قبل أكثر من أسبوع كانت العلاقات الموريتانية الجزائرية في أوج ازدهارها ولا أحد يمكنه الحديث عن أي تصدع أو تأزم يلوح في الأفق، لكن الرياح جرت بما لا تشتهيه السفن، وكانت المفاجأة استدعاء مدير موقع صحيفة “البيان” الإلكترونية الصادرة في نواكشوط مولاي إبراهيم ولد مولاي أمحمد على خلفية نشره لمقال يتهم الجارة المغرب بإغراق الحدود الشمالية لموريتانيا بالمخدرات وتهريبها إلى شمال مالي الذي تسيطر عليه القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي.
جذور الأزمة
فُسر قرار السلطات الموريتانية باستدعاء الصحفي وإبلاغ المستشار الأول بالسفارة الجزائرية بنواكشوط بلقاسم الشرواطي بأنه شخص غير مرغوب به وعليه مغادرة البلاد خلال 78 ساعة، بإساءة الأخير لعلاقاتها مع الجارة، والغوص في المياه العكرة من خلال تزويد وسائل الإعلام بمعلومات لا أساس لها من الصحة.
المستشار الأول بالسفارة الجزائرية متهم بتزويد الصحفي الموريتاني بمعلومات تفيد بأن موريتانيا تقدمت بشكوى إلى الأمم المتحدة من الحكومة المغربية تتهمها بإغراق الحدود بين البلدين بالمخدرات التي يتم تهريبها إلى الجماعات الإرهابية في شمال مالي.
نفت السلطات الموريتانية المعلومات جملةً وتفصيلاً وطردت الدبلوماسي الجزائري بشكل سريع، لكنها لم تتحرك حتى الساعة على أي جبهة أخرى ولم تتحدث عن الموضوع بشكل علني مكتفية بقرارها الذي اتخذته على الفور.
تشنج جزائري
لم تمض سوى ساعات قليلة على قرار نواكشوط بطرد الدبلوماسي الجزائري حتى تحركت وسائل الإعلام الجزائرية بشكل فج متهمة نواكشوط بالانحياز للمغرب وداعية إلى التصعيد ضد القرار، بل ذهب العديد من الكتاب الجزائريين إلى القول إن الأمر ازدراء وتعد سافر، وعلى السلطات الجزائرية أن تواجهه بقرار أكثر فاعلية وأقوى وقعًا.
وتناقلت وسائل إعلام جزائرية مثل “الشروق” اليومي، و”النهار الجديد” أخبارًا بين الحين والآخر منقولة عن مصادر دبلوماسية بتحرك جزائري للرد على موريتانيا ربما يتضمن النظر في العلاقات الثنائية بين البلدين.
وحملت الساعات الأخيرة قرارًا جزائريًا مماثلاً بطرد المستشار الأمني للسفارة الموريتانية، واستدعاء السفير لإبلاغه بالقرار، كما صاحب التحرك خفض المشاركة في اجتماع وزراء داخلية المغرب العربي بنواكشوط وإلغاء حضور وزير الداخلية وتمثيل الجزائر بالأمين العام لوزارة داخلية، مما يكشف ربما عن تصرف مستقبلي قد يعقد الأزمة أو يكون عقلانيًا ويتداعى الطرفان لحلها قبل فوات الأوان.
مستقبل غامض
يري المحلل السياسي أحمد شوقي أن العلاقات الموريتانية الجزائرية تعيش توترًا كبيرًا مرشحًا للمزيد من التصعيد في أي وقت بسبب قيام المستشار الأول بالسفارة الجزائرية في موريتانيا بالقيام بأعمال تتنافي والمهام الدبلوماسية الموكلة إليه.
واعتبر أحمد شوقي في حديث لـ “نون بوست” أن قرار موريتانيا منطقي ومبرر من الناحية الدبلوماسية، لكنه كان بالإمكان تلافي الوضع وإعادة الأمور لنصابها في أسرع وقت وهو ما أجهضته الجزائر بردها بالمثل وطرد مستشار السفارة الموريتانية لديها.
وقال أحمد شوقي إن العلاقات الموريتانية الجزائرية تعيش وضعًا حساسًا بفعل الحراك غير المسبوق لبعض وسائل الإعلام الجزائرية التي تحرض على العنف وتدعو للمساس بعلاقات البلدين، مشيرًا إلى أن أي وسيلة إعلام محلية موريتانية لم تنبس ببنت شفة واكتفت فقط بنشر الأخبار المتداولة دون الغوص في المياه العكرة، وإن موريتانيا لا ترغب في التصعيد مع الجزائر بتاتًا وتدعو للتريث والابتعاد عن كل ما من شأنه زيادة الاضطراب، لكن الملف قابل لأن يتحول إلى إطار جامع مانع، أو مفرق غير موحد على حد سواء.
وبدوره اعتبر الشيخ ولد عابدين أن التصعيد الجزائري ضد موريتانيا غير مبرر، ومن شأنه أن يجلب المزيد من التوتر بين البلدين الجارين دون مراعاة تاريخ العلاقات والإخوة والروابط الوطيدة التي تجمع ولا تفرق وتقوي ولا تضعف.
ودعا ولد عابدين الإعلاميين الجزائريين إلى الكف عن الهجوم على موريتانيا وتحمليها مسؤولية خطأ دبلوماسي جزائري تعاملت معه بحنكة، معتبرًا أن المعطيات المتوفرة تشير إلى فعل ما قد تقوم به السلطات الجزائرية من شأنه أن يزيد الطين بلة.
وخلص ولد عابدين إلى القول إن ما يحدث من توتر بين الدبلوماسية الجزائرية والمغرببية بسبب القضية الصحراوية أمر لا يعني موريتانيا في شيء، لأنها تتمسك دائمًا وأبدًا بمبدأ الحياد وما يهمها هو حسن العلاقات بالبلدين الجارين، ولا تسمح إطلاقًا باستغلالها في الملف من الجانبين.