اندلعت احتجاجات من قِبل اليهود الإسرائيليين ذوي الأصول الإثيوبية في عاصمة الاحتلال الإسرائيلي “تل أبيب” يوم الأحد، وذلك رفضًا للتعامل العنصري معهم من قِبل السلطات الإسرائيلية، وخاصة جهاز الشرطة، أسفرت هذه التظاهرات العنيفة عن إصابة ما يزيد عن 68 شخصًا، من بينهم 23 شرطيًا، واعتقال 43 متظاهرًا.
ما أشعل هذا الغضب الأفريقي في شوارع تل أبيب، هو مقطع مصور تم تدواله على مواقع التواصل الاجتماعي؛ يُظهر تنكيل أفراد من شرطة الاحتلال بجندي إثيوبي في جيش الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي أدى لخروج الاحتجاجات على هذا الاعتداء والعنصرية التي تواجهها هذه الطائفة داخل المجتمع الإسرائيلي، لتظهر على السطح تراكمات لمشاكل عنصرية تعاني منها طائفة “يهود إثيوبيا” المهاجرين إلى إسرائيل.
هذه الطائفة تشتكي من لفظ مجتمعي داخل دولة الاحتلال، حيث يتحدثون عن ممارسات عنصرية إسرائيلية ضد الإثيوبيين اليهود المهاجرين من الحبشة إلى الأراضي الفلسطينية، فالبعض يتحدث عن رفض استيعاب أبناء الإثيوبيين في المدارس، وممارسات عنصرية أخرى في المؤسسات الرسمية، وفي الشارع والنوادي، وبالطبع أبرز هذه الممارسات العنصرية عنف الشرطة المفرط تجاههم، إذ تشير إحصائيات من داخل الكيان الصهيوني، أن نسبة المعتقلين الإثيوبيين في السجون تزيد بعشرات المرات عن نسبتهم السكانية من إجمالي عدد سكان إسرائيل، التي لا تتجاوز 1.2%.
نبذ طائفة اليهود الأفارقة في دولة الاحتلال ليس أمرًا جديدًا، فهو أحد حلقات العنصرية المتوارثة في تركيبة المجتمع الإسرائيلي، فالصراعات بين يهود الغرب “الأشكيناز” ويهود الشرق “السفرديم” لا تنتهي، ومنذ بدء هجرة طائفة “الفلاشا” الإثيوبية اليهودية إلى أرض الاحتلال والعنصرية تلاحقهم من قِبل هذا المجتمع، الذي لا ينظر إليهم سوى نظرة متدنية، ويعاملهم كمواطنين من درجات متدنية، حيث لا يجدون سوى وظائف هزيلة، فضلًا عن حرمانهم من العمل في أعمال راقية، إلى أن ظهرت مطالبات داخل المجتمع الإسرائيلي بترحيلهم.
بلغت أعداد الفلاشا الإثيوبيين وحدهم في إسرائيل قرابة 140 ألف شخصًا، وفق آخر تعداد رسمي إسرائيلي، بالرغم من محاولات دولة الاحتلال الحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية إلى داخل إسرائيل عن طريق الحدود مع مصر، لكن لهذه الطائفة معاناة مع رحلة الأحلام التي يتمناها كل يهود الفلاشا، حين يتمكن من دخول الأراضي الإسرائيلية، وهو لا يعلم أنها لن تنتظره بالورود كما يتوقع.
خلال الثلاثين عامًا الأولى من إقامة الدولة اليهودية على الأراضي الفسلطينية، لم يصل داخل إسرائيل سوى عدد قليل جدًا من الإثيوبيين، ولكن ثمة فتوى شرعية يهودية صدرت في السبعينيات تؤكد أن اليهود الإثيوبيين، الذين وصفوا أنفسهم بـ”بيتا يسرائيل”، هم يهود بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ويشملهم “قانون العودة” لجمع شتات اليهود من العالم، وبالفعل بدأت الهجرة الإثيوبية ليهود الفلاشا إلى إسرائيل.
رحلات يهود الفلاشا بدأت من إثيوبيا ركضًا وراء حلم الوصول إلى الواحة الغربية في الشرق وهي إسرائيل، مرورًا بمخيمات اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في الخرطوم التي اضطروا فيها لإخفاء يهوديتهم تجنبًا للأذى، وبالرغم من ذلك وثقت عدة حالات اغتصاب لنساء منهم، وحالات اختطاف آخرى، من قِبل مافيا تعمل في تصدير العمالة الإثيوبية للخدمة في دول الخليج.
في حين تم إلقاء القبض على بعضهم، وحبسهم، وتعذيبهم بمعرفة الشرطة السودانية، أثناء محاولاتهم التسلل إلى مصر عبر الحدود، انتظر الكثيرون منهم في مخيمات اللاجئين لشهور وسنوات حتى نجحوا في السفر إلى “إسرائيل” عبر السودان ولكن كلفهم هذا حياة الكثيرين لتحقيق حلمهم بالهجرة.
محطة أخرى من محطات رحلات العذاب التي خاضها المهاجرون الإثيوبيين إلى إسرائيل كانت في مصر، حيث تشير المصادر إلى أن الوصول لسيناء، خاصة من قِبل المتسللين، يتم بعدة طرق؛ إما عبر قناة السويس، أو الطرق البرية، أو الوصول لشرم الشيخ ومن ثم الانتقال عبر الطرق الجبلية للحدود بين سيناء وإسرائيل، ويتم التسلل من هناك.
الأفارقة الذين يتم تهريبهم عبر شبكات تهريب دولية تعمل في هذا البيزنس يصلون إلي سيناء إما اعتمادًا على الحظ، والعبورمن خلال الطرق المعتادة، أو بالاعتماد على التخفي في سيارات البضائع وبين الأغنام، أو ارتداء ملابس بدوية والتخفي فيها، وبمجرد عبورالكمائن، يكون المهاجرون اليهود إلى إسرائيل أقرب، حيث يصل المهاجرون لمنطقة بعيدة عن السكان أو في عمق الصحراء وهناك تكون الإقامة لعدة أيام، ثم يتم توصيلهم إلى الحدود الدولية وتركهم للعبور والتسلل، وبهذا يتعرضون لنيران حرس الحدود المصري، الذي أسقط العديد منهم بين قتيل وجريح بالفعل.
هذه الهجرة دفعت صحفًا إسرائيلية للحديث عنها، حيث قالت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، إن المهاجرين الأفارقة مازالوا يخترقون السياج الأمنى على طول الحدود المصرية الإسرائيلية، وفي وقت يتوقع فيه مسؤولون في وزارتي الدفاع والداخلية الإسرائيلية، توقف تسلل المهاجرين عبر الحدود المصرية في نهاية المطاف بعد الانتهاء التام من بناء السياج العازل مع مصر.
هذه مجرد محطات بسيطة لمحاولات العذاب، التي يُطلق عليها هجرة إلى إسرائيل، التي يخوضها الأفارقة اليهود الذين تغلب عليهم الجنسية الإثيوبية من طائفة الفلاشا، حيث يرون عودتهم إلى إسرائيل حق ديني ووطني، بينما لم تعد الدولة العبرية في حاجة إليهم هذه الفترة، بعدما فتحت لهم سبل الهجرة في السابق، وأصبحوا أحد مكونات التركيبة السكانية للدولة اليهودية، ليُواجهوا الآن بعنصرية شديدة من قِبل المؤسسات الإسرائيلية.
بالرغم من كل هذه المعاناة التي يُلاقيها هؤلاء الأفارقة اليهود إلا أنهم ينطلقون في احتجاجاتهم من منطلق وطني ديني، حيث يخوض الإثيوبيون احتجاجاتهم من منطلق “الوطنية الإسرائيلية”، ولم يكن من باب الصدفة أن اختاروا نشيد “هتكفا” لينشدوه في ساحة رابين أثناء احتجاجهم، بينما يحاولون أن يجعلوا من قضيتهم قضية عامة تناهض العنصرية في المجتمع العبري ككل.