مساء السبت 18 من أبريل غرقت مركب في البحر الأبيض المتوسط قبالة السواحل الليبية، كانت المركب تقل أكثر من 700 مهاجرًا غير شرعي، تم إنقاذ 30 منهم فقط، ولكبر حجم هذه الكارثة الإنسانية؛ دعا رئيس فرنسا فرانسوا أولاند وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي للاجتماع في لكسمبيرج، في محاولة منهم لحماية المهاجرين في البحر.
إن هذه الكارثة المتسببة في موت 700 مهاجرًا، قد تزايدت وارتفعت وتيرتها في السنوات الأخيرة وعلى وجه الخصوص بعد تزايد السحل والقتل في سوريا والعراق وليبيا، واختلاط الأوراق في اليمن، ناهيك عن الوضع السيء المتردي في القرن الأفريقي في كل من الصومال وإريتيريا والمناطق النائية من إثيوبيا، إنك في حاجة لمراجعة ملفات الأمم المتحدة لأخذ عدد اللاجئين والفارين من الأوضاع المتردية السيئة والمقيتة في معسكرات اللجوء في كل من العراق وسوريا ولبنان والأردن، يأتي الشتاء ويروح ويأتي الصيف وينقضي، وكل هذه المعسكرات تعاني ما تعاني، وقد فشلت الأمم المتحدة في الإيواء بصورة إنسانية تحترم الرجال والنساء والأطفال، ولا نسمع في بلداننا سوى نداءات خجولة لجمع البطاطين في الشتاء أو توفير الطعام، وفي نفس الوقت تنادي لبنان والأردن أن هلموا أيتها الدول المانحة لمساعدتنا في تقديم يد العون لهولاء المنكوبين، ولا حياة لمن تنادي.
ومن يستطيع من اللاجئين أن يفر من هذه المعسكرات يجد السماسرة ليضع بين أيدهم كل ما يملك، ليلحق بمن استطاع الوصول إلى ألمانيا أو أي دولة أوروبية أخرى، ونسبة المحظوظين قليلة جدًا، وهي فردية، ولا جهد حكومي أو أممي أو خيري لمساعدتهم، وهم أعدادهم تساوي تعداد دولة كاملة أو أكثر، وغير هؤلاء الذين تعرضوا للمآسي بخروجهم من أوطانهم وبيوتهم وأهلهم وجيرانهم، فهاموا على وجوههم، ليجدوا أنفسهم في حياة الخيام والمعاناة.
إننا الآن نتنفس هواء الحزن والأسف، تخيل حالك وبعد دفء البيوت والأهل والأبناء والأزواج والزوجات والجيران، تجد نفسك في حياة الخيام وقد ضاعت عليك الخصوصية والحياة الآمنة بكل مشاعرها، إنها بحق مأساة القرن الحادي والعشرين وإنها الألم العميق، وأكبرها حزنًا أن تضع المستقبل أمام عينيك برغم الصور السيئة في منطقتنا العربية، وإذا بك في مركب يغرق وتغرق معه كل آمالك وطموحاتك وتفاؤلك في غدٍ جميل.
إننا ونحن نكتب نشعر بمدى معاناة هؤلاء وأن الجهد لإنقاذ أهل المخيمات لهو جهد كبير وعظيم لا تكفيه الأمم المتحدة، وإنما نداء عاجل لكل أصحاب القلوب الرحيمة والحية أن تنادوا إلى وقفة رجل واحد، يحض على طعام المسكين، ويحض على إيواء المشردين، ما أكثرهم، وإن كنا نشاهد ولا ننفعل بهذه المآسي، فإننا بحق أصحاب قلوب متحجرة ودماء جامدة.
إن الرئيس الفرنسي أولاند وهو ينادي وزراء خارجية وداخلية الاتحاد الأوروبي أن هلموا لمناقشة هذه المأساة، يضف إلى كلامه جملة صارت مفردة لدي الجميع “إن الذين يساعدون المهاجرين هم أهل الإرهاب”، إن أولاند ومن معه من قياصرة الاقتصاد في الزمن الحالي هم المشاركون الحقيقيون في غرق سفن المهاجرين وغرق أوطان المقيمين في بلدانهم، إن اقتصاد تجارة الغاز والغاز الصخري والأعمال الضخمة في اليورانيوم في كل من النيجر ومالي وغيرهما، هل تعمل مثل هذه الاقتصاديات الضخمة لفرنسا مع المجموعات الضمنية المستغلة لثروات البلاد دون أن تعمل على تنمية هذه البلدان وإقامة حياة كريمة لرجالها ونسائها.
إن الارهاب في الوقت الحالي يأخذ شكلان؛ الشكل الأول وهو الشيء المعروف بالقتل والسحل والدمار، ثم الإرهاب الأسوأ وهو إرهاب الاقتصاد المستنزف لثروات البلاد وامتصاصها وإبقاء أهلها في فقر وهلاك.
كان الاستعمار فيما مضى يأتي إلى البلدان ويستخرج خيراتها ويشارك أهلها الثروة ويقيم المشاريع الضخمة؛ ففي السودان نجد أن المستعمر البريطاني قد أقام بنية تحتية كبيرة متمثلة في خطوط السكة الحديد، وإقامة مشروع الجزيرة، كانت فائدة عظمى لأهل البلد، واليوم فرنسا ومن شاكلها من المستعمرين الجدد نجد أنهم يمتصون خيرات البلاد عبر الوكلاء وهم حكومات تسمي أنفسها وطنية؛ فتعود الفائدة على الأمريكي والأوروبي واليهودي، ويُلقى الفتات للشعب، فيتسبب ذلك في الأعداد الكبيرة من المهاجرين الذين يتعرضون للذل والموت، ومن يصل إلى هدفه من رجال ونساء قلة، أما دعم الأمم المتحدة وما يصلها من عون من الحكومات يضيع بين أيدي السماسرة وتماسيح الدول وغربانها.
إن مؤتمر مصر الاقتصادي والذي وصلت أحجام مساعداتها إلى أكثر من مئة مليار دولار أمريكي يدلك على أن هنالك خلل وهناك سوء يشارك فيه رجال أعمال ورؤساء وشركات، وفي مقدور شركة أو شركتين إيواء آلاف الشباب رجال ونساء وتمنع عنهم التشرد والتعرض للموت عبر الهجرة غير الشرعية، إن هنالك كثرة من البشر بقيت في أوطانها اليوم تمضغ الصب وتلتحف السماء وغيرهم ينعمون بالثراء والهناء.
إن الثورات القادمة هي ثورات الفقراء حين يضج بهم الضنك والجوع؛ فسوف يعلم هؤلاء المخمليون أصحاب الثروات الضخمة من نافذين في الحكومات والشركات ورجال أعمال أن الهجمة الشرسة سوف تقضي عليهم.
ورحمة الله على المهاجرين، والجميع في أوطاننا مهاجر وعلى مركب لا يعلم متى تغرق به، اللهم فاشهد.