أقطاب
كما للسياسة أقطاب عالمية تختلف باختلاف الأزمنة، للرياضة كذلك أقطاب، وبما أن لكرة القدم حصة الأسد من الاهتمام العالمي بين الرياضات، فإن لنجومها مكانة مرموقة بين صفوف المشاهير على سطح المعمورة، شأنهم شأن ساسة العالم ونجوم هوليود وغيرهم من صانعي الحدث وجاذبي الأضواء في نشرات الأخبار، ولكن مع اختلاف غير بسيط يتلخص في أن كرة القدم وُجدت لصناعة المتعة والمشاهدة والإمتاع أولًا، لذا فإن نجومها من النوع المحبب – على الأغلب – وذلك لانعدام وجه الإيذاء في علاقتهم بالناس، أقصد المشاهدين بالطبع.
تاريخ
إذا بحثنا في تاريخ كرة القدم المعاصر – بما أن معلوماتنا عن تاريخها القديم محدودة للغاية – نجد أن لكل زمان من أزمنة كرة القدم دولة ورجال تقاسموا، في حينهم، كعكة المجد والشهرة وأصبحوا في وقتهم حديث الساعة بين الناس، وليس أشهر من الأرماندو الأرجنتيني مارادونا والجوهرة السمراء بيليه، اللذان أصبحا أيقونتين لكرة القدم عبر العصور وليس فقط لزمان محدود.
النابغتان
لوهلة، ظن المتابعون لشؤون المستديرة بأن زمن كرة القدم لن يجود بجوهرة تشبه طيبي الذكر مارادونا وبيليه، وبأن رحم الملاعب الخضراء قد عقم عن أن ينجب مثلهما، ولكن ظهور الظاهرتين، ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو طرد هذه الظنون وأحالها واقعًا لا يقبل الجدل: نحن في عصر نابغتين فريدتين يسطران بأقدامهما تاريخًا جديدًا للعبة الشعبية الأولى:
• ليونيل ميسي: الشاب الأرجنتيني المولود عام 1988 في روزاريو بالأرجنتين، والذي لاحظ كشافة النادي الكاتالوني برشلونة موهبته المبكرة التي لم تحجبها إصابته بمرض نادر يسبب نقص النمو الجسدي، فتم استقطابه – وهو ابن الـ 12 عامًا – والتكفل بعلاجه، وتنسيبه إلى أكادمية النادي (لاماسيا) حيث نمت موهبته وأينعت، لتثمر قطافًا غزيرًا لذيذًا جناه النادي، الذي لم يعرف النجم الأرجنتيني سواه بيتًا ومستقرًا طوال مسيرته الاحترافية حتى الآن.
• كريستيانو رونالدو: الشاب البرتغالي، المولود عام 1985 في ماديرا بالبرتغال، والذي بدأ حياته المهنية كمحترف مع نادي العاصمة البرتغالية سبورتنغ لشبونة، قبل أن ينقض عليه كشافة العملاق الإنجليزي مانشستر يونايتد، ليلعب هناك ويتألق، لدرجة لم تجعل قادة النادي الملكي ريال مدريد يترددون في دفع مبلغ – كان يُعد الأعلى في تاريخ الانتقالات حينها – لضم جوهرة ماديرا إلى عقدهم النفيس.
مقارنة فنيّة
إذا عقدنا مقارنة بين الرجلين من وجهة نظر فنية تقنيّة بحتة، نجد الأرجنتيني يتفوق على البرتغالي ببعض الخامات الفطرية التي تتناسب وجسده النحيل كسرعة المراوغة والانسيابية وسرعة البديهة، بينما يتفوق البرتغالي في عوامل أخرى كالقوة البدنية والاندفاع وقوة التسديدات واللياقة البدنية، وهي عوامل تتناسب وتكوينه الجسماني المتناسق، الذي لعب فيه التدريب والاجتهاد الدور الأكبر، فيما يتشابه النجمان في عوامل نفسية أهمها عقلية الانتصار وقوة الإرادة والتصميم.
كلاسيكو
شهرة ميسي ورونالدو ما كانت لتكتمل وما كان محبو المستديرة ليستمتعوا بفنّهما الراقي لولا تواجدهما في الناديين الشهيرين، برشلونة وريال مدريد، قطبي الكلاسيكو في الكرة الإسبانية بل والأوروبية العالمية، الذين تعدى شأنهما شأن أندية كرة القدم العادية، ليتحولا إلى مؤسستين ضخمتين متكاملين فاق تنافسهما الحيّز الرياضي وتعداه إلى حقول أخرى كالاقتصاد والتعليم وحتى السياسة.
نقطة الضعف
أما الحلقة الأضعف والتي يشترك بها النجمان على حد سواء، فتكمن في إنجازاتهما على صعيد المنتخبات، فمن يصدق أن النجمين الأرجنتيني والبرتغالي اللذين تناوبا إحراز لقب أفضل لاعب في العالم 7 مرات، لم يحرزا لقب كأس العالم مطلقًا، رغم مشاركتهما الدائمة في كؤوس العالم منذ عام 2002! ربما يقول قائل بإن سبب ذلك ضعف إمكانيات منتخبيهما، ولكن الواقع يقول غير ذلك وخاصة عندما يتعلق الأمر بالمنتخب الأرجنتيني العريق بطل كأس العالم مرتين سابقًا والذي كان ولايزال مرتعًا لكبار نجوم المستديرة، وقد لامس ميسي بالفعل أطراف المجد مع منتخبه في كأس العالم الأخيرة ببلوغه نهائي المونديال، ولكن طموح الماكينات الألمانية قضى على حلمه أو أجله لأربع سنوات على الأقل، وبدوره لم يخل المنتخب البرتغالي من نجوم قادرين بطبيعة الحال على لعب دور الداعم الأمثل للنجم الأول كريس في كل البطولات التي شارك فيها تقريبًا، ولكن النتائج كانت مخيبة للآمال تمامًا.
ليونيل ميسي بموهبته الفطرية وقدمه اليسرى التي تشبه المغناطيس وفكره الكروي الخصب الغني، مازال يقدم وجبات كروية شهية على مائدة عشاق المستديرة الخضراء، قوامها أهداف حاسمة وتمريرات حريرية، بلغت بناديه أقصى درجات المجد الأوروبي والعالمي.
وكريستيانو رونالدو مثال الموهبة التي تُدعم بالاجتهاد والتصميم والجد والعمل، ولا أمل بعيد مع العمل، هذا منطق البرتغالي القوي الذي لا يكل ولا يمل من التحديات الجديدة، سواء على الصعيد الشخصي، أو على الصعيد الجماعي مع ناديه الملكي.
إننا من حيث الإمكانيات والمؤهلات والإنجازات الفردية والجماعية، أمام مشروعين شبه مكتملين لعملاقين تذكرهما الأجيال، وأن الكأس العالمية الذهبية هي فقط ما ينقص خزائن هذين النجمين؛ ليكتمل ملف ترشيحهما للقب أسطورتي كرة القدم الخالدتين عبر التاريخ.