فتحها عمر بين الخطاب، وانتصر على أعتابها صلاح الدين الأيوبي، واحتلتها إسرائيل، وعملت ومازالت تعمل على تهويدها وطمس معالمها وصولًا لإسقاطها، وتحقيق الهدف الإستراتيجي الذي تسعى له دولة الكيان والمتمثل في إعلان القدس عاصمة موحدة للدولة الإسرائيلية.
فما هي الإجراءات الصهيونية التي تستهدف المدينة المقدسة وتؤدي لسقوطها وتهويدها بالكامل؟ وهل نمتلك رؤى وإستراتيجيات لحماية الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية؟
عند الحديث عن الإجراءات التهويدية لمدينة القدس من قِبل الاحتلال الإسرائيلي فإننا نتحدث عن إجراءات متعددة وممنهجة ومتداخلة، فمنها ما هو جغرافي وديموغرافي وقانوني واقتصادي، وتلتقي جميعها عند تحقيق الهدف الإستراتيجي الصهيوني بتفريغ المدينة من سكانها وطمس معالمها وإقامة هيكلهم المزعوم.
القدس تنقسم إلى شطرين الغربي والشرقي، وهذا التقسيم هو مرتبط بحالة الاحتلال؛ فعندما أنشأت إسرائيل كيانها المزعوم فوق التراب الفلسطيني عام 1948 كانت القدس الغربية ضمن حدود الدولة العبرية، ومنذ ذلك التاريخ عملت إسرائيل كل ما بوسعها لتغيير الخارطة الديموغرافية وبموجبها تتغير ملامح القدس الغربية ونجحت نجاحًا باهرًا في ذلك، فقد بلغت تركيبتها السكانية من اليهود وغير العرب 99.1%.
وبعد قيام إسرائيل باحتلال القدس الشرقية عام 1967، بات هناك هدف إستراتيجي للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لتهويد القدس الشرقية، وتغيير ملامحها الديموغرافية والجغرافية، وصولاً لفرض سياسة الأمر الواقع التي بموجبها تطمح إسرائيل في تبني الواقع الجديد وتترجمه بقرارات دولية جديدة تعترف بالقدس عاصمة موحدة لدولة إسرائيل.
الإجراءات الصهيونية تجاه القدس الشرقية
اتخذت إسرائيل خطوات وإجراءات جغرافية وديموغرافية وسياسية وقانونية واقتصادية لتهويد القدس، تلك الخطوات جزء من إستراتيجية متكاملة، وصلت فيها إسرائيل لمراحل متقدمة مستغلة حالة الضعف والتيه والانقسام والتشرذم العربي والفلسطيني.
1- الواقع الجغرافي للقدس الشرقية
قال مدير عام دائرة الخرائط والمساحة في بيت الشرق بالقدس المحتلة خليل التفكجي إن “سلطات الاحتلال الإسرائيلي استولت على 87% من مساحة القدس المحتلة، ولم يتبق للفلسطينيين العرب سوى 13% فقط منها”.
باختصار، هذا واقع القدس المحتلة وهذا مؤشر واضح لنعرف مستقبل القدس، ولنعرف ما هي دوافع المقدسيين الذين هبوا لنصرة المدينة المقدسة فخرجت العديد من عمليات الدهس والطعن.
القدس اليوم محاطة بسلسة مستوطنات كبرى: معاليه أدوميم شرقًا، راموت غربًا، جبعات زئيف شمالاً، وجيلو جنوبًا، والمستوطنات الكبرى مرتبطة بمستوطنات أصغر داخل المدينة المقدسة؛ ما جعل الحياة للمقدسيين أشبه بكابوس إلا أن صمود المقدسيين بمدينتهم هو ما يفشل ويبطئ المخططات الصهيونية ولكن هذا بحاجة لدعم عربي من أجل تعزيز صمودهم وبقائهم على أرضهم.
2- الواقع الديموغرافي للقدس الشرقية
تمارس إسرائيل سياسة تهجير لا تقل خطورة عن نكبة عام 1948، أو نكسة حزيران 1967، فدولة الاحتلال ماضية في تهجير السكان العرب وفي تغيير معالم المدينة المقدسة، وما نتحدث به ليس في القدس الغربية، والتي بلغت تركيبتها السكانية من اليهود وغير العرب 99.1%، وإنما نتحدث عن القدس الشرقية التي نصت العديد من القرارات الدولية بأنها عربية فلسطينية، ولكن دولة الاحتلال الصهيوني وبمساندة من حلفائها الغربيين عملت ومازالت تعمل على تغيير الوقائع السكانية على الأرض، وهذا ما عكسته دراسة للدكتور أحمد دحلان بعنوان” الصراع الديمغرافي الإسرائيلي – الفلسطيني في مدينة القدس .. دراسة جيبوليتيكية”، وأهم ما جاء بها أن دولة الاحتلال الصهيوني نجحت في تغيير التركيبة السكانية في شرقي القدس، إذ بلغت نسبة اليهود 40.7% مقابل 59.3% للسكان العرب في عام 2010، وفي المقابل مارست سياسة التطهير العرقي في غربي القدس التي شكل اليهود وآخرون 99.1% من جملة سكانها، وأظهرت الدراسة انخفاضًا ملحوظًا في الخصوبة الكلية عند المرأة العربية من 4.51 مولود حي للمرأة في عام 2001 إلى 3.92 مولود حي في عام 2010، وفي المقابل ارتفع معدل الخصوبة الكلية للمرأة اليهودية من 3.69 مولود حي إلى 4.17 مولود حي خلال نفس الفترة.
3- استخدام القانون في تهويد القدس
هناك العديد من القوانين العنصرية التي أقرها الكنيست والتي تستهدف القدس ومقدساتها، فعلى سبيل المثال لا الحصر هناك قانون التقسيم المكاني والزماني، الذي بموجبه يتم تقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود، وقانون أملاك الغائبين الذي يسمح بمصادرة أراضي كل مقدسي لا يعيش بالقدس.
4- الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في القدس
يتعرض المقدسيون إلى حالة ترغيب كبيرة قد لا يصمد في وجهها سوى الأتقياء والأبرار والأبطال، فالجمعيات الاستيطانية تعرض ملايين الدولارات على المقدسيين لبيع عقاراتهم ومنازلهم، بالإضافة إلى تسهيل الحصول على جنسيات دول أوروبية وأمريكية، ويرفض المقدسيون ذلك، ومازالوا متمسكين بأرضهم وعقيدتهم، ولكن الاحتلال لم يتركهم، فمنذ زمن ويفرض عليهم مزيدًا من الضرائب أهمها ضريبة الأرنونا، ويسحب الهويات، ويهدم المنازل، وبذلك أصبح الوضع الاقتصادي والاجتماعي مأساويًا بما تعنيه الكلمة، وللأسف هناك تقصير عربي وإسلامي وفلسطيني تجاه القدس، والمرابطين في الأقصى.
خلاصة القول: لا بد أن يدرك كل عربي مسلم ومسيحي بأن القدس في خطر، وأن مسألة سقوطها بشكل كامل أصبحت مسألة وقت، وعليه ما لم تتحرك الشعوب والأنظمة بالدول العربية والإسلامية فهذا المقال وغيره من المقالات والدراسات هو حجة عليهم أمام الله، أما نحن الفلسطينيون وتحديدًا السلطة الفلسطينية فعليها مسؤولية كبرى تجاه القدس والمقدسيين، فيجب أن تعمل بكل الوسائل النضالية والقانونية لوقف حملة التهويد المنظم للقدس، وعلى رأس تلك الإجراءات وقف التنسيق الأمني سيء الصيت، والذي يجعل منا وكلاء للاحتلال، وإطلاق يد المقاومة، فلنا مع مستوطنة عطروت تجربة، ففي عهد الراحل ياسر عرفات أصبحت عطروت بفضل المقاومة اسمها عش الغراب لأنه تم تفريغها ولم يبق إلا الغراب، أما في زمن التنسيق الأمني فهي مستوطنة تعج بالمستوطنين.