قاد الإعلان الشهر الماضي حول الوصول إلى اتفاق مبدئي بين الولايات المتحدة وإيران، البعض إلى الاعتقاد بأن طهران سوف تدخل في النظام الدولي كطرف مسؤول، ولكن هذا التفاؤل يتجاهل حقيقة أن الحكومة الإيرانية الحالية لاتزال تحمل بصمة تاريخها الإمبراطوري الطويل، والطموحات الإقليمية الفارسية.
إن إيران قوة ثورية لديها طموح الهيمنة، وبعبارة أخرى، هي دولة تسعى إلى فرض هيمنتها في المنطقة ولن تلعب وفقًا للقواعد، ورغم هذا، تأمل إدارة أوباما بأن الاتفاق النووي سوف يقنع إيران بالتخلي عن طموحاتها الإمبراطورية.
وقد اختبر العالم في الماضي تجربة العيش مع قوى الهيمنة، وكان لدى كل من روسيا، وفرنسا، وألمانيا، واليابان، وبريطانيا، تطلعات مماثلة قبل الحرب العالمية الأولى، وكانت مثل هذه القوى هي من دفعت العالم إلى الحرب في عام 1914، ومرة أخرى في عام 1939.
وسعت ألمانيا النازية إلى السيطرة على أوروبا من المحيط الأطلسي إلى نهر الفولغا، وتحويل الدول الأخرى إلى مجرد دول تابعة، وإنشاء سيطرة عسكرية واقتصادية ودبلوماسية كاملة.
وفي أعقاب الخراب والفوضى الناتجة، أنشأ نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية بقيادة الولايات المتحدة، قواعد للمجتمع الدولي تسعى للحفاظ على هذه القوى تحت المراقبة، وحتى اليوم، تعترف الدول ذات النزعات التوسعية، مثل الصين، بشرعية هذا النظام الدولي، إلا أن إيران في المقابل تحدت هذا النظام الدولي، وتواصل توسيع نطاق نفوذها، وهي تستخدم مجموعة متنوعة من الإرهاب، والوكلاء العسكريين، والدبلوماسية قديمة الطراز أحيانًا، لمواصلة هيمنتها.
ورغم أنه يشار إلى الثورة الإسلامية لعام 1979، التي قادها آية الله روح الله الخميني، غالبًا باعتبارها بداية التوجه الإمبراطوري لإيران، إلى أن طموحات الهيمنة الإيرانية تعود في الواقع إلى عهد الأسرة الصفوية في القرن الـ 16، لقد سعى الصفويون إلى النأي بأنفسهم عن الإمبراطورية العثمانية السنية القوية، وقاموا بتشكيل إيران كقوة شيعية بارزة، وأصبحت إيران دولة شيعية رسميًا في عام 1502، وفي القرون التي تلت ذلك، وسعت إيران من سيطرتها على أفغانستان، والخليج، والعراق، وجنوب القوقاز.
وأوقفت إيران توسعها في القرن الـ 18، حيث انخفضت قوتها نتيجة الحروب المنهكة ضد العثمانيين والروس، وخلال الحرب الباردة، استفاد الشاه من الدعم الأمريكي في تعزيز القوة الإمبريالية الإيرانية مرة أخرى، ووسع الشاه من الدعم المالي والعسكري للمجتمعات الشيعية والوكلاء في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وفي وقت مبكر من السبعينيات، على سبيل المثال، دعمت إيران أكراد العراق لإقامة منطقة نفوذهم في العراق الذي كان يحكمه صدام حسين.
وبالمثل، أصدر السيد موسى الصدر، وهو رجل الدين الإيراني المدعوم من قِبل الشاه، في عام 1975، فتوى يعلن فيها أن العلويين السوريين شيعة، وهو ما كان له تداعيات خطيرة على حرب اليوم في سوريا، وفي عام 1979، أنشأ قادة الثورة المناهضون للولايات المتحدة دولة إسلامية متشددة، وبعد الحرب الدامية بين إيران والعراق في الثمانينيات، أدركت الجمهورية الإسلامية أن العقيدة العسكرية التقليدية لم تعد تكفي.
ولتحقيق مبدأ طهران في “تصدير الثورة” إلى الدول الإسلامية المجاورة، وضع آية الله علي خامنئي وقوات الحرس الثوري الإسلامي تكتيكات الحرب غير المتكافئة التي تهدف إلى بناء النفوذ الإيراني من خلال التحالفات الطائفية والسياسية.
ومن خلال القيام بذلك، تصرفت إيران في كثير من الأحيان بمثابة الوصي على الطائفة الشيعية في أماكن أخرى، مثل البحرين واليمن، وأنشأت إيران أيضًا شبكة من الميليشيات الشيعية، مثل حزب الله في لبنان، الحوثيين في اليمن، وفيلق بدر في العراق، وغيرها، وبالمثل، تسيطر إيران على المؤسسة الدينية الشيعية وشبكاتها المالية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
ولم تكتف إيران بالسياسة الطائفية فقط، بل وصادقت أيضًا جهات سنية متحاربة في منطقة الشرق الأوسط لتعزيز مكانتها الإقليمية، وتحقيقًا لهذه الغاية، صنعت طهران علاقات قوية مع حماس والجهاد الإسلامي في غزة، واخترقت السودان السنية، مستخدمة إياها كممر لنقل الأسلحة إلى غزة.
ولا تهتم إيران بالمسلمين أو حتى الشيعة في بعض الأحيان، وفي جنوب القوقاز، على سبيل المثال، تحالفت إيران مع أرمينيا المسيحية ضد أذربيجان ذات الأغلبية الشيعية والمؤيدة للولايات المتحدة، وفي نهاية المطاف، ليس الدين، بل الطموح الإمبراطوري، هو ما يحرك السياسة الخارجية الإيرانية.
ولا يوفر التاريخ سوى أمثلة قليلة على جلب مثل هذه القوى إلى النظام الدولي، وتجمع قوى الهيمنة الثورية بين شهوة الإمبريالية لـ “المجال الحيوي”، والنظرة الدينية التي ترفض مبادئ النظام الدولي التقليدي.
وفي فبراير 2013، وصف آية الله خامنئي، وهو المرشد الأعلى الإيراني وصانع القرار النهائي في مجالات السياسة الخارجية والعسكرية، المفاوضات مع الغرب بالخدعة المضللة، مضيفًا بفخر: “أنا لست دبلوماسيًا، أنا ثوري”. وسوف يلقي آية الله خامنئي باللوم على روحاني في حال فشل المفاوضات أو تحركها في اتجاه لا يعجبه.
إن طموحات إيران الإمبراطورية ليست بجديدة، وتنافست طهران من أجل الحصول على الهيمنة الإقليمية تحت حكم الصفويين، والشاه، والملالي على حد سواء، ولا يجب أن نتوقع أن إيران سوف تتنازل عن مبادئها في أي وقت قريب.
المصدر: نيويورك تايمز – ترجمة: التقرير