اندلعت اشتباكات عنيفة بين الشرطة ومتظاهرين أمريكيين في بالتيمور، أكبر مدن ولاية ميريلاند الأمريكية، بعد ساعات فقط من وفاة شاب أمريكي أسود، جراء إصابته في العمود الفقري أثناء احتجازه في قسم الشرطة بالمدينة.
لكن ما الذي حدث تحديًدا؟ ولماذا يغضب الأمريكيون السود إلى هذا الحد؟
في 19 من أبريل الجاري توفي فريدي جراي، الشاب الأسود البالغ من العمر 25 عامًا جراء إصابة بالعمود الفقري، بعد أسبوع فقط من نقله إلى المستشفى أثناء احتجازه من قِبل الشرطة، لم يكشف المحققون بعد عن أسباب إصابة جراي، وما إذا كانت الشرطة بالفعل قد تسببت في تلك الإصابة.
طبقًا لما قاله نائب رئيس شرطة بالتيمور، جيري رودريجز، في مؤتمر صحفي عقده في 20 أبريل، فإن جراي كان يحاول الهرب من الشرطة في منطقة معروفة بتجارة المخدرات، يظهر فيديو اعتقال جراي والذي تم تسريبه أن فريدي الذي يظهر متألمًا بشدة، تم نقله إلى سيارة الشرطة، لم يبد في الفيديو أن الشرطة تستخدم العنف، لكن الفيديو بدأ تسجيله بعد أن قبض الجنود على جراي بالفعل.
أحد من قاموا بتصوير الفيديو، ويُدعى كيفن مور، أكد أن الشرطة قامت بطي جراي كما لو كان ورقة “أوريجامي”، ووضع شرطي ركبته على رقبة الضحية، الذي كان يصرخ من أجل البقاء، ويؤكد مور أن جراي لم يكن يستطيع التنفس، وأنه كان بحاجة إلى تنفس صناعي بسبب إصابته بالربو، وهو ما لم يحدث.
داخل سيارة الشرطة، يقول الصحفيان من بالتيمور، جاستن فينتون وجيسيكا أندرسون، احتاج جراي لرعاية طبية عاجلة، ونُقل في وقت لاحق إلى المستشفى، إلا أن سيارة الشرطة توقفت على الأقل مرتين قبل أن تقوم بنقله؛ الأولى لكي يقوم الشرطيون بتقييد قدميه، والثانية لإحضار سجين آخر تم فصله عن جراي بحاجز معدني في مؤخرة سيارة الشرطة، حاول جراي كثيرًا الاستغاثة، وطلب المساعدة الطبية لكي يستطيع التنفس، لكن الشرطة قامت بتجاهله، هذا الأمر اعترف به رئيس شرطة المدينة في مؤتمره الصحفي.
عدم الوضوح لا يتعلق فقط بكيفية إصابة جراي، لكن بسبب اعتقاله أيضًا! فالأجوبة التي يرد بها المسؤولون في المدينة على أسباب اعتقال الشاب لا تبدو مقنعة على الإطلاق.
جزء آخر من خصوصية بالتيمور، وازدياد حنق المواطنين السود هو ما أوردته الصحافة المحلية في سبتمبر 2014، من أن المدينة قامت بدفع أكثر من 5.7 مليون دولار في سبيل الدفاع عن الشرطة في قضايا تم اتهام الضباط فيها بضرب محتجزين، الشرطة لم تعترف بخطئها في تلك الحوادث.
تصاعدت التظاهرات في بالتيمور منذ وفاة جراي، في الخامس والعشرين من أبريل، وبعد ساعات من التظاهرات الكبيرة والسلمية، بدأ عدد من المتظاهرين في تحطيم السيارات وواجهات المحال التجارية، واندلعت أعمال الشغب والعنف يوم 27 أبريل، بعد جنازة جراي، عندما بدأ المتظاهرون في إلقاء الحجارة وأشياء أخرى باتجاه الشرطة، فيما ردت القوات باستخدام الغاز المسيل للدموع.
في السابع والعشرين، قامت الشرطة بإصدار بيان نعي لجراي، أرسلته إلى الكنيسة أثناء جنازته التي حضرها الآلاف، حيث سجي جسد الشاب بلا غطاء وحوله الورود، مع صورة له على وسادة بجوار النعش وكلمات تقول “السلام عليكم جميعًا” Peace Y’all.
لكن يبدو أن محاولة الشرطة لتخفيف الاحتقان لم تفلح، فقد بدأ المتظاهرون في حرق السيارات وإلقاء الحجارة والزجاجات الفارغة تجاه الشرطة ما تسبب في جرح 15 شرطيًا على الأقل، قامت الشرطة بالرد باستخدام الغاز ومسحوق الفلفل، كما اعتقلت أكثر من 27 شخصًا، ولاحقًا أعلنت الشرطة أنها ستنشر 500 شرطي في المدينة، كما أنها قد تطلب دعمًا ربما يصل إلى 5000 شرطي من الولايات المجاورة، لكن عنف الشرطة تجاوز المتظاهرين ليصل إلى الصحفيين، فقد قام الجنود باعتقال صحفيين أفرجت عنهما لاحقًا.
هذه التغريدة تظهر عملية اعتقال مصور وكالة رويترز، في حين يحاول الشخص الذي يقوم بتسجيل الفيديو إقناع الجنود بأن من يعتقلونه مصوّر صحفي.
Yesterday, the police assaulted a photographer. Now, this is violence. Baltimore. #FreddieGray https://t.co/JKPlyMTTzz
— deray (@deray) April 26, 2015
ومع ازدياد حدة التوتر، قامت عمدة المدينة ستيفاني رولينج بليك بفرض حظر تجول على مستوى المدينة في العاشرة مساءً ولمدة أسبوع على الأقل، بداية من الثامن والعشرين من أبريل.
تقول الشرطة في بالتيمور إنها تجري تحقيقًا تفصيليًا بشأن ما حدث، وإن كل الأدلة سيتم إرسالها إلي المدعي العام في المدينة، مارلين موزبي، كما قامت وزارة العدل الأمريكية بفتح تحقيق خاص بها منذ الحادي والعشرين من أبريل طبقًا لما أوردته أسوشيتد برس.
المشكلة امتدت من الشرطة إلى قطاعات مجتمعية أخرى، فقد صرح مسؤولون نقابيون أن المظاهرات تشبه أعمال العصابات التي تخطف وتقتل، وهو ما أثار ردة فعل غاضبة لدى العديدين، وظهر ذلك على تويتر أيضًا.
Which one is the #LynchMob again? pic.twitter.com/DpDfxBbf19
— J. Ealy (@whynotyou21244) April 23, 2015
وطبقا لإحصاءات نشرتها مواقع عدة، فإن احتمالية أن تطلق الشرطة النار وأن تقتل شابًا أسودًا تفوق بـ21 الاحتمالية بإطلاق النار وقتل شابًا أبيضًا بين 2010 و2012.
وخلال العام الماضي اهتزت الولايات المتحدة عدة مرات في جرائم قتل ارتكبتها الشرطة بحق مواطنيها، مثال ذلك حادثة إطلاق النار على والتر سكوت، في كارولينا الجنوبية، كما أن حادثة مقتل البالغ من العمر 18 عامًا، مايكل براون، والتي أثارت أحداث شغب كبرى في فيرغسون بولاية ميزوري لاتزال حاضرة، وفي أوهايو قتلت الشرطة الشاب جون كراوفورد، والبالغ 22 عامًا، والطفل تامير رايس البالغ 12 عامًا، بعد أن اعتقدت أن ألعابًا يحملونها هي أسلحة حقيقية، وفي نيويورك قتل ضابط الشرطة دانيل بانتاليو الرجل الأسود إريج جارنر والبالغ 43 عامًا خنقًا.
ووفقًا لقرارين سابقين أصدرتهما المحكمة العليا في الولايات المتحدة، فإن من حق الشرطي أن يستخدم القوة القاتلة في حالتين أساسيتين: الأولى هي لحماية حياته وحياة طرف بريء آخر، والثانية هي أن يمنع المشتبه به من الهرب، إذا كان يعتقد أن الأخير سيؤذي غيره باستخدام العنف.
وحتى الآن، من النادر للغاية أن يحاكم الشرطي بتهمة إطلاق النار، حيث إن القانون الأمريكي يعطي له مساحة كبيرة من استخدام العنف، كما أنه في بعض الحالات يقوم بإجراء التحقيقات محققون ينتمون لذات قسم الشرطة الذي يتم التحقيق معه، وهذا يخلق تضاربًا في المصالح، وفي بعض الحالات الأخرى تتكون الأدلة من شهود العيان، الذين لا تتعامل معهم الشرطة بالثقة الكافية كما تتعامل مع أفرادها.
البيت الأبيض يحاول من جهته التقليل من التوتر، فقد أرسل الرئيس الأمريكي ثلاثة مسؤولين لحضور الجنازة، ومن الواضح أن عائلة جراي مستاءة بشدة من العنف الحاصل، وهو ما دعا أخت فريدي التوأم للتصريح “اوقفوا العنف، نرجوكم!”