بعدما أعلنت جماعة الإخوان المسلمين عن تشكيل مكتب جديد للإخوان المصريين بالخارج تحت رئاسة الدكتور أحمد عبدالرحمن مسؤول المكتب الإداري السابق لجماعة الإخوان في محافظة الفيوم المصرية، وأمين عام الحزب المنبثق عن الجماعة في المحافظة نفسها “الحرية والعدالة”.
بدأ الرجل أولى إطلالته الإعلامية بعد الإعلان عنه رسميًا من خلال بيان رسمي للجماعة، حيث جاء ظهوره الإعلامي الأول على فضائية الجزيرة في برنامج “بلا حدود” الذي يقدمه الإعلامي أحمد منصور، ليطلع عبدالرحمن الرأي العام على أهداف تشكيل الإخوان لهذا المكتب بعد أكثر من عام ونصف من وقوع الانقلاب العسكري، وليتحدث عن كيفية تشكيل هذا المكتب وما هي صلاحياته المنوط بها في الفترة القادمة، كما تحدث عن رؤية الجماعة لمستقبل صراعها الحالي مع السلطة التي قادت انقلاب على الرئيس الأسبق محمد مرسي أحد قيادات الجماعة.
عبدالرحمن لم يبد مقنعًا إعلاميًا لدى قواعد الجماعة من الشباب بالتحديد، بعدما تحدثوا عن ضعف شديد يعانيه خطابه الإعلامي وعدم استطاعته التعبير عن توجهات المكتب الذي يرأسه، فيما أكد ذلك تفاعل أفراد الجماعة على مواقع التواصل الاجتماعي عقب انتهاء الحوار، والذين أبدى غالبيتهم استيائه من ضعف أداء الرجل الإعلامي وعدم مقدرته على إعطاء ردود مقنعة في كثير من الشبهات التي أثارها الإعلامي أحمد منصور معه أثناء الحديث.
وعلى صعيد آخر طالب أعضاء من الجماعة تعيين متحدث إعلامي باسم المكتب الجديد بديلا عن خروج رئيسه أحمد عبدالرحمن بصورة ضعيفة أمام الإعلام، الأمر يعكس وجود أزمة عميقة داخل الجماعة لا زالت تسيطر عليها من قبل الانقلاب وحتى الآن، وهي افتقار الجماعة لكوادر إعلامية مقنعة والتي لا يبدو أن الجماعة قد استطاعت عبور تلك الأزمة مع ظهور أولي لرئيس مكتب الإخوان المسلمين المصريين بالخارج.
دار اللقاء حول فكرة تشكيل المكتب واختصاصه وآليات العمل التنظيمي حاليًا لدى جماعة الإخوان، والذي أكد الرجل أن التنظيم يعمل الآن وقد تم تغيير 65 % من قيادات الإخوان في مصر عقب الانقلاب العسكري، هذا التغيير الذي يتحدث عنه أحمد عبدالرحمن ربما يكون اضطراريًا، نظرًا لضربة الأمنية القاسية التي وجهت للجماعة عقب الانقلاب والتي أدت لاعتقال آلالاف من القيادات والأفراد المنتسبين للجماعة، حتى وصفت هذا الحملة على الجماعة أنها الاصعب في تاريخها.
التساؤلات يجب أن تتناول مدى فاعلية هذا التغيير الذي يتحدث عنه عبدالرحمن على الأرض، حتى لا يتحول لمجرد تغني بالتغيير في حد ذاته، حيث يتسائل البعض عن تغيير العقلية الإدارية وليس تغيير أفراد بأفراد على نفس النهج الإداري الذي يراه البعض أحد مسببات المحنة التي تمر بها الجماعة الآن.
عبدالرحمن أراد أن يرسل رسالة لعدة جهات أن تنظيم الإخوان ما زال يعمل بكفاءة في مصر وقادر على توجيه رسائل لإخوان الخارج لتنظيم أنفسهم بصورة أكثر فعالية في الصراع، كما أكد أن التنظيم استكمل هياكله الإدارية في مصر بالانتخابات رغم القبضة الأمنية الشديدة، لا سيما مكتب الإرشاد أعلى هيئة تنفيذية تدير الجماعة، لكن هذه الانتخابات لم تعلن نتائجها إلى أنه يؤكد أنها أُجريت، وأسفرت عن تغييرات كبيرة داخل المكتب، وهو يعيد التساؤل عن ماهية هذا التغيير وهل هو اضطراريًا لصعوبة الأوضاع أم عن يقين بفشل الإدارة السابقة.
كما جاء حديثه عن مراجعات الإخوان الفكرية والاستراتيجية من جهة الآليات والوسائل يفتقد إلى تدليلات وبراهين، فبينما يرى مراقبون أن طريقة إدارة الإخوان للصراع الحالي مع النظام في مصر لا تختلف كثيرًا عن طرائق إدارتهم للأزمات في السابق، ما جعل البعض يشكك في جدوى هذه المراجعات بالأساس.
كما حوى كلامه على محاولات لنفي تام لتصدر الإخوان المسلمين وحدهم للحراك في الشارع، مؤكدًا أن 70% من المشاركين في التظاهرات بمصر ليسوا من الإخوان، يأتي ذلك في سياق مفهوم جدًا لمحاولة تصدير صورة غير مؤدلجة للحراك في مصر، لإيمان الإخوان تمامًا أن تصدرهم للمشهد في مصر ليس في صالح حراكهم، وأن من تمام صالح نجاح حراكهم هو تصويره بأنه حراك شعبي.
على صعيد المكتب الذي يرأسه أحمد عبدالرحمن فقد تحدث بأنه جرى انتخابه من كافة مستويات الإخوان المصريين بالخارج، وقد شكل بطلب من مكتب الإرشاد في مصر، ونفى علاقته بما يعرف بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، مؤكدًا أن دوره العمل على ملاحقة الانقلاب إقليميًا ودوليًا.
المكتب الجديد الذي يتكون من 11 عضوًا كما صرح رئيسه أحمد عبدالرحمن، قرر الإعلان عن شخصيتين من بين أعضائه، وهما وزيرين سابقين في حكومة هشام قنديل إبان حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، وهما وزير الاستثمار يحيى حامد، و وزير التعاون الدولي عمرو دراج، فقد رأى البعض أن هذه الأوجه لا يمكن أن يُطلق عليها “وجوه جديدة” في إدارة الجماعة أو ما يُعرف بـ”تمكين الشباب” داخل الجماعة، لأن البعض رأى الاسمين المطروحين جزءًا من مشكلة سابقة ولا يمكن أن يكونوا حلًا لها مع استمرار نفس العقلية والمنهج المستخدم في السابق.
حديث عبدالرحمن لم يخرج عن الكلام الإنشائي الذي يروج على شاكلة عكوف المكتب على تشكيل رؤية متكاملة للمرحلة وللصراع الدائم مع النظام، دونما تحديد آليات واضحة ووسائل لذلك مع انحصار الدور الخارجي للجماعة في الأوانة الأخيرة، بالإضافة لنجاح النظام في كسر أي عزلة دولية أو إقليمية فُرضت عليه، حتى أنه يحظى بدعم غربي كاسح في الفترة الأخيرة، وهو سؤال وجه الإعلامي أحمد منصور إلى ضيفه الذي أكد أن دور المكتب التصدي لذلك الأمر.
من الملاحظ مؤخرًا أن هناك ترديد لعبارات داخل الجماعة على لسان قياداتها الحالية بأن كل شئ الآن خاضع للمراجعة وما إلى ذلك، لكن ثمة وجهة نظر تقول أن تيارًا ما أطلق عليه لفظ “الحرس القديم” يرفض هذه المراجعات ويرفض الرؤى الجديدة لإدارة الصراع ويرى أن ما حدث لم يكن من أخطاء الجماعة وما هو الا مجرد قدر إلهي لاختبار الجماعة، وهو ما يفسر تدني أسلوب المواجهة الذي أصاب الإخوان عقب الانقلاب العسكري.
الجدير بالذكر أن ثمة خلافات حادة بين الإخوان المصريين بالخارج قد نشبت مؤخرًا في عدة أقطار بعد مرور أكثر من 20 شهرًا على الانقلاب، وذلك بسبب تساؤلات أفراد الجماعة خاصة من الفئة العمرية الشبابية عن خطة القيادة الحالية للخروج من تلك الأزمة، إذ لم يجدوا إجابات شافية من القيادة القديمة التي تولت شؤون المصريين في الخارج، بعدما اتهمت بتعطيل طاقات أعضاء الجماعة الذين خرجوا من مصر في أعقاب الانقلاب، ما دعى قيادات الاخوان تدعو إلى تشكيل مكتب جديد يختص بشؤون الإخوان المصريين بالخارج لمحاولة رأب الصدع.
ويبقى حديث الدكتور أحمد عبدالرحمن محط جدل بين أعضاء الجماعة أنفسهم قبيل المتابعون، لكن سمت الحوار الأبرز بأنه لم يأت بجديد من الأساس في ظل تهرب الرجل من حدة أسئلة المحاور التي وجهت إليه، ليبقى معرفة دور المكتب الذي يرأسه رهينة ما سيقدمه في الفترة القادمة من ممارسات.