ترجمة وتحرير نون بوست
تحرير الثوار لجسر الشغور في محافظة إدلب السورية يوم الإثنين، وتحريرهم في وقت لاحق لقاعدة الجيش النظامي في معمل القرميد، تحديًا للادعاءات الأخيرة التي تنتشر في بعض الزوايا حول قرب الرئيس السوري بشار الأسد من استعادة السيطرة على البلاد.
كان يُنظر إلى تحطيم المعارضة في حمص في عام 2014 بأنه انتصار كبير للقوات الحكومية، وفي ذات الوقت أحدث صعود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) حروبًا وانشقاقات داخلية في صفوف المعارضة السورية، كما أن غارات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في سورية، استهدفت أعداء الأسد ولم تقترب قيد أنملة من القوات الحكومية، فضلًا عن أن موجة المقابلات الصحفية الأخيرة التي أجراها الأسد مع وسائل الإعلام الغربية مثل البي بي سي وفورين أفيرز، ساعدت على صقل صورته ليصبح رجل الدولة المنتصر، عوضًا عن الصورة السابقة المتمثلة بالديكتاتور المحاصر.
ولكن سلسلة الانتصارات العسكرية في محافظة إدلب التي شهدتها الأسابيع الأخيرة إثر اتحاد قوى المعارضة التي تنضوي على ميليشيات لا تعد ولا تحصى، أجبرت العديد من المراقبين على التفكير مرة أخرى؛ فتحرير جسر الشغور في شمال غرب سورية، يمثل خسارة إستراتيجية هائلة بالنسبة للحكومة السورية، كون هذه المدينة كانت تشكل طريقًا رئيسيًا بين معقل الموالين للحكومة في مدينة اللاذقية، ومدينة حماة رابع أكبر المدن السورية.
يشير جوشوا لانديس رئيس تحرير موقع سيريا كومنت ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، أن وادي الغاب – لمنطقة الممتدة بين مدينة حماة في الجنوب والمناطق ذات الغالبية العلوية في الغرب – أصبح أكثر عرضة الآن للاختراق من قِبل قوات المعارضة السورية المسلحة، ويضيف بقوله “إذا تمكنوا من اختراق القرى الواقعة في سهل الغاب، سيتمكن الثوار حينئذ من محاصرة حماة، وهي مدينة ذات قيمة رمزية ثمينة للغاية، لأن حافظ الأسد في عام 1982 ارتكب مجزرة فيها بحق جماعة الإخوان المسلمين والكثير من المدنيين الآخرين، فإذا استطاع الثوار السيطرة على حماه، فإن هذا من شأنه أن يشكّل دافعًا معنويًا هائلًا لهم”.
تنشط داخل الحدود السورية مئات الميليشيات المختلفة والمتعددة والمتناحرة، ولكن النجاح في محافظة إدلب – الذي ابتدرته المعارضة بالسيطرة على مدينة إدلب في أواخر مارس – يشير إلى وجود مستوى جديد من التنظيم والتعاون والانضباط بين الجماعات المعارضة الرئيسية، الذين كانوا سابقًا يوجهون أسلحتهم في مواجهة بعضهم البعض، حيث ضم تحالف الثوار الذي استولى على جسر الشغور – في معركة تمت تسميتها “معركة النصر” – جبهة النصرة، أحرار الشام، أنصار الشام، جيش الإسلام، جبهة أنصار الدين وجند الشام وفصائل أخرى أيضًا.
تأثير الملك سلمان
“نحن نرى الآن أيضًا، على ما أعتقد، تأثير الملك سلمان”، قال لانديس، في إشارة إلى الملك الجديد للمملكة العربية السعودية، وتابع بقوله “إن العاهل السعودي غيّر من أولويات للمملكة، فتحت حكم الملك السابق عبد الله، كانت جماعة الإخوان المسلمين هي العدو الرئيسي، وليست إيران، والتركيز السعودي والإماراتي على جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها مصدرًا لعدم الاستقرار والمعارضة في المنطقة، قوض قدرة السعودية على التنسيق مع القوى الأخرى المناهضة للأسد مثل قطر وتركيا، ولكن اليوم، الملك سلمان غيّر بوضوح أولويات المملكة العربية السعودية، حيث أصبحت إيران والقضاء على نفوذها، هي الإستراتيجية الأكثر أهمية والأعلى أولوية قبل محاربة الإخوان المسلمين”.
يوضح لانديس أن التدخل السعودي في اليمن ضد الميليشيات الحوثية الشيعية – والتي تزعم المملكة أنها ممولة ومدعومة إيرانيًا – أنعش رغبة السعودية لبناء تحالف واسع النطاق ضد إيران، وآمالها بكسر النفوذ الإيراني في سورية، ويردف قائلًا “اليمن هي نقطة الضعف الكبرى للمملكة العربية السعودية، ولم يكن يجب على إيران أن تغدق اليمن بالمساعدات العسكرية بغية استنزاف المملكة العربية السعودية، وكون اليمن هي نقطة التركيز السعودي، وسورية هي نقطة التركيز الإيراني، كان الرد على التدخل الإيراني باليمن بالهزة القوية لعزم الحكومة السورية لاستعادة السيطرة على مقاليد القوى في سورية”.
من جهتها تقول رندا سليم مديرة مبادرة الحوارات في معهد الشرق الأوسط في الولايات المتحدة “جيش الأسد أصبح ضعيفًا، وانهارت وأحبطت معنوياته، ففي الفترة الماضية كانت انتصارات الأسد ترجع أساسًا إلى تشرذم وتشتت المعارضة وانعدام خبرتها ومهارتها على الأرض، ولكن الآن بعد معالجة عوامل الضعف هذه من قِبل المعارضة، أعتقد أننا سنشهد تحولًا في اللعبة”.
وتتابع سليم قائلة “استهلاك الموارد على نحو متزايد، وعودة الميليشيات الشيعية العراقية إلى العراق، قد يدفع الحكومة السورية إلى إعادة التفكير في إستراتيجية جديدة، عوضًا عن الإستراتيجية التي كانت تعمل بها سابقًا، والتي كانت تتصور قدرتها على هزيمة المعارضة في جميع أنحاء سورية، وحتى الآن مانزال نرى القوات الحكومية تخوض معاركها في جميع أنحاء الأرض، ولكن العوامل السابقة تبزغ أهمية سؤال مصيري: هل هناك خطة بديلة يتم وضعها الآن من قِبل الأسد أو إيران أو حزب الله، للبت في الأجزاء التي يمكن للقوات الحكومية أن تدافع عنها وتصمد بها؟ يبدو أننا سنعرف ذلك قريبًا”.
إذن، السؤال كما قالت سليم يتمثل في: هل – ومتى – ستقرر الحكومة تخفيض خسائرها التي تتكبدها في كافة أنحاء سورية، والبدء بالتركيز على مناطق سورية محددة مثل دمشق، وهي المدينة التي لا يمكن للنظام السوري أن يخسرها، على حساب دفاعه عن مناطق مثل إدلب.
إلى أحضان القاعدة
في الوقت الذي أشاد به الكثيرون باستيلاء قوى المعارضة على محافظة إدلب باعتبار مثل هذه التحركات ستؤدي إلى إضعاف نظام الأسد وانهياره في نهاية المطاف، ينظر مراقبون آخرون إلى المشهد بقلق متزايد، نتيجة للأيديولوجية المتشددة التي يحملها ائتلاف قوات المعارضة الذي قاد هذه الحملة.
وعلى الرغم من عدم تصدر هذه الأخبار ضمن عناوين الصحف، بيد أنه تم اتهام جبهة النصرة – التي أعلنت بيعتها لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في عام 2013- وأحرار الشام – أحد أكبر الميليشيات في شمال سورية -، بتنفيذ سياسات صارمة وشديدة القسوة في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
ويرى آرون لوند، رئيس تحرير ملف الآزمة السورية في مؤسسة كارنيغي، أن الاختلافات بين جبهة النصرة وأحرار الشام هي اختلافات تكتيكية وليست أيديولوجية في النهاية، حيث كتب لوند في إحدى مقالاته التي نشرها إبان السيطرة على مدينة إدلب في أواخر مارس “على الرغم من تعدد مصادر الخلاف ما بين هاتين الجماعتين، بيد أنه لا يمكننا أن ننكر أن جبهة النصرة وأحرار الشام هما مجموعتان تقفان علنًا ضد الديمقراطية، وتعاديان الأقليات الدينية، وتلتزمتان بإقامة دولة دينية إسلامية سنية في سورية”.
وأضاف في ذات المقالة موضحًا “هناك بالفعل قلق كبير في الولايات المتحدة وأوروبا بشأن صعود الجماعات الجهادية في سورية، وعناوين الصحف الغربية تتحدث الآن عن سقوط المدينة في أيدي تنظيم القاعدة”.
على الرغم من وجود مجموعة متنوعة من وجهات النظر والأيديولوجيات داخل ائتلاف القوات المعارضة الذي سيطر على إدلب، بيد أن النظر إلى تحرير إدلب على أنه انتصار لتنظيم القاعدة، بدلًا من المعارضة، يبين التغيّر الهائل في الطريقة التي ينظر بها الكثيرون في الغرب إلى الصراع في سورية.
“في عالم لم يفقد اهتمامه تمامًا، كانت سيطرة القاعدة على إدلب ستكون مدعاة للقلق ومحفزًا للعمل”، كتب إدوارد دارك في موقع ميدل إيست آي يوم الإثنين، وأضاف “ولكن بدلًا من ذلك، بالكاد وجد هذا الحدث طريقه إلى عناوين الصحافة العالمية، والغريب أن غالبية المعارضة السورية احتفلت ورحبت بسيطرة الجماعة على إدلب، دون أدنى إشارة إلى مفارقة أنه إذا وطأت أقدامهم أرض المدينة المحررة حديثًا، فعلى الغالب سيتم إعدامهم فورًا من قِبل حكام المدينة الجدد”.
ويقول لانديس معلقًا “النصرة وحلفاؤها قضوا على معظم الميليشيات المعتدلة التي وضعتها أمريكا بوجههم، وعمدوا إلى تعزيز قوة الفصائل الإسلامية المتطرفة، ومع ذلك الولايات المتحدة لا تبدي أي اهتمام يذكر بالموضوع”.
أما سليم فتقول “وجهة النظر الأمريكية هذه ستفصلها عن الممولين الإقليميين للمعارضة السورية الذين يتحركون قدمًا في هذه الفترة، وتعمل تركيا والسعودية وقطر على تأسيس معادلة عسكرية جديدة في سورية، تضطلع فيها جبهة النصرة بدور مهم وأساسي”، وتضيف “على الرغم من أن الولايات المتحدة تعتبر أن النصرة هي منظمة إرهابية، ولكن أمريكا لا تتشاطر هذه النظرة بالضرورة مع الممولين الإقليميين للمعارضة السورية”.
المصدر: ميدل إيست آي