورأس المال ضمن هذا النمو، تبدو الخدمات المصرفية الإسلامية أكثر استعدادًا يومًا بعد يوم لمواجهة أي أزمة مالية محتملة، وهذا الواقع يبقى صحيحًا طالما لايزال العملاء هم الداعمون الرئيسيون لهذه الصناعة.
المصدر: يور ميدل إيست