إن دوائر صنع القرار السياسي الأمريكي لم تنفك وهي تسعى إلى طرح حلول سياسية وعسكرية لأزمات العراق المستعصية سياسيًا وعسكريًا، ويبدو أن الالتزام الأخلاقي للولايات المتحدة الأمريكية حيال العراق جعلها تسعى دومًا للوصول لكل ما من شأنه انتشاله من هذا الواقع المظلم حتى وإن كانت النتيجة تقسيمه، فقد كانت هناك العديد من المحاولات لطرح رؤى سياسية وعسكرية للحل، بدأت من خلال مشروع القانون الذي طرحه نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن، لتقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم: الأكراد في الشمال، السنة في الوسط، والشيعة في الجنوب، إلا أن هذا المشروع لم يُكتَب له النجاح نتيجة العديد من المتغيرات الداخلية العراقية والإقليمية والدولية لاقتناع الجميع بأن المصلحة هي بوحدة العراق.
أما اليوم فهناك الكثير من الأحاديث عن سعي أعضاء الكونغرس الأمريكي لمناقشة قانون جديد تحت عنوان “توازن القوى في العراق” وإقراره في جلسته الاعتيادية لهذا اليوم، فالأساس الذي يقوم عليه هذا القانون هو الاعتراف بمقاتلي قوات البيشمركة الكردية ومقاتلي القبائل السنية كقوات عسكرية، ليكونوا بمثابة قوات عسكرية موازية للمليشيات الشيعية المسلحة المدعومة إيرانيًا حسب ما جاء بنص القانون، وفي حال إقراره سيتم السماح بتدريب هذه القوات على يد القوات الأمريكية والقوات النظامية العراقية.
إذ صرحت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بدعمها الكبير لمساعدة الأقليات في العراق وتشجيعها إلى تفعيل نظام الحكم الذاتي، فضلاً عن الضغوط الأمريكية إلى الإسراع بإقرار قانون الحرس الوطني من قِبل البرلمان العراقي، حيث أشارت إلى أن هذا القانون هو للدفاع عن العراق بالنهاية، وأضافت أن هذا القانون (توازن القوى في العراق) سيعطي الحق إلى أي قومية وطائفة بتشكيل القوات العسكرية الخاصة بها مما يساعدها على اتخاذ التدابير الأمنية اللازمة لحفظ أمنها.
يبدو أن الإدارة الأمريكية لم ولن تتوانى هذه المرة عن العمل من أجل أن يُوضع هذا القانون حيز التنفيذ والذي هو بصيغة أو أخرى مشابه لقانون الحرس الوطني الذي يسعى البرلمان العراقي لإقراره بعد أن يوضع الإطار العام له من حيث الهيكلية والتنظيم، إلا أن مشروع القانون الأمريكي ذهب إلى أبعد من ذلك من خلال إعطاء الحق لكل طائفة أو قومية بتشكيل قوات عسكرية خاصة بها، في الوقت الذي يتحدث فيه قانون الحرس الوطني عن تشكيل قوات عسكرية داخل كل محافظة أو إقليم والابتعاد عن أي صبغة طائفية أو قومية وتكون بمثابة قوات شرطة محلية فضلاً عن كونها قوات تقوم بحفظ الأمن والاستقرار.
ولكن السؤال الأهم هو أين مصلحة العراق من قانون توازن القوى المسلحة؟ بالتأكيد فإن العراق هو الخاسر الأكبر من هذا القانون، فإذا كان الهدف من هذا القانون هو حل معضلة العراق الأمنية، فباعتقادي هذا القانون سوف يزيد من حالة الفراغ الأمني كونه سوف يعالج المشكلة بإيجاد مشكلة أكبر ألا وهي خلق مزيد من المليشيات المسلحة ذات الصبغة الطائفية والقومية، فقد كان من الأجدر أن ينص مشروع القانون صراحة على دمج أي قوات عسكرية حديثة التكوين ضمن المنظومة العسكرية العراقية، ثم ما هي الغاية من إيجاد قوات عسكرية جديدة في الوقت الذي يوجد فيه جيش قوامه 300000 جندي مع اتفاق الجميع على محدودية إمكاناته التكتيكية والإستراتيجية، كما أنه إذا كانت الحجة التي جاء على أساسها هذا القانون هو بوجود مليشيات شيعية متنفذة، فيمكن الضغط على الحكومة العراقية للقيام بعملية أمنية واسعة النطاق لنزع سلاحها ودمج من يرغب بصفوف القوات الأمنية أو أن يكونوا جزءًا من قوات الحرس الوطني.
من خلال ما تقدم يمكن القول إن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى من خلال هذا القانون إلى خلق حالة من التوازن الأمني في العراق من خلال تشكيل قوات عسكرية تكون بمثابة قوات ردع بيد الجماعات السياسية المتصارعة، ويبدو أنها تناست هموم المواطن العراقي حيال الواقع السياسي والعسكري والأمني، وعدم إدراكها بأن المستهدف الأول من هذا القانون هو المواطن العراقي كونه سيكون الهدف الرئيسي في حالة اندلاع أي خلاف سياسي والذي سينعكس سلبًا على الواقع الأمني المتهالك، فضلاً عن أن هذا القانون جاء ليعكس مدى حالة القصور الإستراتيجي الذي تعاني منه دوائر صنع القرار السياسي والأمني الأمريكي.