ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
أثارت القضية المرفوعة ضد قناة الجديد ومديرتها كارما خياط، أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان جدلاً حول حرية الصحافة وحدودها، حيث اتخذت هذه القضية منحى أذهل متابعيها بفضل مهارة طاقم الدفاع، الذي نجح في قلب الأدوار، وتحويل القناة إلى ضحية ظلم صارخ، طال المدافعين عن حرية التعبير المقدسة.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى التحديات التي تواجهها الحريات في بلد عصفت التجاذبات السياسية بجل مؤسساته وخاصة الإعلامية منها، إذ يسعى كل طرف لكسب فضاءات التعبير لحسابه وفرض إملاءات تخدم أجندته الخاصة، بل إن الوضع قد تفاقم مهددًا حياة العديد من الشخصيات الناشطة في هذا المجال وغيره، ومتحكمًا في حدود الحريات وضوابط الخطاب الإعلامي.
من جهتها أكدت كارما خياط على إقرارها بضرورة عدم تعريض حياة أحد الشهود للخطر بتعلة حرية التعبير، مؤكدة مرارًا وتكرارًا أن هدف القناة كان كشف فشل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في منع تسريبات خطرة، ونافية صحة الاتهامات التي وُجهت لها.
هذا وقد شهدت الساحة القضائية في لبنان عدة انتقادات، تم توجيهها للمحكمة الدولية الخاصة بالبلد، حيث لم يحظ تأسيسها برضى العديد من رجال القانون والمراقبين المحليين والدوليين على حد سواء، غير أن ذلك لا ينفي ضرورة التمييز بين النقد المبرر والتقريع.
ويبدو أن هذه الحملة الإعلامية التي تم شنها باسم حماية حرية التعبير قد نجحت في صرف النظر عن الدافع الأوحد وراء رفع القضية، وهو تعريض حياة أشخاص للخطر، تحت تأثير إغراءات الخبر، ونتيجة للمساعي السياسية الواضحة التي تستهدف المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وحتى لا تتم مغالطة الرأي العام، وجب الاعتراف بأن الأمر لا يتعلق بالحد من حرية التعبير، حيث إن أرشيف وسائل الإعلام العديدة يعج بالبرامج والمقالات التي تنتقد هذه المحكمة بشدة، فالمسألة هنا تطال القوانين الموضوعة، والتي وجب احترامها بصرف النظر عن النظام القانوني بلبنان.
لذا فإنه من غير المجدي الخوض في المبادئ القانونية العامة المفترض الإطلاع عليها من قِبل كل صحفي، حرصًا على الموازنة بين حقوق الأفراد في النزاعات وحرية التعبير من ناحية، وحماية الأمن العام وحقوق الآخرين من ناحية أخرى، حيث تخضع الحرية لضوابط وحدود تسعى لحماية الناس، والذود عنها هي أيضًا.
وفي هذا السياق، وإن كان القرار النهائي في هذه القضية يعود للقاضي نيكولا نيتياري، فإننا كصحفيين نواجه تحدي الموازنة بين حرية الصحافة، وما يطلبه المشاهدون والأوضاع الاقتصادية من جهة، والتفاصيل التي تلامس الحياة البشرية والأخلاق من جهة أخرى.
هذا وقد استند الدفاع على تسريبات أقدمت عليها صحف من قبيل لوفيجارو ولوموند وغيرها، لم تعرض أصحابها للمساءلة، مما دفع قناة الجديد للسير على هذه الخطى باطمئنان، ويتوقع أن يجد هذا التبرير صدى في المحاكمة ما لم تنجح دوافع المحاكمة المذكورة أعلاه في دحض هذا التمشي الحجاجي، ذلك أن التسريبات الأولية التي نشرتها وسائل الإعلام الغربية كانت قد سبقت القرارين القضائيين لمايو ويونيو 2012، أي قبل التجاوز الذي أقدمت عليه قناة الجديد بشهر، حيث لم يكن القاضي دانيال فرانسان موجودًا حينها، ويقضي هذان القراران بمنع مد الادعاء بأي وثائق أو إثباتات مع فرض حماية مشددة على الشهود.
كما ذهب المعارضون للحجج التي قدمتها لجنة الدفاع إلى عدم استواء المقارنة بين الكشف عن أسماء لأعضاء في حزب الله، المتمتعين بقدر من الحصانة وفرها لهم تنظيمهم القوي، علاوة على عدم توفر أية تفاصيل بشأن مكان تواجدهم، والإفصاح عن معلومات بشأن شهود وضعت هوياتهم قيد السرية حماية لهم، من جهتها تعللت قناة الجديد بتشويشها على وجوه هؤلاء الأشخاص حتى لا يتم التعرف عليهم، الأمر الذي أفاد الخبراء بعدم نجاحه خاصة مع نشر الحروف الأولى من أسمائهم والإفصاح عن ديانتهم ومهنة كل منهم، إضافة إلى الكشف عن مكان عمل أحدهم مما يجعل التعرف عليه سهلاً يسيرًا.
لكن ذلك لا يصرف النظر عن قضية التسريبات التي حفت القضايا المتعددة للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، إذ إنها تمس مصداقيتها وتشكك في قدرتها على حماية الوثائق والمعطيات السرية، فالأمر لا يتعلق هنا بهوية وسائل الإعلام التي تولت نشر التسريبات، بقدر ما يخص ذلك الشبح الذي أصبح يتهدد أروقة المحكمة ويشكل خطرًا على سير عملها، مما يضفي شرعية على تساؤل هيئة الدفاع عن سر عدم اكتشاف هوية المسربين ومن ثم تقديمهم للعدالة.
من ناحيتهما فشل التحقيقان السريان في الكشف عن مصدر هذه الظاهرة الخطرة، في حين صرحت المحكمة بأن عملية الكشف عن الشهود لم تتم من داخلها، مع الحرص على إبقاء تفاصيل البحثين قيد السرية إلى الآن، مما يطرح تساؤلات حول مدى شفافيتها ويؤثر على مصداقيتها.
ومع ذلك هل يمثل الفشل في الكشف عن هوية المسربين دافعًا لعدم ملاحقة قناة الجديد على إثر مساهمتها في تعميق الإشكال؟ يبدو الجواب واضحًا، غير أنه من واجب المحكمة الاستناد على حجج قانونية والابتعاد على كل ما يمكن أن يمت للتمييز الديني بصلة، حيث تعتمد هيئة الدفاع على هذه الحجة لإثبات براءة موكليها.
المصدر: صحيفة لوريون لوجور