ترجمة وتحرير نون بوست
عمر (21 عاماً) لم ينم في منزله منذ سبعة أشهر، كونه يخشى أن يتم اعتقاله من قبل قوات الأمن الإسرائيلية أو الفلسطينية إذا ما بات في منزله، “إذا انضممت إلى كتلة حماس في الجامعة، يجب أن تكون على ثقة بأنه سيتم مراقبتك واعتقالك” قال لنا عمر في مكتب في جامعة بيرزيت قرب رام الله.
عمر يلعب دوراً تنظيمياً بارزاً في كتلة الوفاء الإسلامية، وهي منظمة طلابية تابعة لحركة حماس حققت فوزاً ساحقاً ومفاجئاً في انتخابات مجلس الطلبة في جامعة بيرزيت في يوم 22 أبريل.
خارج الحرم الجامعي، تم اعتقال عمر مرتين من قِبل قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية لانتمائه لحركة حماس، كما يشير عمر أنه مستهدف أيضاً من قِبل الجيش الإسرائيلي، ولكن داخل أسوار جامعة بيرزيت، يتم منح الطلاب حرية التعبير السياسي ضمن انتخابات مجلس الطلبة، التي تعتبر عنصراً محورياً وأساسياً في لوائح وتقاليد الجامعة.
نتائج انتخابات مجلس الطلبة لعام 2015 – 2016 تم اذاعتها من قِبل لجنة الانتخابات التطوعية المؤلفة من الموظفين والإداريين والطلاب، وبينت هذه النتائج السهولة التي أطاحت بها كتلة الوفاء الإسلامية بكتلة الشبيبة “كتلة الشهيد ياسر عرفات” الفائزة العام الماضي والتابعة لحركة فتح.
الفصائل السياسية التي يمثلها الطلاب
أشار رئيس لجنة الانتخابات محمد الأحمد للصحفيين داخل الحرم الجامعي، أن 77% من الطلاب المؤهلين للتصويت البالغ عددهم 9135 طالباً أدلوا بأصواتهم في الانتخابات، وأشاد الدكتور غسان الخطيب نائب رئيس جامعة بيرزيت بالجو الديموقراطي الذي تميزت به الانتخابات بقوله” الجامعة تسعى جاهدة لتوفير جو من حرية التعبير والنقاش وتنافس الأفكار في الحرم الجامعي بحيث يمكن للديمقراطية أن تزدهر بطريقة متحضرة”.
بحكم الواقع تجاذب انتخابات مجلس طالبة جامعة بيرزيت الفصيلين السياسيين البارزين في فلسطين، وبالمحصلة فازت كتلة الوفاء الإسلامية “الذراع الطلابي لحركة حماس” فازت بـ26 مقعداً من أصل 51، أما كتلة الشهيد ياسر عرفات “الذراع الطلابي لحركة فتح” حصلت على 19 مقعداً، وحصل القطب الطلابي الديمقراطي التقدمي “الذراع الطلابي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” على خمسة مقاعد، وتحالف بيرزيت الطلابي –وهو تحالف جديد نشأ هذه السنة- والذي وضع المساواة بين الجنسين في صدارة بيانه، فاز بالمقعد المتبقي.
أشارت إدارة جامعة بيرزيت في تصريح لصحيفة ميدل إيست آي، أن حملة حركة حماس ما قبل الانتخابات استطاعت لمس ومعالجة قضايا الطلبة بشكل لافت ومميز مقارنة مع الحملات المنافسة الأخرى، حيث استحوذ أداء حماس في المناقشات التي سبقت الانتخابات على انتباه الطلاب وحماسهم وفق ما صرح به أحد إداريي الجامعة، مما إدى إلى هيمنتها الساحقة على نتائج انتخابات الهيئة الطلابية في الجامعة.
حضور الانتخابات الطلابية وغياب الانتخابات العامة
يقول الدكتور الخطيب “نتائج الانتخابات لم تكن مفاجئة، فعلى مدى الـ34 عاماً من الانتخابات الجارية في جامعة بيرزيت، كانت النتائج تتوافق في كل عام مع توقعات الجميع” وأضاف “إنها منافسة بين حركتي فتح وحماس، هذه الانتخابات –بشكل أو بآخر- تصور المنافسة التي تدور في المجتمع”.
عدنان، الطالب في السنة الرابعة في اختصاص الهندسة الميكانيكية والذي أدلى بصوته لصالح تحالف بيرزيت الطلابي، يتفق مع الدكتور الخطيب حول كون انتخابات جامعة بيرزيت صورة مصغرة عن التنافس ما بين فتح وحماس داخل المجتمع الفلسطيني ككل، ويضيف بأن السلطة الفلسطينية تتطلع إلى نتائج انتخابات مجلس طلبة بيرزيت للتنبؤ بنتائج الانتخابات العامة المقبلة، والتي تم تأجيلها إلى أجل غير مسمى، ويتابع قائلاً “الطلاب الذين يدرسون في جامعة بيرزيت قادمون من شتى المدن الكبرى، فإذا حللت الاتجاهات السياسية للطلاب هنا، يمكنك تحليل الاتجاه السياسي لكامل الضفة الغربية”.
يشرح الدكتور الخطيب إنه قبل قيام السلطة الفلسطينية بناء على اتفاقات أوسلو في عام 1994، لم يكن يتم إجراء أي انتخابات في فلسطين تفصح عن اتجاهات الداخل الفلسطيني إلا في جامعة بيرزيت، حيث كانت الفصائل السياسية الفلسطينية تستخدم نتائج الانتخابات في بيرزيت كمؤشر للدلالة على ميزان القوى فيما بينها، والآن وتبعاً لكون الفلسطينيين لم يصوتوا منذ الانتخابات العامة في عام 2006، فإن المحللين والسياسيين ينظرون على نحو متزايد إلى نتائج انتخابات مجلس الطلبة كمؤشر على النظرة السياسية ضمن المجتمع.
فوز الكتلة الإسلامية في انتخابات بيرزيت أثار احتفالات كبيرة في غزة مساء الأربعاء، حيث قال المتحدث باسم حماس سامي أبو زهري “أثبتت نتائج الانتخابات أن حماس تزداد قوة وتوسعاً على الرغم من الجهود المنسقة لإضعاف الحركة”.
الركود السياسي الذي علّق إجراء الانتخابات العامة في فلسطين منذ عام 2006، لم يعرقل انتخابات جامعة بيرزيت، “لقد تم استضافة الانتخابات لمدة 34 عاماً رغم كل الصعاب” قال الدكتور الخطيب، وأضاف “نحن نفتخر بأننا استطعنا ضمان استمرار إجراء الانتخابات ضمن الجامعة حتى خلال أصعب فترات الاحتلال والانقسام بين الفصائل الفلسطينية” وأردف قائلاً “انتخابات الجامعة حدث مهم، لأنها تجري في بلد أصبحت فيه الانتخابات أمراً نادراً، والأهم بأن الانتخابات في الجامعة تجري في جو فاعل وإيجابي، فنحن نؤمن بأن إعداد الطلاب ليكونوا مواطنين فاعلين هو جزء من المهمة التعليمية في الجامعة، وهذه المهمة تتضمن بالضرورة زرع فكرة الحاجة إلى الانتخابات في عقلية الطلاب، وتعليمهم كيف يتم إجراؤها في جو من المنافسة المتحضرة بين وجهات النظر المختلفة”.
إعاقة حرية التعبير السياسي بالاعتقالات المستمرة
رغم أن جامعة بيرزيت تسعى جاهدة لتكون حصناً لحرية التعبير السياسي لطلابها، بيد أنها لم تنجح بذلك بشكل تام، ففي بعض الأحيان يتم اعتقال الطلاب لتوجهاتهم ووجهات نظرهم أو لمواقفهم السياسية، وتشير منظمة الحق في التعليم وهي منظمة تابعة لجامعة بيرزيت ترصد اعتقالات الطلاب، أن حوالي 76 طالباً وأستاذاً من بيرزيت يقبعون حالياً في السجون الإسرائيلية، ووفقاً لإحصاءات المنظمة التي لا تشمل أعداد الطلاب الذين اعتقلتهم السلطة الفلسطينية، فإن أكثر من 500 طالب وطالبة اعتقلوا في السنوات الخمس الماضية تبعاً لنشاطاتهم السياسية.
كتلة الشبيبة “كتلة الشهيد ياسر عرفات” التابعة لحركة فتح هي الكتلة الطلابية الوحيدة في بيرزيت التي لا ليس لها أعضاء معتقلين لدى السلطة الفلسطينية، ومن جهته نفى فارس الزواهره -أحد ممثلي كتلة فتح في مجلس الطلبة- قيام أعضاء المجموعة الطلابية التابعة لحركة فتح بالإبلاغ عن الأنشطة السياسية للطلاب المعارضين في الحرم الجامعي لقوات أمن السلطة الفلسطينية، وأضاف قائلاً “إننا ندين جميع الاعتقالات ذات الدوافع السياسية، سواء قام الجيش الإسرائيلي باعتقال طلاب من فتح أو من حماس، أو قامت حكومة حماس في غزة باعتقال أعضاء من حركة فتح”.
تهديدات وإكراه السلطة الفلسطينية
ولكن الطلاب في كتلة الوفاء الإسلامية والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وتحالف بيرزيت الطلابي أشاروا أن بعض الطالب تلقوا تهديدات هاتفية من أعضاء السلطة الفلسطينية وممثيلهم من الطلاب في الحرم الجامعي، تجبرهم على التصويت لصالح الشبيبة، وقالت طالبة في بيرزيت لم ترغب بالكشف عن اسمها “إن ظهور كتلة الوفاء كأقوى كتلة في الحملة الانتخابية، سيؤدي إلى اعتقال الطلاب الناشطين داخل الكتلة الإسلامية من قِبل السلطة الفلسطينية، ففي آخر مرة فازت فيها حماس في الانتخابات الطلابية، تم القبض على كامل القيادات الطلابية لكتلة الوفاء من قِبل السلطة الفلسطينية، وأتوقع أن يتكرر هذا الأمر مرة أخرى حالياً”.
ورداً على سؤالنا حول صلات القطب الطلابي الديمقراطي التقدمي مع قيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أجابت نغم ممثلة الكتلة في المجلس الطلابي “هذا النوع من المعلومات ليس من السهل الافصاح عنه تبعاً لوجود الاحتلال الإسرائيلي، فإذا أعلنا عن وجود علاقات أو اتصالات مع قيادة الجبهة الشعبية، فإن هذا سيشكل خطراً جسيماً على العديد من الرفاق في المجلس”.
بشكل عام، وعندما يتم اعتقال الطلبة أو أعضاء من الهيئة التدريسية في جامعة بيرزيت سواء من قِبل قوات الأمن الفلسطينية أو الإسرائيلية، فإن الجامعة توكل محامياً لتمثيل المعتقلين، وتقوم بنشر الاعتقالات في وسائل الإعلام المحلية والدولية والاجتماعية، وفي الحالات التي تقوم بها السلطة الفلسطينية باعتقال الطلاب، تقوم إدارة الجامعة بتقديم عرائض للحكومة، بما في ذلك رئيس الوزراء عباس والرئيس حمد الله.
من جهته يشير عمر من كتلة الوفاء أن 15 عضواً أساسياً من الكتلة اختاروا عدم النوم في منازلهم لأنهم يخشون الاعتقال من قِبل السلطات الإسرائيلية، ويتابع بقوله “الانتخابات الجامعية مهمة لأنها النتيجة الأقرب والأكثر دقة للانتخابات العامة الفلسطينية، وهذه الانتخابات مهمة لنا كحماس بشكل خاص، لأنها توضح شعبية الحركة في رام الله، بالقرب من مقر القيادة الفلسطينية”.
المواقف الليبرالية والسلطوية
يوضح الدكتور سمير عوض، أستاذ العلاقات الدولية في قسم العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، أن حرية الطلاب السياسية ليست مكرسة في جميع الجامعات الفلسطينية كما هي في بيرزيت، ويتابع موضحاً “لسوء الحظ، هذا الموقف الليبرالي من الاتجاهات السياسية للطلاب هو موقف نموذجي محصور بعدد قليل من الجامعات مثل بيرزيت وبيت لحم بشكل خاص، فعلى سبيل المثال المواقف في جامعة النجاح مختلفة تماماً، فهناك يمارس العديد من عناصر الأمن الضغط السياسي على الطلاب في الحرم الجامعي”.
ويصف الدكتور عوض جامعة النجاح -التي أجلت انتخابات مجلس الطلبة لهذا العام بشكل مثير للجدل- بأنها “مؤسسة تعليم سلطوية للغاية”، ويتابع بقوله “الطلاب هنا في بيرزيت يعملون بنظام ديمقراطي أكثر شفافية من القيادة السياسية في فلسطين، آمل ألا يفقدوا جودة ما تعلموه هنا في بيرزيت عندما يتخرجون ويخرجون إلى الشارع، وآمل أيضاً أن يعملوا كمواطنين فلسطينيين على المطالبة بالحقوق والشفافية السياسية في المجتمع”.
المصدر: ميدل إيست آي