تجددت الآمال لدى المعارضة السورية المسلحة في غزو دمشق، خاصةً وأن نظام الأسد أضحى في أضعف حالاته، بعدما كان استفاق واستعاد عدة مدن سورية من سيطرة الكتائب المسلحة التابعة للمعارضة في وقتٍ سابق، ولكن طبيعة المعركة على الأراضي السورية جعلت هناك تفوقًا وتفوق مضاد بين قوات الأسد تارةً وكتائب المعارضة المسلحة تارةً آخرى مع مرور الوقت.
هناك العديد من المغريات تتجدد يوميًا لدى المعارضين المسلحين بسوريا خاصةً مع تقدم غرف عملياتهم المشتركة في شمال غرب سوريا لأول مرة منذ عام 2013، حتى اقتربوا من معقل آل الأسد الذي يحشد النظام كل قواته بهذه المنطقة الآن دفاعًا عنها، المعارضة من جانبٍ آخر تبحث زيادة الدعم الإقليمي المقدم لها خاصةً من السعودية وتركيا، في ظل الحديث عن إمكانية القيام بعاصفة حزم سورية قريبًا جدًا ولكن ليس على غرار اليمن وإنما بأيدٍ سورية ودعمٍ خارجي.
هذا المأزق الذي وقع فيه نظام الأسد، جعله يستنجد بالإيرانيين الحلفاء، حيث أكدت وسائل إعلام إيرانية، أن طهران تريد تدشين خط بحري مباشر مع سوريا في الساحل من أجل زيادة الدعم لحليفها في سوريا بشار الأسد، لتقدم طهران دعمًا لوجستيًا للنظام في حال قُرُب سقوطه في دمشق.
الإيرانيون يخططون لاستمرار الصراع في سوريا حتى لو تمكن الأتراك والخليجيون من دعم المعارضة السورية المسلحة إلى حد السيطرة على دمشق، فإن ثمة خطة بديلة يجري إعدادها لنقل مركز سلطة الأسد إلى اللاذقية بعيدًا عن دمشق التي ستصبح محاصرة بالكامل عما قريب إذا ظل الوضع الميداني على هذه الوتيرة، وذلك بالتزامن مع وجود أنباء عن نزوح علوي وشيك من دمشق إلى اللاذقية ونزوح مجموعات أخرى من سوريا بالكامل إلى لبنان ودول مجاورة بسبب تورطهم في دعم بشار وازدياد عمليات استهدافهم بشكل مباشر في الآونة الأخيرة.
دبلوماسيون إيرانيون تحدثوا عن ضرورة نقل مركز سلطة الأسد من دمشق إلى طرطوس واللاذقية، مع العمل على تفريغ منطقة دمشق والجولان إلى العمليات العسكرية التي تقودها كتائب الحرس الثوري الإيراني والمليشيات الشيعية وعناصر حزب الله على الأرض في سوريا، أبرز من تحدث بهذا الأمر كان الدبلوماسي الإيراني “أمير موسوي” الذي تحدث عن اجتماعات بين دمشق وطهران لاتخاذ قرارات في هذا الصدد، ولكن الكاتب الإيراني المعروف بتحيزه الشديد لسلطة طهران تحدث أن هذه الإجراءات ستكون بسبب الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سوريا والمقاومة بحد زعمه ولبحث كيفية الرد عليها، لكن دافع هذه القرارات يكذبه الواقع الذي يقول غير ادعاءات موسوي.
فالضربات الجوية التي نفذت أخيرًا على منصات صاروخية تتبع النظام السوري وحزب الله التي يقصدها بحديثه موسوي، نشرت جريد لبنانية أخبارًا تقول أنها مؤكدة عن هذا الأمر تقول فيها أن طائرات تابعة لعاصفة الحزم هي من قصفت مواقع النظام السوري وحزب الله في القلمون، كما يعضد ذلك النفي الإسرائيلي لهذا الاستهداف هذه المرة عكس ما يروج النظام السوري والإيرانيين، بالإضافة إلى أن هذه الاعتداءات الإسرائيلية التي تستوجب فجأة إخلاء دمشق مستمرة منذ أربع سنوات عقب اندلاع الثورة السورية، ولم يجرؤ النظام السوري أو حزب الله الرد عليها سوى بالصمت والتجاهل، وقرار مثل خروج الأسد من دمشق إلى اللاذقية سيكون بمثابة إعلان حرب بالوكالة بين إيران من جانب والسعودية من جانبٍ آخر، متمثلين في المعارضة السورية المسلحة المدعومة خليجيًا من جانب، والنظام السوري والمليشيات الإيرانية من جانبٍ آخر.
هذا الطرح الذي يعتبر أمر نزوح الأسد وقواته من دمشق ما هي إلا مسألة وقت لا أكثر، يفتح التساؤل لكون هذا الأمر بداية في مشروع تقسيم سوريا الذي يتحدث عن دولة علوية في الساحل تحت إمرة الأسد، أم أن القوى الغربية لن تسمح بهذا الأمر، وأن سقوط دمشق سيعني المواصلة حتى سقوط اللاذقية بالأسديين.
لكن الموقف النهائي الغربي بقيادة الولايات المتحدة ينظر إليه ويُحدد في إطار الحرب على داعش أيضًا وليس مجرد فكرة سقوط الأسد في حد ذاتها، فإيران هي حليف قوي الآن للولايات المتحدة في العراق من خلال الحرب على داعش بالعراق، والسماح الأمريكي للسعودية وتركيا بالدخول في مواجهة بالوكالة مع إيران على أرض سوريا تراه الولايات المتحدة سيصب في مصلحة داعش وتمددها لا أكثر ولا أقل، وأنه يجب قبيل التفكير في إزاحة الأسد التفكير في كيفية القضاء على داعش نهائيًا في سوريا وتحديد ملامح مرحلة ما بعد الأسد، كذلك يجب الوضع في الاعتبار التساؤلات حول من سيكون مؤهلًا للقيام بهذه المهمة على الوجه الأمثل، هل هي المعارضة السورية المسلحة بأطيافها المتنوعة التي تتضمن بعض عناصر من تنظيم القاعدة؟ أم أن الولايات المتحدة ما زالت ترى إيران العنصر الأفضل في مواجهة داعش بشهادة العراق؟
استراتيجية الولايات المتحدة في سوريا حتى الآن غير واضحة لضبابية المشهد، فما زالت هناك محاولات لدعم حركات سورية معارضة مسلحة للانضمام للتحالف الدولي ضد داعش في المقابل فك التحالف الإيراني الأمريكي ضد داعش الذي أُقيم على مضض بمنطق المصلحة ومن مقتضياته حتى الآن بقاء الأسد، ولكن لا يوجد لذلك جدوى حتى الآن.
كما أن كافة الفصائل القوية المعارضة في سوريا تحمل أجندات مضادة للولايات المتحدة ولا ترحب بداعش في نفس التوقيت، فثمة مأزق حالي على حلفاء أمريكا أن يتجاوزه إذا أرادوا التخلص من الأسد ونظامه، وذلك بتقديم ضمانات للولايات المتحدة بما ستكون عليه شكل الأمور عقب سقوط نظام الأسد نهائيًا، وتحديد ما إذا كان أمر سقوط الأسد ستؤول منفعته في النهاية إلى داعش بسوريا أم لصالح القضاء على التنظيم هناك، أم ستضطر الولايات المتحدة للقبول بالعرض الإيراني الذي يقضى ببقاء الصراع مشتعلًا ولكن على هيئة دويلات سيكون للأسد نصيب منها بدولة علوية قريبة في اللاذقية سينزح إليها ليقود منها عملياته ضد المعارضة.