أعلن التلفزيون السوري التابع للنظام وفاة اللواء رستم غزالة رئيس شعبة الأمن السياسي السابق في نظام بشار الأسد، غزالة كان يرقد مصابًا جراء تعرضه لاعتداء على أيدي المخابرات العسكرية بالنظام التي يترأسها اللواء رفيق شحادة بعد احتدام الخلاف بينهما، إلا أن التلفزيون السوري أعلن أن سبب الوفاة هو وعكة صحية.
غزالة الذي عُين من قِبل بشار الأسد رئيسًا للاستخبارات السورية في لبنان عام 2002، حيث كان هذا المنصب هو الحاكم الفعلي في لبنان، وبعد اغتيال رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان، عاد رستم غزالة إلى سوريا ليتم تعيينه رئيسًا للفرع العسكري لمخابرات ريف دمشق، ثم رئيسًا لشعبة الأمن السياسي بعد مقتل كبار القادة الأمنيين في النظام السوري في استهداف اجتماع لهم عام 2012.
اسم رستم غزالة موجود ضمن قائمة لدى الأمم المتحدة متهمة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وقد شرعت الأمم المتحدة بتحريك إجراءات قضائية ضدها، وكان غزالة البالغ من العمر 62 عامًا ضمن خمسة ضباط سوريين جرى استجوابهم من قِبل لجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري الذي قتل بتفجير في بيروت في فبراير 2005.
صحيفة “لو موند” الفرنسية نشرت تقريرًا في السابق تداولته وسائل الإعلام يتحدث حول ما تعرض له مدير الأمن السياسي في سوريا اللواء رستم غزالة في الفترة الماضية، والغموض الذي غلف هذه الفترة، إذ قالت الصحيفة “إن الغموض يعد أمرًا طبيعيًا في ملفات كهذه، بما أن المعني بالأمر من أبرز الشخصيات التي عملت في جهاز المخابرات خلال حكم بشار الأسد”.
جاء التقرير الفرنسي على خلفية حادثة تعرض لها رستم في آخر حياته حيث نُقل إلى إحدى المستشفيات في العاصمة السورية دمشق بعد تعرضه لضرب مبرح قيل إنه على يد رجال مخابرات تابعين لرئيس شعبة الاستخبارات العسكرية اللواء رفيق شحادة، لكن الروايات تعددت حول أسباب الخلاف الذي أدى إلى ضرب غزالة.
حيث أشار التقرير إلى أن اللواء رستم غزالة كان قد غضب ورفض السماح لقوات إيرانية ومقاتلين تابعين لحزب الله بالتمركز داخل منزله في مرتفعات بلدة قرفا في محافظة درعا، حيث أرادت تلك القوات اتخاذه مركز عمليات ومستودعًا للمدفعية والمدرعات لصد تقدم المعارضة السورية على محور دمشق – درعا، وهما ما رفضه رستم تمامًا؛ مما أثار الغضب بين جنرالات في الجيش بسبب هذا التصرف.
بعد ذلك لحق ببيت رستم غزالة انفجارًا هائلاً دمره تمامًا، وتردد بين قوات النظام السوري أن اللواء رستم غزالة وعناصر تابعين له هم من يقفوا وراء تلك العملية وليست المعارضة بعد رفض الرجل التعاون مع القوات الإيرانية وعناصر حزب الله المشاركين في قتال المعارضة، بالرغم من أن له دور بارز في قمع الثورة لكنه رفض استخدام ممتلكاته الخاصة في هذه الحرب.
هذه الرواية تقول إنها أثارت غضب اللواء رفيق شحادة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، الذي وجه السباب لرستم غزالة في مكالمة هاتفية بينهما، بعدها توجه غزالة إلى مقر اللواء رفيق شحادة ليرد على تلك الإهانة؛ ما أدى إلى اعتقاله وتعذيبه على يد رجال تابعين لشعبة الاستخبارات العسكرية.
ثمة رواية أخرى متدوالة عن هذا الخلاف الحاد بين رجلين من أعمدة النظام، حيث إنه من المعروف لدى السوريين أن غزالة وعائلته يعملون في تجارة تهريب النفط، وأنهم قد جمعوا ثروة طائلة من ذلك، وتردد في الآونة الأخيرة أن نشاطهم عقب أيام الثورة السورية قد ازداد، إذ إنهم يبيعون النفط للمعارضة، وكذلك لتنظيم داعش.
وقد تحدث البعض أن اللواء رفيق شحادة نجح في الإمساك بواحدة من عمليات التهريب متورط فيها رستم غزالة، الأمر الذي أغضب غزالة بشدة؛ ما أدى إلى تبادل الشتائم هاتفيًا بينهم، توجه غزالة بعدها إلى مكتب شحادة مع مرافقيه “على عادة كل المسؤولين السوريين”، ولكن حراس مكتب شحادة رفضوا السماح للمرافقين بالدخول وأبقوهم عند الباب الخارجي.
وعند مرور غزالة على جهاز كشف المتفجرات تبين أنه يرتدي حزامًا ناسفًا، وعند سؤاله عن ذلك قال إنه اعتاد على ارتدائه بسبب التهديدات باختطافه، ليتم ضرب غزالة في مكتب شحادة ضربًا مبرحًا؛ ما أدى لنقله إلى العناية المركزة نظرًا لأن إصاباته كانت شديدة الخطورة.
الصحف اللبنانية حينها تناولت الأمر بشيء من الاهتمام نظرًا لعلاقتهم بهذا الرجل الذي يعتبرونه أحد حكام لبنان في وقت من الأوقات، حيث قال الأمين القطري السابق لحزب البعث والوزير اللبناني السابق فايز شكر “المقرب من نظام الأسد”، بقوله إن غزالة يعاني من مرض الضغط وقد تعثر ووقع على الدرج، فدخل المستشفى، إلا أنه يتماثل للشفاء.
ولكن الرئيس السوري بشار الأسد أصدر قرارًا بإقالة رئيس شعبة الأمن السياسي في الجيش السوري اللواء رستم غزالة ورئيس شعبة الأمن العسكري اللواء رفيق شحادة، على خلفية الوقائع التي حدثت بينهما، والتي تؤكد الروايات السابقة المتحدثة عن استهداف غزالة من قِبل رجال المخابرات العسكرية.
عقب هذا الحادث اختفى اسم غزالة من الساحة السورية فجأة، ما سمح لظهور رواية ثالثة تخص هذا الرجل، حيث تردد أن النظام السوري يريد تصفيته داخل المستشفى لأن هذا الرجل معه من الأسرار ما قد تضر بنظام الأسد في هذه المرحلة الحرجة، خاصة وأن ملف مقتل الحريري يمثل ضغطًا على الرئيس السوري بشار الأسد الذي قرر التخلص من كل من ورد اسمه في التحقيقات الخاصة بتلك القضية.
فقد روج النظام لانتحار “غازي كنعان” الذي تقلد منصب رستم غزالة في لبنان قبل ذلك، وكذلك مقتل الضابط محمد سليمان أحد رجال باسل الأسد في حادث شابه غموض رغم الحراسة المفروضة عليه، كذلك مقتل عماد مغنية رجل حزب الله الذي اتهمت إحدى زوجاته النظام السوري بالضلوع في تصفيته، واللواء جامع جامع الذي تمت تصفيته بسبب علاقته بقضية الحريري، ومحاولة اغتيال ميشل سماحة مستشار بشار الأسد الإعلامي السابق لنفس السبب.
حيث يؤكد محللون أن إعلان وفاة اللواء رستم غزالة، قد يكون لنفس هذا السبب وهو علاقته بقضية مقتل رفيق الحريري، والتي يريد النظام السوري التخلص من كافة أذرعه فيها، مؤكدين أن ما حدث لرستم غزالة على يد اللواء رفيق شحادة كان بوازع من بشار الأسد شخصيًا.
رغم كثرة الروايات وتضاربها حول وفاة رستم غزالة الغامضة التي قال النظام عنها إنها بسبب وعكة صحية، إلا أن الملابسات التي أحاطت بالرجل في محطات حياته الأخيرة، تؤكد أن ثمة شبهة في مقتله، خاصة وأنه عقب تعرضه لاعتداء بمقر عمل اللواء رفيق شحادة ونقله للمستشفى، تعرض للتسمم ما أدى إلى تدهور شديد في صحته، استدعي على إثرها أطباء من لبنان للتدخل لإنقاذ حياته، دون معرفة أسباب هذا التسمم الذي تعرض له، فيما أكد البعض أن غزالة قد توفي منذ فترة كبيرة إلا أن النظام لم يعلن ذلك إلا في هذه الفترة لأسباب غير معلومة.