بعد إعلان الانتخابات في السودان .. والفرح من جانب اللجنة القومية العليا للانتخابات، وجانب من حزب المؤتمر الوطني، نقول أن هذه النغمة من السعادة لأهل السلطة والحزب والمستفيدين سوف تستمر ويتعالى صوتها لاشعار الخصم أو الطرف الآخر بدونيته وقلة شأنه ..وهذا صوت يجب ألا يتداول .. ولكن مع هذه السلطة واحساسها الدائم بتضخم الذات وأنها أكبر من الآخر، والآخر لا شئ .. وسوف تستمر في ترديد أن الرئيس قد فاز وأن حزبه فاز بثلاث أرباع مقاعد البرلمان.
إن رأسي يكاد ينفجر .. فبلد تعداده يقارب ثلاثين مليون نسمة .. نجد أن السدس فقط أدلى بصوته .. ومن هذا السدس حصل المبرور على 94%، فكيف لجماعته ومجموعته الحامية لوجوده أن تتشدق بأن الرجل فاز .. هنيئا لمن فاز ..والعزاء الجميل لمن فشل، ألا وهو الوطن الذي لم يخرج من غيبوبته و أزماته وعلله وشكاته وضيق تنفسه .. فاز المفروض بالقوة، وبإعلان جماعته الجهاد في سبيل الله لمآرب أخرى .. فاز المفروض بالدولة العميقة، و إن كان شخصه لم ير أي نتيجة تؤهله للقعود على كرسي الرئاسة .. هنيئا لمن فاز من رئيس وحزب .. وإنك لتشعر بالخزي والعار والخجل حيث ترى صورة الحزب الوطني وخلفيتها التي يتباهى بها هي خريطة السودان الجديد، صورة جلباب ممزق تآكل أسفله وبدت صورة تشعر بالأسف، ولكنه يصر على أنها شعاره المفضل .. كفى بمن فاز أن ينظر إلى خارطة السودان ليشعر أنه لم يفز .. وأننا يجب أن نقدم فوز بلادنا على أشخاصنا.
وما ذا بعد الفوز .. ويا سبحان الله الفوز عند الله عز وجل له صفات ثلاث : كبير ومبين وعظيم .. فإذا نظرنا إلى بلادنا من منظور هذه الصفات الثلاث للفوز، نجد أنها ليست ببلاد كبيرة .. ولا فازت فوزا كبيرا .. وأنها أي بلادنا غير مبينة، فهي الآن مخفينة تحت رماد نظام أشعل الحرائق، وأهلك الحرث والنسل .. وهي أي بلادنا ليست بعظيمة، فشأنها الآن الشأن الحقير .. وإن كان هناك بقاء، فبفضل طيبة أهلها أهل الطيبة والأخلاق النبيلة، لا بفضل النظام .. والذي لا فرق عندي بينه وبين فطاع الطرق .. قاطع الطريق أسلوبه الغضب ورفع الصوت واستخدام القوة .. وأن ليس لمن أمامه أي فرصة لقول أو فعل .. وهذا ما قام به النظام – وإن كان لنا تحفظ على كلمة النظام، فهو الفوضى.
وهنيئا لمن فاز .. ونعزي أنفسنا على الفشل الضارب أطنابه في كل مجال .. هنيئا لمن فاز والأعداد الضخمة قد هاجرت .. وهنيئا لمن فاز ولا حياة تذكر لعمل سياسي أو صوت معارض .. وما هو المعول عليه بعد الفوز؟! .. وماذا نرجو من الرجل؟! .. إن سياسة المراوغة، والتدليس، وذر الرماد على الأعين سوف يستمر .. وهل هذا الفوز وبقاء الرجل حتى الموت سوف يؤدي بالسودان أن يكون فيه تداول للسلطة ؟!
إن السيناريو القادم خلال سنوات الخمسة أن يعد داخليا لانقلاب يأتي بدكتاتور جديد، لأن الحياة السابقة والحالية وصورتها في السياسة لن تأتي بجديد .. والفائز لن يقدم جديد، ففي ربع قرن من الزمان رأينا الفوضى والفشل والدمار والفقر والجوع والاقتصاد المتردي .. ولن يكون بعد الفائز أي رئيس يأتي بانتخاب أو يأتي باستفتاء .. إن كنت تفقد الآلية لحياة سياسة طاهرة فمن أين ستأتي بها بعد ربع قرن من الزمان ؟! .. كنا نظن أن أهل النظام وجماعته على درجة من الذكاء ليقدموا مرشحين بارزين من الحزب أو الحكومة .. لكن استمر من تربع على أنفسنا حتى الموت، فهذا لن يؤدي إلا إلى العنف والفوضى . وسوف تعمل الحكومة العميقة والجماعة العميقة على بقاء الرجل وحمايته بشتى الطرق، وافشال أي محاولة لإقامة حوار أو إقامة حياة سياسية صادقة .. تتداول فيها السلطة فلا شئ من ذلك يلوح في الافق.
ولنا أن نكرر السؤال الذي سألناه من قبل : كيف نجحت الثورة الإيرانية وقد سبقت النظام السوداني بعشرة أعوام .. وأصبح هنالك تداول للسلطة .. فخلال ستة وثلاثين عام شاهدنا سبعة روؤساء في إيران منذ الحسن بني صدر وحتى حسن روحاني ..ونحن خلال ربع قرن نطالع وجها واحدا .. كيف تطورت إيران من خلال ثورتها وأصبحت في ميزان القوى العالمية قوة لا يستهان بها .. وكذلك تركيا وقد صارت في عداد أكبر عشرين اقتصاد عالمي.. إن الانقاذ – وإن كنا نتحفظ على اسم الانقاذ – ماذا صنع بنا .. لم يتم تداول السلطة .. ولم يتم النهوض بأي شئ .. لا اقتصاد، لا تنمية .. ومن دون حياء تعترف الحكومة ب 46% نسبة الفقراء في السودان .. فاز الرئيس، يا للعجب .. فاز ونحن نرى الفشل في كل شئ .. فاز الرئيس ونحن لا ندري حقيقة ما يجري في دار فور وما ينتظرها من رئيس شرعن لنفسه في الأعوام القادمة .. فاز الرئيس ونحن لا ندري حقيقة ما يجري بجنوب كردفان والنيل الأزرق .. لعل هذه المناطق ستلقى مصير جنوب السودان .. فاز الرئيس ونحن لا نعلم حقيقة أعداد الوافدين إلى البلد .. فاز الرئيس ونحن لا ندري حقيقة دور المعارضين البارزين وما موقفهم الحقيقي من الرئيس وحكومته .. ما دور الترابي ؟!! ما دور الصادق المهدي؟!! ما دور غازي صلاح الدين ؟!! وما دور إتحاد الصحفيين مما يجري من مهازل سياسية ؟!! وما دور ما نطلق عليه أحزاب!
فاز الرئيس هنيئا لمن فاز .. وعزاؤنا لمن قتل بدم بارد .. ونعزي أنفسنا في مصائبنا .. فاز الرئيس ولن نر ممن فاز سوى نفس كلمات التعالي، الغطرسة،الصراخ، الرقص والشتم والسب وأننا جميعا شذاذ آفاق .. وطابور خامس نسعى لفساد البلاد والعباد …