لقد كانت أفغانستان دائمًا ممرًا للإمبراطوريات العظمى مُذ غزا الإسكندر الأكبر البلاد في العصور القديمة، وهكذا، سعت إمبراطوريات عظمى أخرى لاحقة لغزو أفغانستان ومنطقة وسط أسيا.
إحدى هذه البعثات الحربية إلى أفغانستان كانت في القرن التاسع عشر، وأطلق عليها اسم “اللعبة الكبرى”، أواخر العام 1830، كانت حدود كل من الإمبراطوريتين الروسية والبريطانية تطبق على أفغانستان.
بعد حرب القِرَم، لم تعد روسيا على وفاق مع بريطانيا، وكانت تخشى هذه الأخيرة من أن تحتل روسيا أفغانستان، وكانت تخشى من أن تصبح أفغانستان منطقة انطلاق الأرتال الروسية لتوسعات أكبر لاحقة باتجاه الشمال الشرقي حيث الهند التي تقبع تحت سيطرة بريطانيا، وعليه؛ أرسل البريطانيون مبعوثًا لتشكيل تحالف مع حاكم أفغانستان، دوست محمد، إلا أن هذا الأخير أراد من البريطانيين في المقابل تشكيل ذات التحالف العسكري ضد السيخ والذين كانوا قد احتلوا في حينها بيشاور القابعة ضمن الحدود الأفغانية آنذاك.
كان هذا التحالف مستحيلاً بالنسبة للبريطانيين، فهم متحالفون مع السيخ مسبقًا، بعدها تحالف الروس مع فارس (إيران)، الذين حاصروا أفغانستان من جهة الغرب وبدا لبريطانيا أن روسيا تتحين الفرصة لاحتلال البلاد، وبذا دخلت الأرتال البريطانية أفغانستان سنة 1839.
ربيعَ سنة 1839 دخلت بريطانيا البلاد بقيادة السير جون كين، من المعابر الجنوبية، الجيش الذي تألّف من 25.500 جندي لم يكن جيشًا بريطانيًّا نظاميًا إلا أنه كان “قوات الشركة الهندية الشرقية البريطانية”.
منذ اليوم الأول الذي استعمرت فيه بريطانيا الهند حتى منتصف العام 1850، حكمت هذه الشركة الهند وأدارت السيادة البريطانية للهند (الدومينيون البريطاني)، كان لدى هذه الشركة قوات مشاة وبحرية خاصة بها، ونظرًا لثرائها حظيت قوّاتها بأفضل العتاد والتدريب أكثر حتى من الجيوش النظامية نفسها.
تألفت قوّات هذه الشركة من جنود هنود يسمّونَ “sepoys-سيبويس”، وكذلك جنود بريطانيين مرتزقة.
أثناء الترحال عبر التضاريس الجبلية الوعرة لمعبر “بولان” جنوبي أفغانستان/ باكستان؛ اضطر الجيش البريطاني بطبيعة الحال للتخلي عن معداته الثقيلة، مدافعه الضخمة وحيواناته خلفه.
كان هذا الأمر مشكلة لأن العائق الرئيسيّ بين هذه الجبال ومدينة كابُل حيث يفترض نشوب المعركة، مدينة قندهار التي تحرسها الأسوار المنيعة لقلعة “غزني”، وصل البريطانيون قندهار يوم الرابع من مايو سنة 1839، وبدا لهم فورًا أن قلعة “غزني” ستكون تحديًا صعبًا.
قلعة أسوارها بارتفاع 21 مترًا، تحيطها الخنادق المائية، بوابات خشبية عملاقة مدعمّة بالصخور، مجهزة بالماء والغذاء الكافيين لأيام الحصار الطّوال، وبذا كان اقتحام القلعة دون المدفعية الثقيلة أمرًا شبه مستحيل، والمدفعية كان البريطانيون قد اضطروا للتخلي عنها في الجبل.
مع ذلك، أدى التحقيق مع جنود أفغان جرى أسرهم إلى الاعتراف بأن البوابة الجنوبية ظلّت مكشوفة كي تصل إمدادات الغذاء والخطط من كابل عبرها.
يوم 22 يوليو، وتحت وابل المدفعية الهندية الخفيفة هوت البوابة الجنوبية للقلعة، وسرعان ما اقتحم البريطانيون القلعة مشتبكين مع الأفغان الذين فيها من نقطة الصفر، ظل الاشتباك مشتعلاً يومًا بليلته، بحلول الصبح كانت القوات البريطانية قد وصلت قندهار وأعلنتها مدينة في قبضتها.
مهد سقوط قندهار الطريق للبريطانيين كي يصلوا كابل، بعدها انهارت حكومة دوست محمد، وجرى نفي هذا الأخير إلى ما يعرف اليوم ببلاد أوزبكستان، بعدها بسبع سنوات وصل البريطانيون كابُل دون مقاومة، بطبيعة الحال لم يكن استقبال الأفغان لهُم بالاستقبال الحار ولم يرموا الورود عليهم محتفلين بهم، بالنسبة للبريطانيين كان دخول أفغانستان سهلاً جدًا، لكن هل كان الاحتفاظ بأفغانستان في قبضتهم بهذه السهولة؟
هذا ما سنعرفه في الجزء الثاني من هذه السلسلة.