ترجمة وتحرير نون بوست
إذا رأيت شخصًا يقبّل الملعقة قبل أن يبدأ بتناول طعامه، أو جماعة تقبّل يد بعضها البعض عندما تلتقي، فكن متأكدًا حينها أنك التقيت بأتباع العصر الحديث لمولانا جلال الدين الرومي، أو المولوية.
المولوية – والتي تعرف في الغرب باسم الصوفية – هي مدرسة فكرية دينية إسلامية مستقاة من فكر الشاعر والمفكر الإسلامي جلال الدين الرومي، الذي ولد عام 1207 في أفغانستان، وتوفي عام 1273 في محافظة قونيا بتركيا.
في كتابه (المثنوي) الذي كتبه إثر خسارة صديقه المقرب شمس الدين التبريزي، ركز الرومي على ثقافة الحب والتسامح والمحبة، وبنى إرثًا دينيًا، ترك تأثيره وانطباعاته على جميع أنحاء العالم، وخاصة في تركيا، إيران، أذربيجان، أفغانستان، وأسيا الوسطى.
السياح في تركيا يألفون رقصة الدراويش الدورانية الصوفية المبدعة، ولكن قصة هذه الجماعة تغور عميقًا وتختفي خلف هذه التهجدات المتضرعة لله تعالى، حيث يقول أحد كبار الدراويش – يسمى ديدي أو المرشد الروحي – قدري يتيس (78 عامًا) وهو مهندس إلكتروني أساسًا “أنصح طلابي دائمًا ألا يقولوا عن أنفسهم بأنهم مولوية، لأن في هذا ضرب من الأنانية، يجب أن يلاحظ الأشخاص أنهم مولوية من تصرفاتهم ومواقفهم تجاه كل شيء”.
من المعروف عن أتباع الطريقة المولوية تسامحهم ولطفهم والتزامهم، مما يفصلهم عن الوتيرة المحمومة التي تتميز بها الحياة اليوم، “المولوية لديهم احترام متبادل لتساوي حق الوجود لدى كل كائن في هذا العالم”، تقول ناجيهان جيفتارلار (38 عامًا) إحدى طلاب يتيس، ومن أوائل النساء اللواتي انضممن إلى دراويش المولوية في تركيا، والتي تعمل كمحاسبة في “مهنتها الدنيوية” – كما تسميها – “هناك بعض الجماعات التي تؤدي رقصات الدراويش المبدعة بالجمع بين المؤدين الذكور والإناث معًا، ولكن تاريخيًا وتقليديًا يجب أن تتم تأدية الرقصات بشكل منفصل”.
في منتصف ديسمبر من كل عام يتجمهر آلاف من الناس، وخاصة في قونيا، لرؤية عروض الدراويش المولوية، ويحضر هذه العروض والاحتفالات أهم رجالات الدولة، مثل الرئيس التركي ورئيس وزراء الحكومة التركية.
تستند حياة المولوية إلى الانضباط وقواعد السلوك، وفقًا لما تذكره مؤسسة مولانا الدولية، وهي المؤسسة المسؤولة عن الطريقة المولوية، والتي تأسست في عام 1996 في مدينة قونيا حيث دُفن جلال الدين الرومي، ورئيسها هو فاروق حمدان شلبي، الحفيد الثاني والعشرون لجلال الدين الرومي.
وفقًا للتقاليد، يوجد ترتيب هرمي في نظام المولوية، فيتبع الشلبي أو “المولى” الشيوخ أو “المعلمون الروحيون”، ومن بعدهم الدراويش “المعلمون”، أما بقية المجتمع المولوي فيسمون كان أو “زملاء الروح”.
يقول فاروق حميد شلبي “على الرغم من أن الصوفية لها شعبية كبيرة جدًا، وخاصة في تركيا، إلا أن مضمونها الحقيقي غير معروف حقًا لدى أغلب الأشخاص”، كما ينتقد الشلبي قيام الناس بدعوة الدراويش للغناء في المناسبات مثل حفلات الزفاف أو افتتاح المحلات.
تم إغلاق التكيات المولوية أو السمعخانات – وتعني أماكن السمع التابعة للمولوية بالتركية – عام 1925 من قِبل الحكومة التركية في عهد أتاتورك في محاولة لنقل البلاد إلى المنهج العلماني، ولكن مع ذلك، ابتداءً من عام 1953، سمحت الحكومة التركية للمولوية الدراويش بتقديم رقصاتهم في العروض العامة في قونيا، وفقًا لما ذكره الشيخ الأمريكي والباحث الرومي إبراهيم جامراد (67 عامًا).
جامراد هو طبيب نفسي مرخص، ومؤلف لكتابين عن جلال الدين الرومي، حيث استقر به المطاف لاعتناق التصوف الإسلامي، بعد أن جرب جميع الممارسات الروحية من كافة تقاليد العالم، ولكن “الصوفية كانت محببة لي أكثر من غيرها” وفقًا لجامراد.
ويقول جامراد الذي اعتنق الإسلام بعدها “إن نهج المولوية هو باطني تصوفي إسلامي، ولكن في الغرب يرغبون في فصل الإسلام عن التصوف، حتى إنهم يمارسون الصوفية، ويقرأون كتبها بشكل منفصل عن الإسلام، وكتب جلال الدين الرومي تحظى بشعبية واسعة في الولايات المتحدة الأمريكية”.
يشير الشلبي أنه يوجد حوالي 101 سمعخانة أو تكية مولوية في جميع أنحاء العالم، منتشرة من بغداد إلى مقدونيا، ومن مصر إلى بلغاريا، ويضيف أن السمعخانات أو التكيات المولوية في تركيا تابعة للحكومة التركية حاليًا، ويردف قائلًا “تقدير العدد الدقيق لأتباع الطريقة المولوية أمر صعب، فمن الصعب حقًا أن تعطي رقما دقيقًا عن عدد المولوية في عالم اليوم، ولكن على الرغم من وجود العديد من المتعاطفين، بيد أن عدد المولوية لا يتجاوز الـ1000 إلى 1500 مولوي، إن عدد الناس الذين يدرّسون الطريقة المولوية يتناقص كل يوم”.
“مجرد قراءة كتاب جلال الدين الرومي لا تجعل الشخص جزءًا من المولوية” يقول المعلم يتيس، ويتابع “يجب على المرء أن يتخلى عن أناه وغروره ويحترق في الأوجاك “أو الموقد” – وهو المكان الذي يتجمع فيه المولوية -“، ويضيف يتيس مشيرًا إلى كلمات الرومي “يقول مولانا: كنت نيئًا ثم نضجت ثم احترقت، ويمكن تفسير هذه العبارة الصوفية بالقول: لم أكن شخصًا راشدًا، ولكنني عانيت، ونضجت، وأصبحت مستنيرًا”.
المولويون هم أناس طبيعيون، كأي إنسان آخر، بعضهم طلاب ويدرسون، وبعضهم موظفين، والبعض الآخر من رجال الأعمال، كما يقول يتيس.
ملابس الدراويش المولوية مثقلة بالرمزية الصوفية، فالقبعة المخروطية التي يعتمرها الدراويش “اسمها بالتركية سيكيه وفي بلاد الشام تدعى بالكلّة” تمثل شواهد القبور في دلالة رمزية إلى موت الأنا والغرور، والعباءة السوداء لها دلالة على القبر، والصدرية البيضاء هي الغرور بحد ذاته.
باكير ينيرير هو أحد الدراويش المولوية يبلغ من العمر 55 عامًا، رجل أعمال متقاعد اختار طريق الدراويش قبل تسع سنوات، ويوضح باكير أنه لم ينشأ في أسرة متدينة، ولكنه لطالما كان قريبًا من مفهوم الله، وفي سن الـ46، واجهته مشاكل في حياته الشخصية وفي عمله، ورمته الأقدار ليتعرف على قدري يتيس، ويتعرف على المنهج المولوي، وبعد سنة واحدة من التدريب، قدّم أول رقصة مولوية “دائرية”، أو ما يسمى برحلة الصعود الروحي.
“بعد أن بدأت بتعلم المولوية الصوفية تغيرت حياتي كلها تلقائيًا، لقد فتحت لي أبواب جديدة في حياتي” يقول ينيرير، ويتابع “عالمنا اليوم هو مكان صعب، فنحن نعيش في بيئة تتشابك بها جميع القيم، نحن نعيش في سيناريو متسارع نذهب فيه إلى العمل ونعود إلى المنزل ونحن في عجلة من أمرنا لإرضاء غرورنا، ولكن عندما نتراجع خطوة واحدة إلى الوراء، تبزغ الصوفية، وحينها نبدأ بالتفكير، لماذا نقوم بكل هذا؟”.
المصدر: ميدل إيست آي