أحبطت الشرطة الماليزية مخططًا لشن هجوم على عدة أماكن داخل العاصمة الماليزية كوالالمبور، حيث اعتقلت 12 شخصًا مشتبهًا بهم بالتخطيط للهجمات، حيث ضبطت بحوزتهم أسلحة ومواد متفجرة، إذ شكت السلطات الماليزية بانتمائهم لتنظيم الدولة.
حيث صرح قائد الشرطة خالد أبو بكر، في بيان له قائلًا “إن من تم ضبطهم تتراوح أعمارهم بين 17 و41 عامًا، مضيفًا أنه تم اعتقالهم من ضاحيتي “أولو لانغات” و”شيراس” قرابة العاصمة كوالالمبور، إذ كانوا يخططون لهجمات على أهداف إستراتيجية ومصالح حكومية في أنحاء وادي كلانغ.
هذه ليست الأحداث الأولى التي تعتقل بها الشرطة الماليزية مجموعات تشك بانتمائها لتنظيم الدولة، فالشرطة تعلم جيدًا أن حكومتها باتت مستدفهة من قِبل عناصر تنظيم الدولة، وحذرت بشكل رسمي من محاولات تنظيم الدولة لتجنيد ماليزيين بين صفوفه، وذلك لشن عمليات منظمة تستهدف مواقع إستراتيجية، خاصة في العاصمة كوالالمبور.
وعلى إثر هذا التخوف من السلطات الماليزية، فقد اعتقلت الشرطة عددًا من المنتمين لأفكار التنظيم وعددًا آخر مشتبه به من قِبل الشرطة، تجاوز عددهم مائتي شخص، منذ بداية العام الجاري، في حملات واضحة على التنظيم وكل من يُحتمل أن يحمل أفكاره داخل ماليزيا.
هذا الأمر جعل التنظيم يضع ماليزيا في بنك أهدافه، ليكسر هذه العزلة التي تفرضها الدولة على عناصره، من خلال استهدافها بعدة عمليات عنيفة، تؤكد للحكومة تواجد التنظيم في أسيا بين عدة الدولة، لإقامة ما يسمى بالجهاد الأسيوي، فقد اختار التنظيم التوقيت بطريقة غير عشوائية؛ فالحديث عن تفجيرات ستقع في العاصمة كوالالمبور جاء بالتزامن مع بدء أعمال القمة 26 لمنظمة شعوب جنوب شرقي أسيا (أسيان)، المقامة في العاصمة كوالالمبور، والتي سبقها عدة حملات أمنية من قِبل الشرطة الماليزية لعدة بؤر يُشتبه في انتمائها لتنظيم الدولة، مع تشديد جانب الإجراءات الأمنية على السواحل الماليزية والمواقع الإستراتيجية، حتى لا تُستهدف من قِبل عناصر التنظيم في دول مجاورة.
داعش نقلت تكتيكات عملياتها إلى جنوب شرق أسيا وبالتحديد إلى ماليزيا عن طريق أفراد يحملون أفكار التنظيم، ويسعون لجر الدولة الماليزية إلى مواجهة، لمحاولة إحياء ما يسمى بالجهاد الأسيوي، فماليزيا في السابق كانت مقرًا للعديد من المشتبه بهم الكبار في تنظيمات مثل “الجماعة الإسلامية المرتبطة بتنظيم القاعدة” والتي مقرها جنوب شرق أسيا، ونسبت إليها تفجيرات “بالي” في عام 2002 والعديد من التفجيرات الأخرى، ومازال لديها بقايا في ماليزيا يُشتبه بمبايعتهم لداعش.
تحريات مكافحة الإرهاب الماليزية تؤكد وجود مجموعات مؤلفة جميعها من ماليزيين، كانت تعمل بهدف إقامة خلافة إسلامية متشددة في جنوب شرق أسيا على خطى داعش، وتشمل الخلافة في مقدمتها دول ماليزيا، إندونيسيا، تايلاند، الفيليبين، سنغافورة، حيث اعتزم بعضهم السفر إلى سوريا في الرقة مقر “تنظيم الدولة الإسلامية”، لوضع إستراتيجية تنسيقية بين التنظيم وأعضاء جنوب شرق أسيا، لفتح جبهة وإقامة ولايات تابعة للتنظيم في دول جنوب شرق أسيا.
وأما العناصر التي ضُبِطت في ماليزيا فقد انتوت الإعلان عن تواجد التنظيم من خلال التخطيط لتفجير عدة حانات وأماكن سياحية ومراقص ليلية ومصانع للخمور، حتى أعلن أيوب خان ميدين، نائب قائد قسم مكافحة الإرهاب في الشرطة الماليزية، بأنه جرى اعتقال 19 مسلحًا مشتبهًا بهم في الفترة من أبريل حتى يونيو، كانوا ضالعين في التخطيط لهذه الهجمات.
في نفس الصدد أعرب هشام الدين حسين، وزير الدفاع الماليزي، أن تهديدات تنظيم داعش بفتح جبهة له في البلاد تبدو “جدية”، حيث بدأ بالفعل زراعة أيديولوجيته على أساس المقاومة في المناطق المضطربة فى دول جنوب شرق أسيا، وأضاف فى تصريحات نقلتها وكالة أنباء برناما، الوكالة الماليزية الناطقة العربية، “إلى ضرورة تعزيز التعاون على وجه الخصوص والتنسيق بين وزراء دفاع دول جنوب شرق آسيا لمواجهة أخطار التنظيم.”
هذه التصريحات تؤكد أن السلطات في ماليزيا تنظر بقلق متزايد إلى توجه مئات الشبان من ماليزيا إلى سوريا والعراق تحت ذريعة العمل الإنساني، الذي في حقيقته سفر للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية، إلى جانب انتشار أفكار التنظيم بين إسلاميين في البلاد، وتؤكد ماليزيا أن هؤلاء مؤكد أنهم سيحملون لفتح جبهات للتنظيم في جنوب شرق آسيا.
أقرب نقطة داعشية من ماليزيا هي مجموعة “أبو سياف” الإسلامية في الفيليبين التي هددت بقطع رأس رهينة ألماني تحتجزه منذ وقت سابق هذا العام، حيث طالبت مجموعة أبو سياف بدفع فدية بالإضافة لتوقف ألمانيا عن دعمها للغارات الجوية على تنظيم الدولة في العراق والشام، إلا أن هذه المطالب قوبلت بالرفض من الحكومة الفلبينية .
تتخوف ماليزيا بشكل كبير من تكرار نموذج المجاهدين العائدين من أفغانستان، حيث تم شحنهم للانضمام إلى جهاد الروس في أفغانستان، وما إن انتهوا من ذلك حتى عادوا إلى جنوب شرق أسيا، ليأسسوا جيلًا من الجهاديين في المنطقة، مازالت تعاني دول جنوب شرق أسيا من آثاره حتى الآن.
في هذا السياق يقول جوزف شنيونغ ليو، المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية في جنوب شرق أسيا، إن تنظيم الدولة وعناصره في جنوب شرق أسيا يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي بشكل غير مسبوق من أجل بث رسائله وتجنيد أفراد جدد من المدارس الإسلامية في ماليزيا وغيرها من البلدان، وأضاف ليو، في مقابلة لوكالة فرانس برس، بالقول: “من الواضح أن تنظيم الدولة يعرف كيف يقوم بالدعاية للقتال من خلال مؤيدين منتشرين داخل مجموعات وشبكات إسلامية في المنطقة”.
وبالرغم من كل هذا الانتشار الذي بات يسجله التنظيم في الدول الأسيوية إلا أنه يبقى من المبكر الحديث عن قوة مؤثرة له على الأرض في هذه المناطق النائية والمحصنة أمنيًا إلى حد ما، فحتى الآن لا توجد دلائل تُذكر على التنسيق في العمليات سواء بين هذه المجموعات، أو بينها وبين القيادة المركزية للتنظيم في سوريا والعراق، ولكن المحاولات مازالت تجري لذلك.
وقد أولت السلطات الأمنية وأجهزتها أهمية لما يمكن أن يشكله وجود عناصر “تنظيم الدولة” من أخطار عليها ولو مستقبليًا، حتى وُصف هذا الاهتمام بالمبالغ فيه، فقد أعرب قادة أجهزة الأمن عن مواقفهم بهذا الشأن، بل وجرت مناورة عسكرية بهذا الصدد، تحضيرًا لمواجهة أي تسلل محتمل من قِبل داعش إلى البلاد، وذلك لمنع فتح أي جبهة حقيقية للتنظيم، كما يحاول التنظيم جاهدًأ أن يفعل في الفترات السابقة.