من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق، عاد الرئيس المصري الجنرال عبدالفتاح السيسي من جولة أورومتوسطية شملت دولتي قبرص وإسبانيا، ليفاجئ الجميع بتواجده في الرياض في زيارة خاطفة غير مرتبة قالت عنها مصادر من الرئاسة المصرية إنها “زيارة عمل”، فأي عمل رئاسي يستغرق 77 دقيقة فقط (إجمالي مدة الزيارة) يضطر الرئيس المصري للحضور بنفسه إلى السعودية فجأة بهذه الصورة؟ هكذا تساءل نشطاء ومتابعين مصريين وسعوديين.
الزيارة القصيرة جاءت وسط حيثيات عديدة ومتغيرات تمر بها المملكة السعودية والمنطقة بأسرها، فالتغييرات الداخلية بالقصر الملكي لم يمر عليها سوى بضعة أيام، سبقها انطلاق عملية “إعادة الأمل” السعودية في اليمن بعد إنهاء عملية “عاصفة الحزم”، وسط أنباء عن خلافات في وجهات النظر بين السعودية ومصر بشأن إدارة الأزمات في المنطقة، الأمر الذي ظهر جليًا في تناول الإعلام المصري بالإساءة للملك الجديد وسياساته، ما دفع السعودية لأول مرة منذ الانقلاب العسكري في مصر أن تتخذ موقفًا دبلوماسيًا من هذه الإساءات الإعلامية على لسان سفيرها في القاهرة أحمد القطان.
الخلافات بدأت تدب في العلاقات المصرية السعودية منذ رحيل الملك عبدالله وتولي الملك الجديد الذي يبدو أن أولويات سياسته لم تتلاءم مع القاهرة، حيث بدأت السعودية بتقنين المساعدات المالية ووضع حد لها، كما رتبت السعودية أجندة جديدة للصراع غير التي خاضها الملك الراحل، جعلت مجابهة النفوذ الإيراني في المنطقة على قائمة الأولويات، وأخرت الصراع مع الإخوان المسلمين والإسلام السياسي في المنطقة على عكس الرغبة المصرية.
الترتيبات الأخيرة في البيت السعودي أطاحت بولي العهد السابق الأمير مقرن بن عبدالعزيز الذي يوصف بأنه همزة الوصل بين النظامين المصري والسعودي منذ وقوع الانقلاب العسكري في مصر بقيادة عبدالفتاح السيسي، وقد تم تهميش دوره منذ وفاة الملك عبدالله واستلام الملك سلمان الدفه برجاله الجدد الذين تم تصعيدهم بالمشهد، وها هو الآن يُنحي الأمير مقرن، وهو الأمر الذي بث القلق في نفوس المصريين، حيث بات الموقف السعودي من النظام المصري ضبابيًا، لذلك ربط ديفيد واينبرج الباحث المتخصص بشؤون الشرق الأوسط بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن، بين الزيارة الخاطفة التي قام بها عبد الفتاح السيسي للسعودية وبين التغييرات الملكية الجديدة في السعودية التي شملت إعفاء الأمير مقرن عبد العزيز من منصبه كولي للعهد، وتسمية وزير الداخلية محمد بن نايف بدلاً منه.
المتابعون يرون أن الإطاحة بالرجل الذي كان يستخدم كهمزة وصل بين الرياض ونظام السيسي في القاهرة حادث جلل يستوجب رد فعل مصري سريع، وهو الأمر الذي اضطر الرئيس المصري للقيام بالزيارة بهذه الصورة العاجلة لاستطلاع ما ستؤول إليه الأمور في الفترة القادة في ظل عدم وجود أحد وجوه الحرس القديم الذين تولوا دعم نظام السيسي القديم منذ ولادته في انقلاب الثالث من يوليو.
فأمر التغييرات الملكية الأخيرة في السعودية كان له صداه في القاهرة، حيث الأذرع الإعلامية للسيسي التي أبدت توجسها من هذه التغيرات إلى الحد التي وصفت به هذه الأذرع الإعلامية ما حدث في الرياض من تغييرات بأنه “انقلاب قصر” مثلما وصف الأمر الكاتب في جريدة الشروق عبدالله السناوي المعروف بمجاراة السلطة الحالية، نفس الجريدة التي تحدثت عن نجل الملك “ولي ولي العهد” محمد بن سلمان ووصفته بأنه الرجل الذي يجمع بين القوة والثروة تعليقًا على ترأسه شركة “أرامكو” ووزارة الدفاع السعودية في نفس الوقت، فيما تناول الإعلامي إبراهيم عيسى أمر التغييرات هذه بقوله إنه لا بد للدولة المصرية أن تستعد للتعامل مع كل جديد سيأتي من القصر السعودي في الفترة القادمة، حيث أشار إلى أن ولي العهد الأمير مقرن بن عبدالعزيز الذي ألقى الكلمة العاطفية في مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي، منذ شهر، هو الذي رحل عن القصر الملكي في هذه التغييرات.
وتعد هذه الزيارة هي الثالثة للسيسي خلال 99 يومًا فقط، تم الإعلان رسميًا عن أغراضها وهي تهنئة الأمير محمد بن نايف بتعيينه وليًا للعهد في السعودية، وتقديم التهنئة أيضًا إلى الأمير محمد بن سلمان، لتعيينه وليًا لولي العهد، وذلك حسب البيان الصادر من الرئاسة المصرية، الأمر ليس لهذه الأسباب فحسب، إذ كشف السفير المصري في الرياض عفيفي عبد الوهاب، أن هناك أغراضًا أخرى للزيارة بخلاف التهنئة، وهي المآرب التي أثير حولها الجدل.
قضية الإعلام قد شكلت حرجًا بالغًا للسيسي مع المملكة في الآونة الأخيرة، خاصة بعد الهجوم الضاري الذي ظهر في توقيت واحد على السعودية وملكها، ما يؤكد فرضية أن الأمر ليس مجرد حرية تعبير كما يروج مؤيدو السيسي، وإنما الأمر كان بتوجيهات سيادية للأذراع الإعلامية، بالتزامن مع خروج تظاهرات صغيرة تسب الملك السعودي صراحة على أرض القاهرة دونما اعتراض من قوات الأمن المصرية، الأمر الذي حدث أكثر من مرة، ما أدى إلى غضب سعودي رسمي وشعبي.
فالسفير السعودي في القاهرة أحمد القطان، قدم احتجاجًا رسميًا لدى مصر على تطاول وسائل إعلام مصرية ضد المملكة ورموزها، حيث صرح القطان في مداخلة تليفزيونية أنه أبلغ الرئاسة المصرية بأن هناك غضبًا ليس لديه فقط، وإنما لدى المملكة العربية السعودية، بسبب الهجمات الإعلامية على المملكة، وأشار أنه حصل على تأكيدات بأن هذا الأمر محل اهتمام من الرئيس المصري شخصيًا، وهو ما قد تعكسه هذه الزيارة التي قام بها السيسي بنفسه.
على الصعيد الشعبي تفاعل السعوديون في أكثر من مناسبة مع هذه الإساءات، على شبكات التواصل الاجتماعي، كان آخرها نقاشهم على هاشتاج #السعودية_تحتج_رسمياً_على_إساءات_إعلام_السيسي، والذي أُنشئ عقب تصريحات السفير السعودي في مصر، الذين أكد معظمهم أنه من الصعب عدم التصديق أن هذه الحملات الإعلامية تتم بدون مباركات حكومية.
زيارة السيسي أيضًا تأتي في ظل تراجع حدة المواجهات بين خصومه من الإخوان المسلمين والسعودية التي صنفتهم كجماعة إرهابية في السابق، كما أن موقف السعودية خالف القاهرة بالكلية بشأن الموقف من حركة حماس، فبعد استضافة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الرياض، نقل التليفزيون السعودي الرسمي خطبة الجمعة من غزة والتي ألقاها إسماعيل هنية، وهو أمر يبدو وأنه مثير للقلق، ويبعث بوجود هوة بين المواقف المصرية والسعودية تجاه حركة الإخوان المسلمين إقليميًا.
أوضح ذلك الكاتب السياسي السعودي خالد الدخيل، الذي أشار إلى أن قيادة البلاد في المملكة، في عهد الملك سلمان، تراجعت حدة موقفها من الإخوان المسلمين، وأظهرت اقترابها من حليفهم التركي والقطري، وأن هذه القيادة تتعامل الآن مع الأمور بطريقة أكثر براجماتية من سابقتها في عهد الملك عبدالله، وهو بالطبع ما يقلق السيسي.
وبينما يتحدث البعض عن مباحثات ثنائية بين السيسي والملك سلمان في هذه الزيارة الخاطفة غير المرتبة لتتناول التطورات الجارية في اليمن وسوريا والعراق، نرى موقف السيسي من الأوضاع اليمنية غير واضح فمع الحديث عن قرب التدخل البري للسعودية لحسم الأمور في اليمن، بعدما فشل الطيران في حسم المعركة مع الحوثيين، لم يطرح اسم القاهرة في هذه المهمة بسبب تقارير أفادت طلب السيسي مبالغ مالية ضخمة رفضتها السعودية، وهو ما أدى إلى استعانة السعودية بباكستان التي رفضت هي الأخرى، فربما كانت هذه الزيارة من السيسي لإعادة عرض خدماته على السعوديين بأسعار مخفضة، خشية رفع المملكة يدها عن الاقتصاد المصري في هذه الفترة الحرجة التي يمر بها نظام السيسي.
في النهاية تبقى هذه الزيارة محاولة مصرية للإبقاء على الدعم السعودي بكافة أشكاله، مع محاولات للوصول إلى نقاط تفاهم في القضايا المختلف عليها، والتي اتضح أنها زادت في الفترة الأخيرة كالموقف المصري من ليبيا الذي ترفضه السعودية تمامًا، وكذلك الموقف السعودي من روسيا بعكس التقارب المصري معها، كما هو الحال في الموقف المصري من الثورة السورية والتي تريد لها السعودية حسمًا قريبًا، بينما نتحدث عن دعم مصري غير معلن لبشار الأسد، هذه الأمور دفعت الجنرال السيسي لمحاولة رأب الصدع من النظام الملكي البراجماتي الجديد في القصر السعودي، ولو بزيارة غير مرتبة كهذه.