أصدرت عدة فصائل مسلحة سورية معارضة بيانًا في مدينة حلب وريفها أعلنت فيه عن تشكيل جبهة موحدة تحت قيادة ما يُعرف بـ “غرفة عمليات فتح حلب” وذلك بهدف توحيد جميع الجهود لتحرير المدينة بالكامل من أيدي النظام.
صدر هذا البيان مذيلًا بتوقيع فصائل أحرار الشام، فيلق الشام، جيش الإسلام والجبهة الشامية، وذلك على غرار غرفة العمليات التي كُونت في إدلب بالسابق، داعين جميع الفصائل المقاتلة في حلب إلى الانضمام تحت لواء هذه الغرفة.
تشكيل هذه الغرفة جاء أثناء تعرض مدينة حلب الواقعة شمالي سوريا إلى حملة من قوات النظام الأسدي، شملت قصف مستمر على المدنيين؛ ما أسفر عن مقتل العشرات وتدمير عدة مبانٍ في المدينة، أما فصائل المعارضة التي دخلت في اشتباكات عنيفة على أطراف المدينة مع قوات النظام، فقد نجحت في نسف مقرين أمنيين للنظام داخل المدينة عن طريق استخدام تكتيك الأنفاق، في أحياء حلب القديمة.
على صعيد آخر سيطر جيش الفتح المكون من اتحاد مجموعة من الفصائل السورية المعارضة المسلحة على معسكر القرميد في أقصى جنوب شرق مدينة إدلب، حيث سيطرت المعارضة على المعسكر بالكامل الواقع على الطريق الدولي بين إدلب واللاذقية، ليصل مقاتلو المعارضة لأول مرة إلى معقل آل الأسد في محافظة اللاذقية، عند جبال الساحل السوري.
اتحاد فصائل المعارضة والانضواء تحت جيش الفتح مكنهم من السيطرة على كابوس القرميد، ذلك المعسكر ذو الأهمية الإستراتيجية لدى النظام، والذي يحتوي على عدد كبير من الدبابات والمدافع الثقيلة التي كانت توجه يوميًا إلى قصف المدنيين في إدلب.
فيما ترى القيادة الموحدة لجيش الفتح أن خطوتها القادمة ستكون استهداف الساحل السوري وغزو معاقل النظام، كما أن تشكيل غرفة عمليات عسكرية في حلب سيمكنهم من دعم المقاتلين في جبهة حلب بعد توحدهم، لتحرير بقية أراضي حلب من أيدي النظام.
المتابعون للوضع السوري على الأرض يرون أن اتحاد فصائل المعارضة المسلحة في أكثر من جبهة هو ما أدى إلى هذا الانهيار السريع للنظام على كافة الأصعدة، بعد نجاح تجربة جيش الفتح التي يجري استنساخها بين الفصائل في المناطق المختلفة، حيث يعاني النظام في أكثر فترات هشاشته أمام التجمعات المعارضة منذ أكثر من ثلاث سنوات.
فيما أفادت مصادر صحفية عن وجود حالات هروب جماعي بين قوات النظام في ريف إدلب، بعد مقتل رئيس فرع أمن الدولة في حلب العقيد زهير سلطان، وهو ما جعل النظام يكثف غاراته على قوات المعارضة في المناطق المحيطة بحلب وريف إدلب، حيث رصدت قوات المعارضة هروب آليات عسكرية إلى طريق الساحل متجهين إلى اللاذقية معقل النظام.
كما تتزامن هذه التطورات مع تقدم فصائل من المعارضة المسلحة أيضًا في جبهة سهل الغاب بريف حماة حيث تخوض معارك ضارية واشتباكات مع قوات النظام هناك، وفي هذا السياق أشارت الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى أن نظان الأسد ارتكب مجزرة في قريتي الزيارة والمشيك بعدما اقتحمهما وإعدام ثمانية أشخاص بهما.
يذكر أن مجموعات مقاتلة من المعارضة السورية في إدلب وحماة واللاذقية قد أطلقوا معارك لتحرير سهل الغاب ومدينة جسر الشغور، وقد نجحت تشكيلات حركة أحرار الشام وجبهة الشام وصقور جبل الزاوية وتجمع صقور الغاب، وجبهة صمود، وأجناد الشام وجبهة النصرة، من اقتحام مدينة جسر الشغور وتحريرها من أيدي عناصر النظام، والسيطرة على كافة الحواجز الأمنية الموجودة بها.
وأوضحت فصائل المعارضة المتحدة أن هدفها الرئيسي طرد قوات النظام الأسدي من المعسكرات المحيطة بمدينة إدلب، والسيطرة على طريق إمدادات النظام بين اللاذقية وإدلب، وهو ما يرجح كثيرون نجاحه في الفترة القادمة، خاصة مع تبادل الخبرات العسكرية والإمكانيات الذي يحدث بين الفصائل المختلفة؛ ما أدى لوجود تفوق نوعي لدى فصائل المعارضة، لم تستطع قوات الأسد مواجهته طوال الأيام الماضية.
هذا وتتكرر محاولات المعارضة السورية المسلحة لقطع خطوط إمداد النظام في منطقة القلمون الشرقي، وذلك في محاولة مستمرة للسيطرة على الطرق الرئيسية والمدن التي استعادتها القوات الحكومية من الفصائل المعارضة قبيل ذلك إبان فترات الضعف والتشرذم كجيرود والرحيبة وغيرها، حيث تم تشكيل ما سمي بجيش تحرير الشام الذي يضم أكثرمن 1500 مقاتل ينتمون لفصائل كبيرة في القلمون الشرقي، بينها لواء يوسف الصديق وكتائب محلية مقاتلة أخرى.
وعلى جانب آخر أعلنت المعارضة السورية عن معارك جديدة منذ عدة أيام تحت اسم “رص الصفوف” لاستعادة نقاط يتمركز فيها النظام بحي جوبر شرق العاصمة دمشق، حيث اتحدت سبع فصائل مقاتلة بتشكيلاتها العسكرية أبرزها جيش الإسلام وجبهة النصرة لدخول هذه المعارك التي تهدف إلى تحرير ما تم الاستيلاء عليه مسبقًا من قِبل قوات النظام في قطاع طيبة بالجبهة الشرقية الشمالية لحي جوبر.
إذا بدأ التنسيق ميدانيًا بين كافة الفصائل المشاركة في عمليات “رص الصفوف” وذلك قبيل انطلاقها، وقد تم هذا التنسيق على أعلى المستويات بين قيادات الفصائل، من حيث تأمين السلاح والمقاتلين، ووضع الخطة والأهداف والنتائج المترتبة عليها في حال النجاح أو الفشل، مع الاستمرار في التنسيق بما يخص الدفاع والهجوم من خلال إنشاء غرفة عمليات المشتركة واجتماعات دورية ستعقد بين جميع قيادات القطاعات والفصائل في المعركة.
النتائج التي حققتها المعارضة السورية المسلحة الأرض في الفترات القليلة الماضية، توضح مدى أهمية التنسيق والاتحاد بين الفصائل المختلفة، وتؤكد أنه كلما انشغلت هذه الفصائل بالاقتتال الداخلي تفقد هذه الفصائل القدرة على حماية الأراضي التي تم تحريرها في السابق، وهو ما حدث في أكثر من نقطة سيطرت عليها المعارضة في السابق، واستغل النظام انشغال فصائل المعارضة بالخلافات فيما بينها، وأعاد الكرة على هذه المناطق المحررة حتى أعاد السيطرة عليها، وهو ما تحاول المعارضة تداركه الآن بإنشاء غرف العمليات العسكرية المشتركة.
الجدير بالذكر أن تكوين جيش الفتح كانت إحدى المحاولات المتأخرة لتدارك التشرذم الذي أصاب المعارضة المسلحة، الذي ما إن تكون في 24 مارس الماضي حتى استطاعت الفصائل المنضوية تحت لوائه تحرير مدينة إدلب ثم مدينة جسر الشغور، كما أن هذه المحاولات ليست الأولى منذ تاريخ اندلاع المقاومة المسلحة داخل الثورة السورية، حيث كانت هناك محاولات إنشاء الجيش الأول في جنوب سوريا وغيرها من المحاولات التي أرادت جمع أكبر قوى المعارضة المسلحة في البلاد تحت جبهة واحدة، ولكن الأمر لم يكن بهذا اليسر، فعوامل التنافر والأجندات الداعمة لهذه الحركات المسلحة كانت أقوى بكثير من قدرة البعض على توحيدها في جبهة جامعة، ولكن الظروف الميدانية أدت إلى فرض الواقع وهو الاتحاد لمواجهة تمدد النظام في الفترات الأخيرة، والذي لم يوقفه سوى تشكيل غرف عمليات مشتركة من كافة فصائل المعارضة المسلحة.