منذ بدء استخدام الولايات المتحدة لتكتيك الهجوم باستخدام الطائرات بدون طيار على كل من الأهداف في اليمن وباكستان وأفغانستان، والأمر آخذ في التزايد خاصة مع تسلم إدارة أوباما مقاليد الأمور في الولايات المتحدة والتي كثفت من استخدامها بعد تبنيها سحب جنود الولايات المتحدة من مناطق النزاع وعدم الزج بهم في حروب أخرى بعد قرار الانسحاب من العراق وأفغانستان.
هذا القرار جعل العمليات التي تنفذها الولايات المتحدة ضد تنظيم القاعدة في اليمن وباكستان وأفغانستان تتزايد بشكل ملحوظ، مع ارتفاع أصوات التساؤلات عن طبيعة وكيفية تحديد تلك الأهداف التي تُقصف مع عدم توافر أية معلومات عن هذا الأمر.
ذكر تقرير لمنظمة العفو الدولية في هذا الصدد أن الضربات الجوية التي تنفذها طائرات بدون طيار تابعة لوكالة الاستخبارات الأمريكية على باكستان بالتحديد في منطقة وزيرستان ترتكب جرائم حرب، بسبب وقوع عدة حالات قتل بسبب استهدافها مدنيين.
المنظمة قالت إنها تابعت تسع ضربات جوية في الآونة الأخيرة سقط خلالهما ضحايا في هذه المنطقة المؤهلة بالسكان من المدنيين، وكل هذه الضربات كانت بزعم استهداف قادة لتنظيم القاعدة في باكستان وأفغانستان.
وهو نفس ما أكدته منظمة هيومن رايتس ووتش التي صراحت بأن هذه الهجمات تعد انتهاكًا للقانون الدولي بسبب متابعتها لأمر تنفيذها والذي يفضي إلى وقوع ضحايا مدنيين بطريقة عشوائية.
ليس هناك ثمة تفاصيل كافية عن غرف العمليات الأمريكية التي تتولى أمر تنفيذ هذه المهمات لأنه ليس بالضرورة أن يكون انطلاق هذه الهجمات من الولايات المتحدة رأسًا، وإنما من قواعد أمريكية في بقاع شتى.
وفي تقرير أوردته الأمم المتحدة في عام 2013 بينت فيه أن أكثر من 400 مدني سقطوا في باكستان جراء هذه الغارات الأمريكية، العدد الذي رفضت الولايات المتحدة الاعتراف به، لكن التحقيق الذي أجرته الأمم المتحدة في العموم اعترفت به الولايات المتحدة، حيث أكد أن ثمة ضحايا مدنيين وقعوا خلال غارات أمريكية على باكستان وإن اُختلف في تقدير العدد.
فتحديد العدد ضرب من ضروب المستحيل في هذه المناطق بسبب منع وسائل الإعلام من التغطية، إضافة إلى الصعوبات في تحديد هويات القتلى والجرحى، فعناصر طالبان التي تلاحقهم الولايات المتحدة هم من أهل تلك المناطق ويصعب الفصل والتفرقة بين المدنيين وبينهم بشكل واضح؛ ما دعا الأمم المتحدة والجمعيات الحقوقية لمطالبة الإدارة الأمريكية بالكشف عن المعلومات الاستخباراتية التي تستند إليها في شن تلك الغارات الجوية، لأن ذلك يُعد تعديًا على الأعراف القانونية الدولية واستخدام لقوة مميتة خارج إطار الحرب.
واستكمالاً لسمة العشوائية الآخذة في الوضوح على تلك الغارات، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، الخميس، عن مقتل رهينتين (أمريكي وإيطالي) كانا بقبضة تنظيم القاعدة في عملية قامت بها قوة أمريكية في منطقة بين أفغانستان وباكستان، تبين بعد ذلك أن هذه العملية لم تتم بقوة برية كما تردد في بداية الأمر، لكن بغارة استخدمت الطائرات بدون طيار.
من جهته قال البيت الأبيض تعليقًا على أمر مقتل الرهينتين بالخطأ إن إحدى الرهينتين أمريكي اسمه وارن وينستين، ومحتجز من قِبل القاعدة منذ 2011، والرهينة الثاني يدعى جيوفاني لو بورتو، يحمل الجنسية الإيطالية وتم احتجازه منذ العام 2012، والذي أثار قتله بهذه الصورة الحكومة الإيطالية، فالغارات كان من المفترض أن تستهدف عناصر مسلحة مصنفة إرهابية لدى الولايات المتحدة ولكنها قتلت رهائن بالخطأ.
ليظهر الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي علق على الأمر، في مؤتمر صحفي بعد الإعلان عن هذه الحادثة بأنه لم يأمر شخصيًا بشن هذه الغارة التي قُتل فيها الأمريكي والإيطالي بالخطأ، لكنه لا ينفي عن نفسه تحمل المسؤولية كاملة، ليفتح بذلك ملف عمليات الطائرات بدون طيار التي لم تستطيع أن تحدد الرهائن من خاطفيهم، ما يدفع للبحث عن مدى دقة هذه العمليات بالكلية منذ بدايتها وعن عدد الضحايا المدنيين الذين سقطوا جرائها في عمليات مماثلة ادعت استهداف قادة في تنظيمات إرهابية.
حيث طالب تقرير منظمة العفو الدولية بمحاكمة المسؤولين الأمريكيين عن برنامج هجمات الطائرات بدون طيار السري التابع لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) بتهمة ارتكاب جرائم حرب، حسبما أفادت صحيفة ذا جارديان البريطانية، حيث أورد التقرير، رغم صعوبة العمل الميداني، تحقيقات في هجمات ضربت باكستان خلال ثمانية عشر شهرًا 2012-2013، لاسيما الهجوم الذي أودى بحياة 18 عاملاً في إقليم وزيرستان الشمالي، أثناء انتظارهم لتناولهم وجبة العشاء في منطقة تخضع لنفوذ طالبان وذلك في يوليو 2012، وتبين بعد ذلك أن القتلى ليس لهم أدنى علاقة بالتنظيمات المسلحة.
حاولت العديد من المنظمات تعقب عدد الضحايا المدنيين طوال عشر سنوات من الضربات الجوية في باكستان، تلك الهجمات أسفرت عن مقتل ما بين 2065 و3613 شخص، من بين هؤلاء 153 إلى 926 يُعتقد أنهم مدنيون.
شنت الولايات المتحدة أولى ضرباتها باستخدام طائرة بدون طيارعلى باكستان في 2004، ومنذ ذلك الحين وجهت نحو ثلاثين هجمة أخرى، معظمها في وزيرستان الشمالية، وقد صعّد الرئيس الأمريكي باراك أوباما من تلك الهجمات بشكل ملحوظ لدى توليه منصبه في 2009، ثم بلغت ذروتها في العام التالي بما يزيد عن مائة ضربة جوية.
ففي خطاب لأوباما عام 2013 متحدثًا عن الطائرات بدون طيار، أعلن أن تنفيذ الضربات لا يتم دون “شبه التأكد من عدم وقوع أي مدنيين قتلى أو جرحى”، وأضاف “ومع ذلك، فإن هناك حقيقة أن الضربات الأمريكية قد أسفرت عن سقوط ضحايا في صفوف المدنيين وأن هذه الوفيات سوف تلاحقنا طالما أننا نعيش”.
اعترافات السيد أوباما لن تغير من الواقع شيئًا، حينما تذكر مثالاً على اعترافاته، فهناك جدة تبلغ من العمر 68 عامًا تدعى مامنا بيبي قُتلت في شهر أكتوبر من العام 2012 في ضربة مزدوجة حينما كانت تجمع الخضر من حقول عائلتها بينما كانت محاطة بأحفادها.
هذا الأمر عرّض برنامج وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية إلى أقسى أنواع الانتقاد، فالولايات المتحدة بهذا لا تأبه بالمدنيين في مقابل تنفيذ أهدافها العسكرية في قتل فرد أو فردين مسلحين، ولا تمانع في مقتل أكثر من 6 من المدنيين دون جريرة سوى التواجد في نفس أماكن المسلحين.
مثل هذا حدث في حادثة قتل أنور العولقي القيادي بتنظيم القاعدة في اليمن، بعد استهدافه في غارة من تلك الغارات، والتي لم تود بحياته فقط بل بحياة ابنه عبدالرحمن العولقي الذي يبلغ من العمر 16 عامًا بالإضافة إلى 6 ضحايا آخرين لم يتسن لأحد معرفة علاقتهم بالعولقي.
أسف أوباما العميق الذي أبداه في الحادثة الأخيرة لقتل الأمريكي والإيطالي يدفع للتساؤل عن هذا الأسف حيال مئات القتلى الباكستانيين والأفغان واليمنيين والصوماليين الذين وقعوا ضحايا لهذه العمليات العشوائية على بلادهم.