ترجمة وتحرير نون بوست
اشتعلت الاحتجاجات يوم الإثنين الماضي في مدينتة بالتيمور، في رد عنيف على مقتل فريدي جراي، والذي لا يملك أحد في المدينة تفسيرًا على ما يبدو لمقتله، فهو لم يمت في ظروف غامضة في إحدى الأزقة الضيقة، ولكن بين أيدي من يُفتَرَض أن يكونوا حرّاس الأمن والنظام العام في المدينة، وفي ظل غياب تام لعمدة المدينة والمسؤول عن الشرطة، واللذان لا يعرفان حتى الآن أي شيء عن ملابسات تلك الواقعة، ليس لأنهما سيئان على المستوى الشخصي، ولكن لأن ولاية ماريلاند تضع حماية ضباط الشرطة الضالعين في إساءة معاملة الناس فوق مصلحة مواطنيها.
مع بدء الاحتجاجات، كان سكان ويست بالتيمور يدركون ذلك جيدًا، وأنا واحد من هؤلاء، حيث نشأت في الشارع المقابل لموندومين مول، موقع بدء الاحتجاجات، وكانت أمي أيضًا قد نشأت في مشروع جيلمور هومز السكني، حيث قُتِل فريدي جراي، والجميع هنا ينظر للشرطة نظرة خوف وحذر لا احترام وتقدير، ولأسباب وجيهة جدًا، كما كتبها أحدهم هنا:
“على مدار السنوات الأربع الماضية، نجح أكثر من مائة شخص في كسب قضايا متعلقة بالعنف أو مخالفة الحقوق المدنية، وقائمة الضحايا تضم فتى يبلغ 15 عامًا كان يركب دراجته، وامرأة حامل في سن الـ26 تعرّضت للضرب، وسيدة تبلغ 50 عامًا كانت تبيع تذاكر يانصيب، وشمّاس يبلغ 65 عامًا كان يدخن سيجارته، وسيدة تبلغ 87 عامًا كانت تساعد حفيدها، وفي كل واحدة من تلك الحالات تقريبًا، حكم القضاء ببراءة الضحايا من التهم المنسوبة إليهم من جانب الشرطة، هذا إن كانت الشرطة قد وجهت لهم اتهامات أصلًا لتبرر ما فعلته، ولا يدلل على ذلك الاتجاه أكثر من الحادث الأخير الذي تم تصويره بالفيديو، ويظهر فيه رجل من ساوث بالتيمور يتعرض للضرب على يد ضابط، وهو تسجيل أثار صدمة مدير الشرطة”.
بالطبع تنفق الشرطة أموالًا طائلة للدفاع عن كل هؤلاء، وهي أموال تكفي في الحقيقة لبناء أكثر من ثلاثين ملعبًا في المدينة، أو مراكز للفنون، ولكنها بدلًا من ذلك تُستَخدَم في التغطية على جرائم العنف الصادرة من شرطة المدينة، وضمان ألا يطالهم عقابهم العادل.
اليوم، أشاهد الأخبار في التلفاز وأرى السياسيين وهم يدعون الشباب في بالتيمور إلى نبذ العنف والالتزام بالسلمية، وهي دعاوى تصدمني في الحقيقة كونها الإجابة الصحيحة لسؤال خاطئ تمامًا، ولفهم السؤال لنتذكر جيدًا ماذا جرى لفريدي جراي بالضبط، والذي تبادل النظرات مع أحد أفراد الشرطة، وثم بدأ في الجري دون سبب واضح، ليقوم الضابط بإلقاء القبض عليه بشكل عنيف أدى لصراخه، ثم يجد بحوزته مطواة ليس إلا، ليلقي مصرعه بعد أسبوع نتيجة كسر عموده الفقري.
ما هي الجريمة هنا؟ وما هو الخطر الذي شكله فريدي؟ ولماذا يُعَد تبادل النظرات والجري سببًا كافيًا للاحتجاز من جانب الشرطة والدولة؟ ولماذا مات في النهاية فريدي؟ هذه هي الأسئلة التي لا يملك كل من يدعون الآن للسلمية إجابة عليها، ولن يستطيعوا في الحقيقة الإجابة عنها، فالكثير من هؤلاء متورطون في دعم نفس السياسات التي أدت لمقتل فريدي، وهم ربما لذلك مهتمون الآن بالتهدئة ليس إلا.
لماذا لم تكن هناك تهدئة لحظة اعتقال فريدي؟ ولماذا لم تكن هناك تهدئة حين تم الهجوم على جيريل لايلز، والذي تورمت عيناه وسال الدم منهما ومن فمه من فرط الضرب؟ ولماذا لم تكن هناك تهدئة لأجل فينوس جرين، والتي صرخ الضابط في وجهها قائلًا “أنت لست أفضل من كل السفلة السود الذين احتجزتهم”؟
وماذا عن ستار براون، التي ضُربَت على وجهها بقوة لتسيل دماؤها، بعد أن رأت فتاتين تتعرضان لاعتداء أحد المارة، ثم إساءة معاملة الشرطة لهما بدلًا من محاولة اللحاق بالمعتدين، وهو ما دفعها للخروج غاضبة ومناشدة الشرطة أن تقوم بعملها لا أن تسيء معاملة الضحايا، لتقرر الشرطة القبض عليها دون جدوى من صراخها متوسلة بكونها امرأة حامل، لماذا لم يطالب أحد حينها بالتهدئة والسلمية؟
حين تصبح السلمية محاولة لتفادي التعامل مع العنف السياسي، فإنها تخون نفسها، وحين تبدأ في وسط المعركة مع الجاني لتطلب الهدوء، فإنها تصبح خدعة، وحين تلوكها ألسنة المحسوبين على الدولة، بينما تقوم نفس الدولة بممارسة العنف ضد مواطنيها، فإنها تصبح في الحقيقة سلبية لا سلمية، ولا يعني أي من ذلك أن العنف هو الصواب أو الحكمة، بل هو أشبه بالحريق الذي ينشب هنا أو هناك، فالحريق ليس صوابًا أو حكمة، والحكمة ليست هي مربط الفرس هنا، بل الامتهان، وفي هذه الحالة، فإن القانون الأجوف والنظام المعطوب اللذين يمتهنان المجتمع باستمرار، قد تعرّضا هذه الليلة للامتهان.
المصدر: ذا أتلانتيك