تتحدث جهات رسمية أردنية عن ما شكله تدفق اللاجئين السوريين من ضغوط متزايدة على ميزانية الحكومة ومواردها، فضلًا عن تأثر قطاعات الصحة والتعليم والبنية التحتية للبلاد، في المقابل؛ ترى مراكز أبحاث ودراسات مستقلة عدم تأثر ميزانية الحكومة سلبًا جرّاء اللجوء السوري، مؤكدة ازدياد مواردها الاقتصادية لثلاثة أضعاف ما كانت تحصل عليه قبل أزمة اللاجئين السوريين، من خلال منح وقروض ميسرة، فضلًا عن ما تجنيه الحكومة من الفرد السوري المقيم خارج المخيمات على شكل “ضرائب مقابل خدمات”.
نقدم في هذا التقرير صورة أكثر وضوحًا، للتداعيات الاقتصادية التي فرضها لجوء السوريين القسري على الأردن، من جانب اقتصادي في الدرجة الأولى، خلال أربعة أعوام مضت من عمر الثورة السورية ضد نظام الرئيس بشار الأسد، عبر رصد أهم ما نشر من دراسات مستقلة، وتصريحات رسمية، وتقارير إعلامية.
أعداد اللاجئين وأماكن إقامتهم
بحلول يناير 2015، تجاوز عدد اللاجئين السوريين المسجلين في الأردن 620 ألف لاجئًا، أي ما يعادل نحو 10% من تعداد سكان الأردن، وفيما يعيش زهاء 20% من هؤلاء اللاجئين في مخيمات مخصصة لهم، وجد الباقي مأوىً في المدن والمناطق الريفية في جميع أنحاء المملكة، وفي مقدمتها العاصمة عمَّان ومحافظتا إربد والمفرق اللاتي يستضفن أكثر من ثلاثة أرباع اللاجئين السوريين، بحسب منظمة العمل الدولية.
يوجد في الأردن خمسة مخيمات للسوريين، تضم في داخلها ما يزيد على 97 ألف لاجئًا، أكبرها مخيم الزعتري الذي يوجد بداخله قرابة 83 ألف لاجئًا، والبقية يتوزعون على المخيم الإماراتي الأردني (مريجب الفهود)، مخيم الأزرق (مخيزن الغربي)، مخيم الحديقة، ومخيم (سايبر سيتي) المخصص للاجئين الفلسطينيين المقيمين في سوريا قبل الثورة.
وقد حددت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأردن ثلاثة مراكز لتسجيل اللاجئين السوريين في عمان وإربد ومخيم الزعتري، وتقوم هذه المراكز بالإشراف على منح بطاقة اللاجئ؛ التي تخوله الاستفادة من خدمات المفوضية، وتتكفل بتقديم الحماية المدنية والحقوقية له في البلد الذي لجأ إليه، ودون أي تعرض للمساءلة القانونية إلا في حالات قيامه بأعمال تتعارض مع التعلميات والأنظمة المعمول بها داخل البلد المضيف.
الجانب الاجتماعي ومصادر الدخل
نشرت شركة إبسوس للدراسات والأبحاث في أواخر فبراير الفائت أول دراسة شاملة تتعلق بحياة وسلوكيات اللاجئين السوريين في الأردن، مركزة على من يقيمون خارج المخيمات، الذين بلغ عددهم 1.3 مليون لاجيء مشكلين نسبة 93% من السوريين المقيمين في الأردن، وذلك طبقًا لأرقام وزارة الداخلية.
وغطت الدراسة جميع جوانب حياتهم، بحيث شملت فهمًا كاملًا للأبعاد الديموغرافية والوضع الاجتماعي – الاقتصادي، بالإضافة إلى الأمور الصحية والحياتية، وتعمقت الدراسة لتقوم بالكشف عن السلوكيات الشرائية لهذه الشريحة، ووسائل الإعلام المفضلة لديهم، واستخدام الهاتف المتنقل والإنترنت، بجانب أسلوب حياتهم بشكل عام، ولكونها أول دراسة من نوعها تجرى في الأردن فإنها تسعى لتقديم فهم أفضل لهذه الشريحة السكانية الهامة والكبيرة بحجمها وتأثيرها في العديد من القطاعات.
وقد أظهرت النتائج أن العائلة السورية تتكون في المعدل من 6 أفراد وهو ما يفوق معدل حجم العائلة الأردنية (5.4 فرد في المعدل)، كما أن الأفراد الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا يشكلون نسبة 46% من السوريين.
وفيما يتعلق بالجانب المالي فإن 90% من الأسر السورية تعتمد على المعونات الخارجية في تغطية احتياجاتها اليومية، وتؤكد الدراسة على أن 40% منهم لا يملكون أي مصدر آخر للدخل ويعتمدون تمامًا على الدعم الذي تقدمة المنظمات غير الحكومية؛ حيث يبلغ الدخل الشهري للعديد من تلك الأسر أقل من 200 دينار شهريًا على مستوى العائلة، كما أن 7 من بين 10 أشخاص ممن هم في سن العمل لا يعملون، والغالبية العظمى من العاملين يعملون بشكل مؤقت وهم بذلك يفتقرون للاستقرار الوظيفي، والأكثر من ذلك، فإن أكثر من 4 من بين كل 10 سوريين ممن هم في سنّ التعليم لا يذهبون إلى المدارس.
وخلال ورشة حملت عنوان “دور الإعلام وأزمات اللجوء والهجرات القسرية”، عُقِدت بالتعاون بين وزارة الداخلية ومفوضية شؤون اللاجئين، أوضح مدير مديرية شؤون اللاجئين السوريين العميد وضاح الحمود، أن نسبة الإناث من أعداد اللاجئين السوريين في الأردن تبلغ 51%، كما أن نحو 52% من اللاجئين هم دون سن الثامنة عشرة.
مساعدات غير حكومية
تشير بعض الدراسات المستقلة إلى أن كلفة استضافة الفرد اللاجئ تبلغ حوالي 2500 دينار سنويًا، تتحمل الأمم المتحدة والدول المانحة الجزء الأكبر منها، وقد ساهمت “المفوضية السامية لشؤون اللاجئين” و”برنامج الأغذية العالمي” بشكل ملموس في تخفيف الأعباء الاقتصادية على الجهات الرسمية، وكذلك اعتنت مؤسسات وجمعيات خيرية غير حكومية بشؤون اللاجئين السوريين، وكان في مقدمتها جمعية عيد القطرية التي قدمت برامج تغذية ورعاية، فضلًا عن إقامتها لآلاف الكرفانات لعائلات اللاجئين في مخيم الزعتري.
وقد أطلق برنامج الأغذية العالمي مؤخرًا نداءً لتوفير 33.4 مليون دولارًا أميركيًا لتلبية الحاجات الغذائية للاجئين السوريين في الأردن للفترة من مارس – مايو من العام الحالي، وقالت الناطقة باسم البرنامج في الأردن شذى المغربي لوكالة الأنباء الأردنية، إن “البرنامج يساعد 530 ألف لاجئًا سوريًا في الأردن من خلال المساعدات الغذائية ويخطط للوصول إلى ما يقارب 600 ألف لاجيء بحلول نهاية عام 2015.
وأوضحت أن البرنامج يقدم المساعدات الغذائية للاجئين من خلال برنامج القسائم الإلكترونية المبتكر، والذي يضمن أن يتلقى اللاجئون المساعدات الغذائية التي تلبي حاجاتهم الغذائية، فضلًا عن إسهامه في تعزيز الاقتصاد الأردني وتجارة التجزئة الأردنية المحلية بشكل خاص، مشيرة إلى إنشاء البرنامج لاثنين من محلات السوبر ماركت المتكاملة في مخيمي الزعتري والأزرق، حيث يمكن للاجئين استبدال القسائم.
وأضافت، يوفر البرنامج ألواح التمر المدعم بالفيتامينات والمعادن الأساسية لحوالي 16 ألف طالب شهريًا في مدارس مخيمي الزعتري والأزرق؛ لتحفيز أولياء الأمور على تسجيل أبنائهم في المدرسة ومساعدة الطلاب في التركيز، إضافة إلى توزيع 300 ألف قطعة من الخبز الطازج صباح كل يوم للاجئين في مخيمي الزعتري والأزرق.
ومن أجل تعزيز الشعور بالتمكين لدى اللاجئين، أشارت المغربي إلى أن انتقال البرنامج من القسائم الورقية إلى القسائم الإلكترونية (مثل البطاقة الائتمانية المدفوعة مسبقًا) مع تحميل القسائم الإلكترونية تلقائيًا بشكل شهري من قبل شريك البرنامج البنك الأهلي الأردني، ساهم في مساعدتهم بالإحساس بالحياة الطبيعية والكرامة، مبينة أن نجاح البرنامج في الأردن أهلّه ليصبح نموذجًا إقليميًا في الدول المحيطة.
الحكومة: تداعيات سلبية للجوء
بذريعة تراكم الأعباء المالية، أوقفت الحكومة الأردنية العلاج الصحي المجاني للاجئين السوريين في 11 ديسمبر 2014 في ظل عدم كفاية المساعدات الدولية، بعد أن بلغت فاتورة العلاج المجانية للسوريين نحو 253 مليون دينارًا لعام 2014، بحسب مدير مديرية شؤون اللاجئين السوريين في الأردن، العميد وضاح الحمود، ونوّه الحمود إلى حجم التداعيات الأمنية التي تفرضها أزمة اللجوء، مبينًا أن عمّان بما فيها من زخم سكاني لا تشهد حالات إسعاف وطواريء كما يشهده مخيم الزعتري وحده، الذي يشهد شهريًا نحو 3000 طلعة لسيارات الدفاع المدني.
وحول أثر أزمة اللاجئين على التعليم، قال الحمود إن “وزارة التربية اضطرت إلى عمل نحو 100 مدرسة على نظام الفترتين لاستيعاب الطلبة السوريين، في حين أن الوزارة بحاجة في الأصل إلى 72 مدرسةً للطلبة الأردنيين للعام الدراسي 2015، قائلًا: “أعداد الطلبة السوريين في الأردن تقدر بـ 130 ألفًا”.
من جانبه، قال وزير التخطيط والتعاون الدولي إبراهيم سيف، خلال مؤتمر صحفي في الرابع من ديسمبر2013، إن “المملكة تحتاج نحو 2.9 مليار دولار لتغطية خطة الاستجابة للأزمة السورية خلال عام 2014 “، وناشد سيف المجتمع الدولي لتوفير المزيد من المساعدات المالية اللازمة لتمكين الحكومة من القيام بدورها الإنساني، لافتًا إلى أن هذا المبلغ سيشمل إقامة مشاريع وبرامج تنموية في قطاعات التعليم، الطاقة البيئة، الصحة، العدل، السكن، المياه، النقل، والحماية الاجتماعية.
وفي كلمة لوزير الداخلية حسين المجالي في ورشة “دور الإعلام وأزمات اللجوء والهجرات القسرية” قال “إن مستوى الدعم الدولي للأردن في أزمة اللجوء السوري لم يتجاوز نسبة 30% من الكلفة الحقيقية لاستضافة اللاجئين”، مؤكدًا أهمية إجراء حوارات متعددة الأطراف ومناقشة أعباء اللجوء بكافة أبعاده وتأثيره على الأمن الوطني والسلم الاجتماعي.
تحقيق “حوكمة”: الحكومة تتناقض
في تحقيق صحفي نُشر في أبريل الجاري من إعداد فريق مشروع “حوكمة”، وهو برنامج إعلامي استقصائي أطلقته مؤسسة “طومسون رويترز” في الأردن بالشراكة مع شبكة “أريج” إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية.
ذكر التحقيق بأنه “رغم الأعباء الاقتصادية والأمنية التي فرضها تدفق مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى عدد من محافظات الأردن، إلا أن تداعيات الأزمة لا تقتصر على الجوانب السلبية، إذ إن قطاعات واسعة من الاقتصاد الوطني استفادت بشكل مباشر أو غير مباشر من تزايد الطلب على السلع والخدمات التجارية، فضلًا عن تدفق المساعدات الخارجية من الدول المانحة في شكل غير مسبوق”.
وبحسب رئيس غرفة تجارة المفرق عبدالله الشديفات، شهدت محافظة إربد حركة تجارية نشطة منذ الربع الأول من عام 2011، حيث فتحت العديد من المحلات التجارية وزاد الطلب على السكن، والشراء لمختلف السلع الأساسية؛ لوجود اللاجئين داخل التجمعات السكانية، لافتًا إلى أن محافظة المفرق أصبحت من المحافظات الأكثر نشاطًا في حركة البيع والشراء لوجود أكثر من 170 ألف لاجئًا سوريًا يسكنون فيها.
وبيّن شديفات أن هناك تجارًا سوريين سجلوا في غرفة تجارة المفرق؛ مما رفع من معدلات إيجارات المحلات التجارية في المنطقة، وعاد بالفائدة على المواطنين أصحاب المحلات في المفرق، وقد بلغ عدد المحلات التي سجلت في المفرق 160 محلًا تجاريًا جديدًا يعود لسوريين يمارسون مختلف المهن.
وأظهرت إحصاءات رسمية أن السوريين حصدوا المرتبة الثالثة في بيوعات عام 2012 بشراء العقارات والأراضي في الأردن بـ 19.6 مليون دينار، فيما حصدوا المرتبة الرابعة خلال الأشهر الـ 7 الأولى من العام 2013، بحجم مشتريات للعقارات والأراضي بلغ 13.6 مليون دينار.
ووصف التحقيق تصريحات وزﯾر اﻟداﺧﻠﯾﺔ الأردني ﺣﺳﯾن اﻟﻣﺟﺎﻟﻲ بـ “التناقض” مع المعلومات المتوافرة لدى فريق العمل الصحفي الاستقصائي، وكان المجالي قد قال إن “ﻧﺣو 600 أﻟف ﺳوري ﯾﻌﯾﺷون ﻓﻲ اﻷردن ﻋﻠﻰ ﺣﺳﺎب اﻟدوﻟﺔ واﻟﻣواطن” مشيرًا إلى أن ﻣﺎ ﯾﺗﻠﻘﺎه اﻷردن ﻣن ﻣﺳﺎﻋدات ﻓﻲ أزﻣﺔ اﻟﻼﺟﺋﯾن اﻟﺳورﯾﯾن “ﻻ ﯾﺗﺟﺎوز 30% ﻣن اﻟﻛﻠﻔﺔ اﻟﺗﻲ ﺗرﺗﺑت ﻋﻠﻰ اﺳﺗﻘﺑﺎﻟﮭم ﻋﻠﻰ الأرضي اﻷردﻧﯾﺔ”.
واستعرض تحقيق حوكمة إجمالي المساعدات الدولية المقدمة للحكومة الأردنية، بحسب إحصاءات رسمية، مؤكدًا على أن حجم المساعدات، من منح وقروض ميسرة، التي حصلت عليها المملكة خلال الأعوام 2011: 2013 تبلغ 6.9 مليار دينار، وهو ما يوازي ثلاثة أضعاف ما كانت تحصل عليه المملكة قبل أزمة اللاجئين السوريين.
وبلغت المساعدات لعام 2011 حوالي 733.3 مليون دينار، لتشهد ارتفاعًا بنسبة 316%، حيث وصلت إلى مستوى 3.05 مليار دينار في 2012، كما ارتفعت خلال 2013 لتسجل أعلى مستوى مساعدات حصلت عليه الأردن، بلغ حجمها 3.2 مليار دينار.
وفي التفاصيل تبلغ قيمة المنح الملتزم بها خلال العام 2013 حوالي 2.1 مليار دولار، حيث تم التوقيع حتى منتصف أيلول على منح بـ 1.5 مليار دينار، منها 1.3 مليار دينار من مخصصات الكويت والسعودية، وتوزعت هذه المنح لتنفيذ مشاريع في قطاعات الطاقة، قطاع الاستثمار، الصناعة، التجارة، النقل، التعليم والتعليم العالي، صحة، طرق، مياه وصرف صحي.
وتبلغ قيمة القروض الميسرة الملتزم بها من الجهات والدول المانحة للعام 2013 سواء كانت موجهة لتمويل مشاريع تنموية أو موجهة كدعم للخزينة ما مجموعه حوالي مليار دولار، وتم التوقيع ولغاية تاريخه على اتفاقيات بما مجموعه حوالي 347 مليون دولارًا، توزعت هذه القروض الميسرة على قطاعات دعم الموازنة، الطاقة، المشاريع المتوسطة والصغيرة، والمياه.
أما المنح خلال عام 2012 فبلغت 2.1 مليار دينار في 2012 مقابل 704.9 مليون دينار في 2011، فيما بلغ حجم القروض في 2012 حوالي 942.3 مليار دينار مقابل 28.3 مليار دينار في 2011.
وتكشف أرقام وزارة التخطيط والتعاون الدولي أن حجم المساعدات التي تلقاها الأردن خلال 13 عامًا بلغت 16.4 مليار دولارًا، منها 11.2 مليار دولار منح، ونحو 5 مليار دولار قروض ميسرة.
من جانبه، دعا مؤسس مجموعة المرشدين العرب جواد عباسي، في مقاله “دراسات الأثر الاقتصادي للجوء الأشقاء السوريين إلى الأردن”، إلى الموضوعية والمنهجية العلمية الواضحة “لتعظيم الإيجابيات والتفكير بحلول للتخفيف من السلبيات، بعيدًا عن التهويل والتضخيم”.
وأوضح عباسي أن هذه الدراسات “يجب أن تفصل الكُلف والعوائد والإيجابيات والسلبيات ومن يتحملها، فمثلًا ارتفاع الإيجارات يؤثر سلبًا على المستأجرين الأردنيين؛ ولكنه يؤثر إيجابًا على دخل الحكومة، وازدحام المستشفيات والمدارس يتحمله أساسًا المواطن الأردني وليس خزينة الدولة، وزيادة عدد السكان والسيارات يعني تحصيلًا ضريبيًا أكثر من ضرائب المبيعات والمحروقات”.
المصدر: شبكة أردن الإخبارية