تنتهي عاصفة الحزم في اليمن وتبدأ عملية أخرى تسمى بإعادة الأمل، والقصف السعودي على اليمن لم يتوقف، والأنباء تتوارد عن عاصفة حزم سورية وعراقية، الحرب مستعرة بين تنظيم الدولة والتحالف الدولي في العراق وسوريا، مصر تطلب دعمًا عسكريًا أمريكيًا لإحكام قبضتها على سيناء، إيران تنجز اتفاقًا أوليًا مع الولايات المتحدة بشأن برنامجها النووي، والخليج ترتعد فرائسه وتصرفات بدافع الخوف تضطره إلى التفكير في حلول عسكرية بعكس ما كانت سياسة الخليج في السابق التي تتجنب النزاعات المسلحة، كل هذه الظواهر هي شواهد لأمر أعمق وهو ازدياد سريع لمبيعات السلاح في الشرق الأوسط بواسطة ترسانة السلاح الأمريكي.
حينما تعلم أن السعودية أنفقت أكثر من 80 مليار دولارًا على الأسلحة في العام الماضي، بمعنى أنه أكبر مبلغ أنفقته المملكة على الإطلاق في التسليح، هذا المبلغ أكثر مما تنفقه فرنسا وبريطانيا، وبه وأصبحت السعودية رابع أكبر دولة في سوق التسليح العالمي، كما أن الإمارات أنفقت أكثر من 23 مليار دولارًا العام الماضي، أي أن ذلك يعد أكثر بثلاثة أضعاف مما أنفقته في عام 2006، كل هذه الأرقام وردت في تقارير لمؤسسة ستكهولم لأبحاث السلام والتي تتبع الإنفاق العسكري لدول العالم.
كما ورد أيضًا أن قطر هذه البقعة الصغيرة على الخريطة الجغرافية وقّعت صفقة مع الولايات المتحدة بمبلغ 11 مليار دولارًا لشراء مروحيات هجوم “أباتشي” وأنظمة دفاع جوي حديثة، كما تنتوي الدولة الصغيرة إجراء عمليات إحلال لأسطول كامل من طائرات الميراج الفرنسية ليحل محلها صفقة تاريخية لمقاتلات “إف 15” الأمريكية، وذلك في إطار قائمة متطلبات عسكرية ستقدمها الدوحة لواشنطن خلال الفترة القادمة.
سباق التسلح هذا أكده مسؤولون عن الصناعات العسكرية في الولايات المتحدة أثناء جلسات نقاشية بالكونجرس، إذ توقعوا زيادة طلبات صفقات السلاح من “الحلفاء العرب” الذين شرعوا في حرب ضد ما يعرف بـ “تنظيم الدولة الإسلامية”، وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات وقطر والبحرين والأردن ومصر، وذلك لشراء معدات عسكرية مصنوعة في الولايات المتحدة لإعادة ملئ ترساناتهم العسكرية التي استهلكت خلال العام الماضي.
كل هذه الأموال العربية المنفقة على صفقات السلاح الأمريكية تدفع للتساؤل ما الذي تغير حتى تتحول هذه الممالك الصغيرة التي كانت حتى عهد قريب لا تمتلك جيوش بالمعنى الحديث إلى أكبر مستورد للسلاح في العالم، فقد كانت جل خبرتها العسكرية في تنظيمات حرس الشرف الوطني التي تقيم استقبال الوفود الرسمية.
الحقيقة أن الولايات المتحدة قد خفضت ميزانية البنتاجون بعدما كانت ارتفعت في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر في إطار سياسة جديدة انتهجها الديمقراطيون، أحدث ذلك عجزًا في مبيعات السلاح الأمريكي بعدما كان البنتاجون يستهلك مخزونًا كبيرًا، وأضحت شركات تصنيع السلاح الأمريكي في مأزق كبير، في نفس الوقت رأت وكالة الاستخبارات الأمريكية أن الشرق الأوسط سوف يدخل في دوامات صراع وأن هناك عدة مشاريع حروب بالوكالة قائمة بالفعل بين الخليج وإيران، ويجب الاستفادة من ذلك في هذا الصدد، تطور هذا التصور بعد إنجاز الاتفاق النووي الإيراني المبدأي، فأصبحت دول الخليج بقيادة السعودية أكثر رغبة في تقوية جيوشها، وبدأت في صراع تسلح مع الغريم الإيراني، وبالطبع فإن دول الخليج ليس أمامها سوى الحليف الأمريكي لتشبع رغبتها في اقتناء السلاح من خلاله، مع وجود الحليف الروسي الداعم العسكري الأول لإيران.
الولايات المتحدة أرادت إحداث توازن عسكري إستراتيجي في المنطقة، إذ تمد الخليج بكل ما يحتاجه من السلاح مهما بلغت قوته أو تأثيره، مع انتهاج سياسة جديدة ألغت الموروث القديم الذي كانت إسرائيل تفرضه بعدم مد العرب في العموم بأي أسلحة تشكل تفوقًا نوعيًا لهم على ترسانة التسليح الإسرائيلية، إلا أن إسرائيل رأت في الآونة الأخيرة أنها في خندق واحد مع الدول العربية وخاصة الخليج، فيما يتعلق بمواجهة إيران أو خوض حرب ضد تنظيم الدولة، فلم تبد اعتراض قوي على مد الخليج بسلاح نوعي متقدم، وبات هناك تصنيفًا للعرب أثناء مدهم بالسلاح حسب مدى خطورته على إسرائيل.
فمع الصفقة الروسية الإيرانية لبيع أنظمة دفاع جوي متقدمة التي عارضتها إسرائيل بشدة، نرى الخليج يسعى إلى الولايات المتحدة لعقد صفقة عسكرية تاريخية لشراء طائرات “إف – 35” والتي يُعتقد أنها الوحيدة في العالم التي لديها القدرة على اختراق هذه الأنظمة التي ستزود بها روسيا إيران، كذلك ثمة نوعيات من الأسلحة سوف تزود بها الولايات المتحدة الخليج عما قريب، والتي يُعتقد أنها ستكون نوعيات غير مألوفة في الشرق الأوسط، لأنها لم تخرج لأي دولة خارج حلف الناتو.
تقول شركة “آي إتش إس” المتخصصة في معلومات وبيانات التحليل الدولية في الولايات المتحدة في تقرير لها صادر عن تجارة التسليح العالمية، إن مبيعات الأسلحة في جميع أنحاء العالم ارتفعت في العام الماضي للعام السادس على التوالي، وحظيت الولايات المتحدة بثلث مجموع صادرات التسليح في العالم، وأضافت الشركة في تقريرها أن الولايات المتحدة كانت المستفيد الرئيسي من هذا النمو، حيث كانت للصادرات الأمريكية من الأسلحة شعبية خاصة بين المشترين في سوق الشرق الأوسط.
كما يقول المحلل العسكري المتخصص في شؤون الدفاع والأمن بن موريس “إن الشرق الأوسط هو أكبر سوق إقليمية للسلاح في العالم، وتوجد فرص ازدياد واردته من السلاح بمقدار 110 مليار دولارًا في العقد المقبل، وهذا الرقم كفيل لإيضاح لماذا ترغب الولايات المتحدة أن تخوض الدول العربية حروبًا مباشرة بدلًا منها في إطار سياستها الجديدة التي تقول بأنه آن الآوان أن تواجه الدول العربية بالسلاح الأمريكي المخاطر التي تهدد الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فالأمريكان أدركوا بأنه لم يعد هناك حاجة لأن يفقدوا مزيدًا من الجنود في صراعاتهم بالشرق الأوسط.