أمريكا تقاتل داعش وتقدم مشروعًا لتقسيم العراق

اقاليم-العراق

قدم رئيس اللجنة العسكرية في مجلس الشيوخ الأمريكي النائب، ماك ثورنبيري، مشروع قانون يطالب فيه وزيري الدفاع والخارجية الأمريكيين، توجيه حكومة بغداد، برئاسة حيدر العبادي، لإعطاء الطوائف غير الشيعية من السنة والأكراد دورًا أكبر في الحكم، وبالتحديد في قتال تنظيم الدولة الإسلامية.

هذا المقترح رهن مساعدات عسكرية أمريكية بإشراك هذه الطوائف المهمشة لصالح التغول الشيعي، كما طالب بإنهاء الدعم الطائفي المقدم للمليشيات الشيعية التي تمارس أعمالًا إرهابية ضد طوائف السنة، كذلك أكد على ضرورة الانتهاء من تشريع قانون الحرس الوطني الذي سيديره السُنة، وإلا ستكون العواقب حجب ما تبقى من 75% من المساعدات عن حكومة العبادي، وستذهب معظمها للأكراد والسنة، ومن المتوقع أن يتم الموافقة على هذا القانون وإقراره في القريب العاجل.

فالولايات المتحدة  تريد أن تتعامل مع قوات البشمركة الكردية، ومقاتلي العشائر السنية ككيانين منفصلين عن الجيش العراقي، والحكومة العراقية؛ بحيث تستطيع رسميًا تقديم الدعم المباشر لهم دون الحاجة إلى الرجوع للحكومة العراقية، وسط تزايد المخاوف بشأن النفوذ الإيراني الممتد على بغداد، وفقدان الدعم السني أثناء قتال داعش، بما تمارسه المليشيات الشيعية بقرى المدن السنية وأهلها.

فمشروع القانون المقدم يقضي، بهذه الصورة، أن تكون قوات البشمركة الكردية، وقوات العشائر السنية الموكلة لها مهمة الأمن الوطني، والحرس الوطني العراقي السني المزمع إنشاؤه، دويلات منفصلة، لا سيطرة لحكومة بغداد المركزية عليهم، هذا وفقًا لملخص مشروع القانون، لأن القيام بذلك سيسمح لهذه القوات الأمنية بأن تتلقى المساعدة مباشرة من الولايات المتحدة.

هذا ومازال قانون الحرس الوطني يشوبه الكثير من الغموض، خاصة فيما يتعلق برئاسته، وتمثيل نسب المحافظات العراقية فيه، فضلًا على من سينسب إليه، فالقانون، على وضعه الحالي، يثير الكثير من الشبهات خاصة لدى الطوائف الشيعية المتوجسة من قيام قوة أمنية تحت قيادة السنة، حيث يروجون بأنه سيسمح لمن وصفوهم بـ “الإرهابيين وفدائيي صدام” بالانضمام ضمن صفوفه العسكرية، فيما أكد نواب بأن القانون هو مشروع أمريكي يراد منه تقسيم العراق الى دويلات، وطالبت هذه الطوائف بإعادة نظام الخدمة العسكرية؛ كونه ضمانه لعدم تكوين قوة عسكرية سنية.

اللوبي الشيعي السياسي في حكومة العبادي يحاول عرقلة مشروع قانون الحرس الوطني، كما يحاول تحسين صورة مليشيات الحشد الشعبي الشيعية، إذ يروجون أن المشروع ما هو إلا مشروع أمريكي لتقسيم العراق إلى دويلات وفق إثنيات طائفية، في حين يحاولون استخدام أسلوب “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، فجل مطالبتهم تنصب بالوقوف خلف القوات الأمنية الحالية التي تواجه داعش، رافضين مبدأ تسليح الأكراد والسنة بعيدًا عن سلطة الحكومة.

مشروع القانون جاء تلبية لمطالب كل من حكومة إقليم كردستان العراق والعشائر السنية، الذين يطالبون بمزيد من المشاركة في الحكم ومزيد من سلطات الحكم الذاتي، لمواجهة الطائفية التي يتعرضون لها، وقد شهدوا بتحسن الظروف منذ رحيل رئيس الوزراء السابق، الذي وصفوه بالشيعي الطائفي نوري المالكي، ويؤكدون على أن دعم الولايات المتحدة المباشر حيوي وضروري جدًا لمواجهة داعش في هذه الفترات.

فيما رد مقتدى الصدر على هذا المشروع بقوله إنه مخطط تقسيم علني، داعيًا إلى رد حكومي وبرلماني حاسم على هذا الأمر، كما هدد رجل الدين الشيعي، برفع التجميد عن “الجناح العسكري المتخصص بالجانب الأمريكي”، وضرب مصالح الولايات المتحدة في العراق وخارجه في حال تم إصدار مشروع  القرار الأمريكي، الذي يقضي بالتعامل مع الأكراد والسنة كـ “قوتين مستقلتين”، جاء ذلك في سياق هجوم من تيارات شيعية سياسية عدة رافضة لهذا الأمر، مؤكدين أن الولايات المتحدة تريد خلق وضع مرتبك في العراق لصالحها، وأنها بذلك تحول البوصلة عن قتال داعش.

هذا المشروع الأمريكي لا ينفصل عن سياسة خارجية مع إيران تهدف إلى وضع حد لها في العراق، بعدما أدركت الولايات المتحدة جيدًا مدى التوغل الإيراني في بغداد، بينما يتابع محللون هذه التوترات التي بدأت بالنشوء بين الولايات المتحدة وحلفاء إيران من الشيعة الذين يحكمون العراق، حيث يرى بعضهم أن القانون لا يحاول وضع عثرات في المحادثات النووية لإدارة أوباما مع إيران، ولكن القيود المفروضة على المساعدات تهدف جزئيًا إلى مواجهة  تزايد نفوذ طهران في جميع أنحاء المنطقة، الذي يخشى المشرعون الأمريكيون من أن هذا النفوذ سوف ينمو إذا رُفعت العقوبات بعد تنفيذ الاتفاق النووي.

من جانب الأكراد فإنهم يرون هذا المشروع تحقيقًا لمطالبهم التاريخية القديمة والحديثة أيضًا، فالأكراد على وجه الخصوص يقولون بأن الأسلحة الأمريكية التي يحتاجونها لمواجهة داعش محتجزة في بغداد، لسبب غير معلوم.

وذلك بالتزامن مع طلب الشعائر السنية وضعًا سياسيًا أفضل في ظل حكومة العبادي، وهو ما رأته الولايات المتحدة فرصة سانحة لكسب العشائر السنية إلى صفها في حربها ضد تنظيم الدولة على الأرض، لتوازن النفوذ الشيعي المسلح المتصدر لأمر مجابهة داعش، حيث يأتي ذلك أيضًا مع تدخل السعودية وتركيا لتدريب مقاتلين من العشائر السنية، والمساعدة في توحيد صفوفهم، ونبذ الخلافات الناشبة بينهم لنفس السبب الأمريكي؛ وهو تقليص النفوذ الإيراني في العراق.

هذا الأمر دعا لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي بالمطالبة بإدخال تشريعات، للسماح لإدارة أوباما بتسليح الأكراد والعشائر السنية مباشرة، باعتبارهم طوائف سياسية مستقلة، فهذا من شأنه أن ينتهك القانون الأمريكي الحالي الذي يتطلب من الحكومة الاتحادية التعامل مع بغداد حصرًا، وهو ما يبدو أن الإدارة الأمريكية انتوت تغييره.

فمعادلة موازين القوى في الشرق الأوسط وخاصة في العراق من وجهة النظر الأمريكية الخالصة، سيتطلب تفكيكها إلى عدة دويلات مركز يحكمه الشيعة التابعين لإيران، وتفعيل انفصال الأكراد بشكل أكثر واقعية، من خلال فك ارتباط تسليحهم من حكومة العبادي، وربما الارتباط الاقتصادي أيضًا، وإنهاء مشكلة نفط الإقليم، كما أن الدويلة الثالثة ستكون سنية، لاحتواء الغضب السني الذي ساعد داعش كثيرًا على الأرض في العراق، مع ضمان ولاءه لتابع أمريكي كالسعودية أو الأردن.

الجدير بالذكر أن لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأمريكي قد أصدرت مشروع قانون بميزانية الدفاع السنوية، والذي يخول إنفاق أكثر من 700  مليون دولارًا كمساعدات للقوات العراقية التي تقاتل تنظيم الدولة، ومن المنتظر وصول أموال طائلة من هذه المساعدات إلى العشائر السنية والأكراد، في حال إقرار المشروع الأمريكي الأول، المشروع الذي سيرفضه الشيعة رفضًا تامًا، فهو بالطبع سيقتطع من حكمهم وسيمهد لانفصال هذه الأقاليم فعليًا، لتعلن دول مستقلة على أساس طائفي، وهم يحكمونها جميعًا بالقمع، بينما سيظهر السنة في العراق بمظهر المطالبين بالانفصال وإن لم ينطقوها صراحة، إلا أن الفصائل الشيعية السياسية تروج لذلك من الآن، كل ذلك في إطار انتظار تراجعات إيرانية ستحدد ملامح العراق الجديد، فقد تجعل حكومة العبادي تعطي دورًا أكبر للأكراد والعشائر السنية سياسيًا وعسكريًا، ما يطمئن الولايات المتحدة ويجعلها تتراجع عن هذا المشروع، أم أن المشروع قد تم إقراره أمريكيًا في الداخل، وهذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة.