عقب إعادة الهيكلة التي حدثت بالبيت الداخلي السعودي، من خلال قرارات العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز، حيث أعفى ولي العهد من منصبه “مقرن بن عبدالعزيز” الذي عينه الملك الراحل عبدالله وليًا لولي العهد، كما عين سلمان الأمير “محمد بن نايف” في منصب ولي العهد، ووضع ابنه الثلاثيني “محمد بن سلمان” وليًا لولي العهد بجانب كونه وزيرًا للدفاع، بالإضافة لإعفاء سعود الفصيل وزير الخارجية التاريخي للمملكة، وبعض التعديلات الوزارية الأخرى.
هذه التعديلات التي غيرت من التسلسل القيادي الوراثي داخل الأسرة الحاكمة بالمملكة “آل سعود”، حظت بشبه قبول شعبي بعدما أطاحت ببعض الوجوه القديمة في الأسرة الحاكمة، لكنها بالطبع لم ترضِ الجميع داخل الأسرة، وإن لم يبد البعض امتعاضه الظاهر، لكن ثمة رجل واحد هو من أبدى اعتراضه على هذه التغييرات هو الأمير “طلال بن عبدالعزيز آل سعود” الذي أعلن امتعاضه من هذه القرارات علانيةً من خلال تغريدات دونها على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” واصفًا إياها “بالقرارات الارتجالية”، مضيفًا في تدوينة مطولة: “أنها لا تتفق مع شريعتنا الإسلامية ولا أنظمة الدولة وسبق لي أن ذكرت في هذا الموقع أنه لا سمع ولا طاعة، وبالتالي لا بيعة لمن خالف هذا وذاك”، فالأمير طلال يرى أن قرارات الملك سلمان لا تتفق مع الشريعة الإسلامية وبالطبع فلا سمع ولا طاعة لمن أتى في المناصب عبر هذه القرارات.
فوجئت عند نهاية العهد ما قبل الحالي وهذا العهد بقرارات ارتجالية أعتقد بعد التوكل على الله أنها لا تتفق مع (cont) https://t.co/dzheCz5NS2
— طلال بن عبدالعزيز (@TalalAbdulaziz) April 29, 2015
الرجل الذي اختلف مع إخوته أبناء عبدالعزيز لسنوات عدة يرى أن هذه القرارات أتت مخالفة لما اتفق عليه في اجتماعات مكة بين أبناء عبدالعزيز، داعيًا إلى اجتماع عاجل لهيئة البيعة مع أبناء عبدالعزيز وأعضاء مجلس الشورى وهيئة كبار العلماء للنظر في هذه القرارات، فمن هو هذا الرجل الذي تجرئ وحده على انتقاد هذا التغييرات بهذه الصورة العلنية؟
طلال بن عبدالعزيز هو الابن الثامن عشر من أبناء الملك عبدالعزيز الذكور، وهو أخ للملك الحالي سلمان بن عبدالعزيز، تقلد عدة مناصب داخل الدولة السعودية منها وزير المواصلات، ونائبًا لوزير المالية، ثم تولى زارة المالية بعد ذلك.
أسس طلال حركة سياسية داخل المملكة بزعامته وعضوية أمراء بالأسرة الحاكمة عقب التوترات التاريخية التي سادت بين الملك فيصل والملك سعود، وكان أبرز أمراء الحركة هم الأمير مشاري بن عبد العزيز آل سعود، والأمير بدر بن عبد العزيز آل سعود، والأمير تركي الثاني بن عبد العزيز آل سعود، والأمير فواز بن عبد العزيز آل سعود، والأمير مساعد بن عبد العزيز آل سعود، والأمير نواف بن عبد العزيز آل سعود، والأمير سعد بن عبد العزيز آل سعود الذين اضطروا جميعًا إلى الخروج من السعودية على خلفية هذه الحركة التي دعت إلى الملكية الدستورية، وفصل الأسرة الحاكمة عن الحكم، وإنشاء حياة برلمانية داخل المملكة والمساواة بين الرجال والنساء.
بعد طرد الأمير طلال إلى مصر، استضافه جمال عبدالناصر نكايةً في الملك فيصل الذي كانت بينه وبين الملك فيصل عداوة صريحة، فسحبت منه الجنسية السعودية، وتنازل عن لقب الأمير، إلى أن تم العفو عنه في منتصف الستينيات بشروط ملكية وهي عدم تدخله في شؤون الحكم، حتى انشغل الأمير طلال بأعمال تنموية بعيدة عن السياسة، كان أبرزها تأسيس “برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية”.
هذه ليست المرة الأولى التي يخرج فيها الأمير طلال بن عبدالعزيز معلنًا اعتراضه على قرارات ملكية بعد عودته إلى السعودية، فبعد تعيين الأمير نايف بمنصب ولي العهد إبان حكم الملك عبدالله، ثم وفاته وتعيين سلمان في منصب ولي العهد، اعترض الأمير طلال وعلى إثره استقال من هيئة البيعة، مؤكدًا أن القرار تم بدون اجتماع لهيئة البيعة للتشاور في ترشيح اسم الأمير سلمان آنذاك لمنصب ولي العهد، غير أن الرجل معروف بآرائه التي تنتقد الأسرة الحاكمة في السعودية والنظام الملكي عامةً الحاكم في السعودية، حيث يرى أن هذا النظام من الحكم لم يعد يناسب هذه العصور، متوقعًا انهيار بقايا الحكم الملكي في العالم العربي.
تعد هذه القرارات انقلابًا في القصر السعودي وانتقالًا بالسلطة من الجيل الثاني في المملكة إلى جيل الأحفاد مباشرةً، ما أثار امتعاض عدد من الأمراء الباقين من الجيل الثاني الذين يرى معظمهم أنهم أولى بولاية العهد من الشاب الصغير محمد بن نايف، حيث تجاوزت القرارات الأمير طلال بن عبدالعزيز، والأمير عبدالإله بن عبدالعزيز مستشار الملك سلمان الحالي، والأمير ممدوح بن عبدالعزيز أمير منطقة تبوك السابق، والأمير تركي الثاني بن عبدالعزيز، والأمير عبدالرحمن بن عبدالعزيز، والأمير أحمد بن عبدالعزيز، إلا أن المعارضة العلنية الأبرز والتي كانت مفاجأة للجميع بسبب حدتها جاءت من الأمير طلال بن عبدالعزيز، بينما قبل آخرون من نفس الجيل بهذه القرارات وبايعوا الأمير محمد بن نايف والأمير محمد بن سلمان في مواقعهم القيادية الجديدة حسب القرارات الملكية.
الجدير بالذكر أنه على النقيض من والده بايع الابن الثاني الأمير “الوليد بن طلال” نجل الأمير طلال بن عبدالعزيز، الأمير محمد بن نايف وليًا للعهد، والأمير محمد بن سلمان وليًا لولي العهد على عكس موقف والده الرافض لهذه القرارات، حيث نشر هذه البيعة في تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، لتثير هذه القرارات موجة من الجدل حول كيفية تدوال السلطة في المملكة العربية السعودية.
بايعت أخي الأمير #محمد_بن_نايف
بولايةالعهد
بايعت أخي الأمير #محمد_بن_سلمان
بولايةولي العهد
لخدمةالدين ثم الملك والوطن pic.twitter.com/eB5Pkwjfyd— الوليد بن طلال (@Alwaleed_Talal) April 29, 2015