ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
يعدّ أوليغ حبيب رحمانوف أحد أبرز النشطاء المدافعين عن حقوق الإنسان، وهو يقول إن الخوف أصبح الشعور الغالب في جمهورية الشيشان، بسبب سياسة القبضة الحديدية التي يدير بها الرئيس رمضان قادروف البلاد.
ويؤكد الملاحظون أن أوليغ حبيب رحمانوف هو واحد من النشطاء القليلين الذين لايزالون يجرأون على الذهاب للعاصمة غروزني، واليوم يدحض هذا الناشط صورة الشيشان المزدهرة والآمنة التي يريد الكريملين تسويقها، فالبنسبة له تعيش هذه الجمهورية القوقازية في ظل الخوف والفساد المستشري، تمامًا مثل برميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة.
لوبوان: كيف يسيّر رمضان قاديروف الشيشان اليوم؟
أوليغ حبيب رحمانوف: يؤمن رمضان قادروف بأن سلطته قائمة على قوات الأمن الموالية له، إنه رجل يؤسس كل نفوذه على القمع ويتخذ منه أداة رئيسية لإدارة البلاد، إذ يوجد جهازان أمنيان: جهاز لحفظ الأمن العام، وجهاز القوات الخاصة الذي يعتبر الحرس المقرب من الرئيس قادروف، إنهم أشخاص لا يمتثلون للقانون، والناس يسمونهم “القادروفيون” نسبة إلى الرئيس، ويقدر عددهم بأنه يتراوح بين ستة آلاف وعشرين ألفًا، ويسهل تمييزهم في أي مكان من خلال بدلاتهم السوداء التي لا يرتديها أي فصيل أمني آخر في روسيا الاتحادية، وتسليحهم الكثيف وتدريبهم العسكري المتطور.
ولكن رغم كل هذا تمت إعادة إعمار غروزني وتم فرض النظام فيها!
نعم، هذا صحيح، لدرجة أن البعض أصبح يسميها “دبي القوقاز”، ولكن في نفس الوقت فإن نسب البطالة لاتزال مرتفعة والفساد منتشر والشيشانيون يعيشون في ظروف لا يحسدون عليها، ويوجد لدينا العديد من ناطحات السحاب والمباني الفاخرة، ولكنها خالية تقريبًا، لأنه من عادات الشيشانيين أن يفضلوا العيش في منازل، والفقراء فقط يعيشون في شقق، ولهذا فإن كل هذه العمارات الفاخرة لم تجد مشترين، وهذا هو السبب وراء قيام الحكومة الشيشانية بإهداء شقة فاخرة في إحدى ناطحات السحاب في غروزني للممثل الفرنسي جيرار ديبارديو.
كما أن الشيشانيين يتعرضون للابتزاز بشكل متواصل، وهم مضطرون لدفع المال في كل تحركاتهم، عندما يعثر شخص على فرصة عمل في القطاع العام فإنه يتوجب عليه دفع مبلغ يعادل أجر ستة أشهر عمل كرشوة لمشغله، ونفس هذه القاعدة تسري على من يريد الحصول على المساعدات والمنح العائلية وحتى على المعاشات، قبل الحصول على أي شيء يجب تخصيص مبلغ من المال للموظف الذي سيقدم الخدمة، وهو ما يدل على الفوضى والهشاشة التي يعرفها الاقتصاد في هذا البلد، فالشيشان لا تنتج شيئًا يذكر، ومصاريفها مدعومة كليًا من قِبل الميزانية الفيدرالية الروسية، كما أن عصابة قادروف تحاول الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من هذه المساعدات.
ألم ينجح بوتين في وضع حد للصراع؟
خلال حرب الشيشان الثانية، أقدم أحمد قادروف على الانشقاق بصحبة ابنه رمضان، ونجح في إقناع الكثير من القادة الانفصاليين بالانضمام للمعسكر الروسي معه، ولكن رغم ذلك فإن المساعي للانفصال لم تنته، لأن الشياشنيين يعتبرونها حرب استقلال بالنسبة لهم.
كما أن نجاح بوتين في القضاء على الإرهاب يبقى نجاحًا نسبيًا، لأن ما حدث هو أن أغلب المجموعات المسلحة انتقلت إلى الجمهوريات المجاورة على غرار داغستان وأنغوشيا، ولكن المشكل بقي قائمًا، وقادروف يستغل هذا التهديد الإرهابي للتلاعب بفلاديمير بوتين والحكومة الفيدرالية والحصول على أكثر ما يمكن من التمويل.
وماذا عن الحديث الدائر حول التحاق 2500 شيشاني بصفوف تنظيم داعش؟
في ديسمبر من سنة 2014 تعرضت غروزني لهجوم من قِبل مسلحين، سقط خلاله 14 رجل أمن حسب الأرقام الرسمية، وقد رد قادروف الفعل خلال حوار تلفزي بتعهده بأن تتم معاملة أهالي المعتدين، الذين توفوا كلهم خلال الهجوم، “حسب قوانين الجبل”، وتساءلنا حينها حول معنى “قوانين الجبل” ولكن سرعان ما أوضح قادروف مقصده عندما قال: “سوف نقوم بحرق منازلهم وطرد أهاليهم إلى خارج البلاد”، ولكن العائلات الشيشانية غالبًا ما تكون كبيرة العدد، ولهذا فإن هذه الأعمال الانتقامية تعد كارثة إنسانية حتى عند ارتكابها تحت ذريعة محاربة الإرهاب، وهو ما يدفع بهذه العائلات لربط علاقات فيما بينها والتصدي بطريقة مشتركة لهذا القمع.
ثم بعد أسابيع قليلة، وصف قادروف الأشخاص المتهمين باغتيال بوريس نمتسوف، المعارض الروسي الذي تم اغتياله في 27 من فبراير 2015 في موسكو، بأنهم “أشخاص وطنيون لم يلحقوا أي أذى بروسيا، وبأنهم غير مذنبين وحتى في صورة محاكمتهم يجب أن تتم محاكمتهم وفقًا للقانون الروسي”، وقد استغرب الجميع كيف أنه لم يأت على ذكر “قانون الجبل” في هذه الحادثة، ولكن الواقع هو أن قادروف يرفض التخلي عن هؤلاء المتورطين في الاغتيال لأنهم تابعون له، فهو لا يخجل من دعم الأشخاص المقربين منه والمتهمين في قضايا تهم الرأي العام.
ما هي إمكانيات إجراء تحقيق حول ممارسات قوات الأمن الشيشانية؟
عندما يتم الكشف عن وجود رابط بين حالات الاختفاء القسري أو الجرائم من جهة ووحدة أمنية معينة من جهة أخرى، يتم استقدام لجنة التحقيق الروسية لإجراء الأبحاث في المقرات العسكرية واستجواب المسؤولين الأمنيين المتورطين، ولكن الواقع هو أنه عند وصول محقق للشيشان فإنه لا يتمتع بأية تسهيلات للقيام بعمله، وفي أحيان كثيرة يتعرض للتهديد من قِبل أي رجل أمن عادي، كما أن القادة الأمنيين يرفضون الإجابة عن الأسئلة ويرفضون دخول المحققين لمكاتبهم، رغم أن هؤلاء حاصلون على تفويض من قِبل الحكومة الفيدرالية الروسية للقيام بعملهم.
ما هي العلاقة بين بوتين وقادروف؟
يتصف نظام قادروف بالتسلط والإستبداد، وهو لا يستمع إلى أي شخص باستثناء بوتين، هذان الرجلان مرتبطان ببعضهما البعض وكل منهما في حاجة للآخر، ولكن بوتين بالطبع أكثر أهمية من قادروف، ما يريده الرئيس الروسي هو خلق “دولة بوليسية” تمارس فيها قوات الأمن القمع والتسلط عوض الاضطلاع بدورها الاعتيادي المتمثل في حفظ الأمن، ولذلك فإن الجميع في الشيشان يشعر اليوم بالخوف، وهذا أمر يناسب بوتين لأنه يخلق توازنًا معينًا يحمي البلاد من اندلاع نزاعات مسلحة، ولكن من المؤكد أنه عند رحيل بوتين ورجاله سيتم طرح مسألة تبعية الشيشان لروسيا الاتحادية من جديد؛ مما يعني أن الاستقرار في الشيشان هو أمر مؤقت وظاهري ولم يتم تحقيقه إلا عبر سياسة التخويف.
وسوف أصوغ لك مثالاً على ذلك: قبل ثلاثة أشهر في بلدة خوسي يورت التي ولد فيها قادروف، كتب أحد المراهقين على الجدران عبارة “خوسي يورت تساند الدولة الإسلامية”، ورسم علم هذا التنظيم المسلح، مما خلق حالة صدمة هناك، ويقول الكثيرون إن قادروف بكى بسبب هذه الحادثة، لأنها كانت دليلاً على فشل النظام الذي عمل على إرسائه، وقد أوردت صحفية محلية بأن هذا المراهق هو ابن أحد مساعدي وزير الداخلية، وقد قام الأب بنفسه بتسليم ابنه لقادروف، ومن ذلك اليوم لم يشاهده أحد ولا نعلم مصيره.
المصدر: صحيفة لوبوان