معظم المتابعين لم يكونوا يتوقعون أن تصل الأزمة إلى هذا الحد، لكن الجمهوريون نفذوا وعدهم بإغلاق أبواب الحكومة الأمريكية، حتى يستجيب الرئيس أوباما لمطالبهم بتأجيل برنامج الرعاية الصحية، المعروف باسم “أوباما كير”؛ وفشل الكونجرس في إقرار الميزانية الأمريكية للعام المالي 2013 – 2014. فالأول من أكتوبر (تشرين الأول) هو أول يوم في العام المالي 2014 وهو أيضا أول يوم لتفعيل الكثير من بنود قانون الرعاية الصحية، كما أن أسواق التأمين الصحي التي تم توفيرها عن طريق القانون كان سيتم تدشينها في نفس اليوم.
لكن الحكومة الأمريكية أصبحت بدءاً من الساعة 12 صباح الأول من أكتوبر دون تمويل، وأصبح نحو 800 ألف عامل في الحكومة الأمريكية، الذين يعملون في وظائف غير أساسية، في إجازة دون أجر بسبب عدم وجود اعتمادات لصرف أجورهم.
هذه هي المرة الأولى منذ سبعة عشر عاما التي يلجأ فيها الكونغرس ذي الأغلبية الجمهورية لإغلاق الحكومة، كانت آخر مرة أغلقت جهات اتحادية في الحكومة الأميركية أبوابها في نهاية عام 1995 إبان حكم الرئيس الأسبق بيل كلينتون.
ما المشكلة؟
المعروف أن أميركا، من بين الدول المتقدمة، التي لا يقرر فيها الرئيس سقف الدين الحكومي بل الكونغرس (المجلس التشريعي بشقيه الشيوخ والنواب). ومنذ أصبحت أغلبية مجلس النواب للجمهوريين في الانتخابات التكميلية الأخيرة، يعاني الرئيس الديمقراطي باراك أوباما من المساومات بشأن الميزانية.
المشكله تكمن في أنه لم يتم الموافقة على ميزانية للحكومة، فقد إقترح مجلس الشيوخ العمل بقرار إستثنائي يقضي بتمديد السنة المالية الحالية إلى ديسمبر 2013 حتى يكون هناك وقت إضافي لإستمرار المفاوضات الخاصة بمراحل التمويل. ومع وجود أصوات كافية لتمرير القرار، رفض السيناتور جون بينر (رئيس الكونغرس) إجراء تصويت عليه. وهذا خوفا من تنحيته من قبل معارضي القرار والذين سيتم دعمهم من قبل أعضاء الحزب الديموقراطي، وقد طلب العديد من أعضاء الشيوخ الجمهوريين مثل تيد كروز ومايك لي تأجيل أو تعديل قانون الرعاية الميسرة في مقابل تمرير القرار الإستثنائي. وقد قدم كروز خطابا دام لمدة 21 ساعة للفت الإنتباه إلى أهدافه.
من المتضرر؟
حسب التقديرات الأولية هناك أكثر من 700 ألف موظف اتحادي (فيدرالي) لن يذهبوا لأعمالهم بدءا من اليوم حتى تحل مشكلة الميزانية. وإذا استمرت الأزمة سيزداد العدد وتغلق جهات أخرى، حتى أن بعض موظفي البيت الأبيض سيتم وقفهم عن العمل.
في وزارة كوزارة الطاقة مثلا يتم وقف أغلب موظفيها (أكثر من ثلاثين ألفا) عن العمل باستثناء من يتعاملون مع وصول الطاقة للمنشآت النووية والحيوية الأخرى.
وفي وزارة المواصلات على سبيل المثال لا يتم وقف سوى عدد صغير من العاملين، لأن المراقبين الجويين ومراقبي الحركة الآخرين لا يمكن وقفهم عن العمل.
أما وزارات كالدفاع مثلا، فلن يتأثر 1.4 مليون من القوات العاملة بها.
وينتظر أن تغلق حدائق ومتاحف في واشنطن أبوابها كما سيؤجل صرف شيكات المعاشات والمحاربين القدماء وستعاني تعاملات كروت الائتمان وجوازات السفر معوقات لإتمامها.
ما التبعات؟
يصر الجمهوريون على أن برنامج الرعاية الصحية لإدارة أوباما مسؤول عن زيادة الدين الحكومي وعجز الميزانية. إذا تخلفت الحكومة عن سداد دينها، يصبح الوضع مع عودة الاقتصاد إلى الركود أمام احتمال الإفلاس. ولم تتخلف أميركا اطلاقا عن سداد ديونها، لكن مفاوضات الميزانية العام الماضي جعلت مؤسسات التصنيف الائتماني تخفض تصنيفها للدين السيادي الأميركي للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة.
واذا لم يوافق الكونغرس في غضون أسبوعين، ولو على ميزانية تكميلية مؤقتة لمدة ثلاثة أشهر، قد يخفض تصنيف الدين الأميركي مجددا بعدما فقد وضع “الممتاز” العام الماضي. ولا يعرف وقتها كيف ستكون التبعات على الاقتصاد العالمي من مشكلة أكبر اقتصاد في العالم.
ووفق استطلاع أجرته شبكة سي إن إن فإنّ ما لا يقل عن 68 بالمائة من الأمريكيين يعترضون على إغلاق الحكومة مقابل 27 بالمائة يرون فيها أمرا جيدا. كما تنحى غالبية الأمريكيين باللائمة على الجمهوريين قائلين إنّ سلوكهم “صبياني.”
ووفقا للاستطلاع فإنّ الأمريكيين لا يدعمون عملية الإغلاق الفيدرالية كما هو الأمر بالنسبة إلى أسواق الأسهم، لكن في الأثناء يتبادل أعضاء الكونغرس من الجانبين الديمقراطي والجمهوري التهم إزاء الأزمة.
وكانت قد توالت في نفس السياق ردود الفعل الدولية فقد صرح رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون بأن ما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية يجب أن يكون جرس إنذار للمملكة المتحدة والتي يجب عليها التخطيط جيدا لتقليل عجز الموازنة. وقد أتى هذا الخطاب لتعزيز إجراءات التقشف التي تتخذها حكومته الحالية ولا تلقى شعبية