ما هو مستقبل الدولة العلوية المتوقعة؟

6e3b8a3c-285b-4d83-858a-075f76230349

يرى البعض أن خيار الدولة العلوية ليس خيارًا جديدًا بالنسبة لسوريا، فهو خيار تاريخي كان موجودًا بالفعل في الفترة ما بين (1926-1934) قبيل ظهور ما سمي بعد ذلك سوريا الكبرى، فشاطئ البحر المتوسط رأى دولة للأقلية العلوية بالفعل في اللاذقية وطرطوس، حيث أعطاها الفرنسيون في ذلك الوقت استقلالًا حقيقيًا، ولم تكن جزءًا من العموم السوري، حتى قرر الفرنسيون توحيد سوريا والقضاء على الطابع العلوي لحكم هذه المنطقة، ولكنهم لم يقضوا على التواجد الفعلي المكون من الأغلبية العلوية بهذه المناطق.

فمع تراجع قوة نظام الأسد في الآونة الأخيرة، أصبحت تطلعات النظام للعودة إلى الاصطفاف على الشاطئ في كيان خاص يحافظ على شكل نظام الأسد لقتال المعارضة من نقطة ارتكاز جديدة بخلاف دمشق التي أصبحت شبه محاصرة، وفي هذه الأثناء يتم تداول أحاديث إقليمية عن هذه الضرورة من جانب إيران التي ترى أنها ربما تضطر إلى حماية الأسد في اللاذقية بدلاً من دمشق.

قوى إقليمية عربية كذلك تدرك ما يرنو إليه نظام الأسد في سوريا حال سقوطه في دمشق، أظهر ذلك الملك عبدالله الثاني العاهل الأردني، الذي دعا المعارضة السورية إلى أن تمد يدها إلى العلويين، بحيث يشعرون بأن لهم مصلحة ومكانة في مستقبل سوريا والعمل لضمان إشراكهم في عملية الانتقال السلمي، كما حذر من احتمال لجوء الرئيس السوري بشار الأسد إلى تكوين “جيب علوي”، بهذا صارت الدولة العلوية شبحًا جديدًا يرواد الإقليم.

فبعد أن كثر الحديث عن إمكانية إقامة جيتو علوي في اللاذقية وطرطوس، تلقى العلويون هذه الأخبار بشيء من التخوف والحذر مع عدم إخفاء أمنيات قديمة، فالدولة العلوية قد تقلل في وجهة نظر البعض من استهدافهم في أنحاء سوريا، بعدما وضعهم النظام برغبة منهم أو بغير رغبة منهم كطرف في الصراع الدائر، حتى أصبح استهدافهم من قِبل فصائل المعارضة شيئًا واضحًا بصفتهم الداعم الأول لنظام الأسد.

هذا ويشير محللون إلى أن إقامة دولة علوية يبدو مستحيلاً من الناحية الجغرافية، كذا يرى نفس الأمر بعض العلويين الذين لم يرحبوا بهذا الأمر، إذ إنه يصعب أن تعيش وتحيا دولة ضمن محيط وحدود كلها معادية من الناحية الطائفية، فهناك تركيا السنية في الشمال، وإدلب وحلب السنيتان في الشرق، حماة وحمص من الجنوب الشرقي، وأيضًا طرابلس اللبنانية السنية في جنوبها، ما يعني دخول الدولة الجديدة في صراعات طائفية قبيل أن تنشأ من الأساس.

تحدثت تقارير دولية عن عمليات نقل وتخزين للأسلحة الثقيلة والسلع الإستراتيجية في مناطق الساحل السوري، في حين يعمل النظام السوري على تجييش الطائفة العلوية معه في هذا الحين برسالة مفادها أنه هو حامي الأقليات وموجهًا حديثة للعلويين، وإيهام هذه الأقليات بأن رحيل النظام سيؤدي إلى الاقتصاص منهم وتصفيتهم.

فيما قال محللون بأنه لا يمكن الحديث عن الطائفة العلوية بوصفها كتلة واحدة، فطرح النظام الذي يضع العلويون معه في طائفة واحدة لا يعني أنهم بالفعل معه قلبًا وقالبًا، وإنما هي محاولات توريط للتمترس بهم، لإطالة حياة النظام لا أكثر، وسبب توريط العلويين في سوريا مع النظام ظاهر جدًا، فالضباط العلويون الذين يشكلون غالبية قيادات الجيش والأجهزة الأمنية في نظام الأسد، أكثرهم متورطون في القمع والفساد داخل سوريا، ولا يتوقع من هؤلاء أن يتراجعوا، لأن ذلك سيكون بمثابة انتحار لهم، فيما يستخدمهم النظام في الترويج لمخطط طائفي كمحاولة أخيرة للحفاظ على بقائه.

وهذا ما أكده الباحث السوري بالمركز العربي للدراسات والأبحاث حمزة المصطفى الذي يرى أن النظام السوري ليس نظاما طائفيا بقدر ما هو نظام ديكتاتوري يلعب على وتر تسييس الهويات، حيث أكد أن مشروع الدولة العلوية مشروع افتراضي يصعب تحقيقه في الواقع لأن المناطق التي يتركز فيها العلويون ليست خالصة لهم، بالإضافة إلى مقاومة مكونات الشعب السوري لهذه الفكرة، مشيرًا إلى أنه لا يوجد إجماع بين العلويين على هذا الطرح.

في حين يتساءل العلويون أنفسهم عن مستقبل هذه الدولة المزعومة ومن سيقوم بحمايتها وإلى متى، معتبرين أن التدخل الشيعي الإيراني سيزيد من حدة التوترات الطائفية ضدهم، خاصة وأن التدخل الإيراني لم يفلح في حماية النظام في دمشق فكيف سيحمي العلويين في الساحل؟

فالحديث عن نقل العاصمة السورية إلى الساحل يراه السوريون بوادر للتقسيم، وهو ما يثير تساؤلات عن رد فعل السنة في الساحل الذين ستهبط عليهم دولة علوية جديدة يتزعمها بشار الأسد، وهو ما سيؤدي إلى مقاومة داخلية لهذه الدولة في المناطق التي يسيطر عليها السنة في الساحل بمدن اللاذقية وطرطوس.

فمنذ أكثر من عامين والنظام ينقل كتائب من الحرس الجمهوري، ويجعل مقراتها في قرى جبلة والقرداحة وطرطوس، وهذا ما وجد فيه متابعون دليلاً على عزم النظام تأسيس دولة علوية في الساحل السوري، كما أعاد نظام الأسد ترميم البنى التحتية للمدينة، وأقام عدة مبان كبيرة على مدخلها الجنوبي، وأعلن عن افتتاح جامعة حكومية فيها، ستبدأ التدريس في سبتمبر من هذا العام، كما وسع ميناءها البحري العام الماضي، إضافة لزيادة عدد المدارج بمطار القرداحة القريب وتوسعة صالة الركاب فيه.

يقوم هذا السيناريو الذي يتبناه النظام على افتراض أن إقامة دويلة علوية هي آخر أوراقه، فلدى تيقن النظام الأسدي من السقوط سوف ينسحب مناصروه إلى الجبال الساحلية في المنطقة التقليدية لطائفة العلويين، وهي المطلة على البحر المتوسط بين جسر الشغور في الشمال بالقرب من الحدود التركية وتلكلخ في الجنوب بالقرب من الحدود مع لبنان، والإعداد لذلك الأمر قائم منذ أشهر، حيث تشهد هذه المنطقة هجرة سكانية داخلية للعلويين وتحصينًا أمنيًا يقوم على تطهير الجيوب السنية بهذه المناطق، وربما سوف يجد مثل هذا السيناريو دعمًا خارجيًا محدودًا من روسيا، في مقابل دعمًا قويًا من إيران وحزب الله اللبناني.

لكن هذا السيناريو بعيد الاحتمال لأسباب داخلية وخارجية؛ ففي الداخل قد تصبح المنطقة العلوية مكانًا آمنًا لانسحاب الأسد، لكنها لا تصلح لإقامة دولة علوية على الساحل السوري، فالطبيعة الجغرافية لا تجعل من هذه الجبال قاعدة لإقامة دولة مفاجئة بهذه الصورة، وليس لديها اقتصاد منفصل، ويصعب أن يكون نظام الأسد خطط لهذا، وإضافة لذلك ثمة شكوك كبرى في قيام عموم الطائفة العلوية بدعم وتأييد هذه الخطوة التي قد تعني إقصاء الطائفة بأكملها في حالة الفشل، فمن العلويين من تمرد على الأسد ونأى بنفسه عنه مثل رابطة تنسيقيات الساحل السوري ورابطة الإخاء الوطني والعيش الواحد في الساحل السوري وشباب الطائفة العلوية.

وخارجيًا يمكن القول إن القوى الغربية الكبرى والدول العربية سوف تسعى للحفاظ على سوريا موحدة، لأن من شأن ظهور دولة علوية تغيير خريطة المنطقة؛ فتلك الدولة قد تنقل العنف إلى الدول المجاورة، وستكون ملاذًا لإيران وللحليف الروسي، وربما مأوى للأسلحة الكيماوية كذلك، وسوف تؤجج الصراع المذهبي في المنطقة كلها التي بدأت تعاني منه بالأساس، كما ستشجع على انفصال الأكراد أيضًا، بيد أن هذا الكيان المزمع إقامته لن يتمكن من الحصول على الدعم الإيراني والروسي الذي يجعله على قيد الحياة، في ظل حرب مستعرة ستقوم من القوى الإقليمية العربية عامة والخليجية بالتحديد على مثل هذه الدولة المزعومة.