أثارت شهادة النائب وليد جنبلاط أمام المحكمة الدولية الخاصة بمقتل رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري تساؤلات عدة حول قاتل رفيق الحريري، بعد أن أشار جنبلاط إلى أن تلاقي المصالح بين بشار الأسد الرئيس السوري الحالي وإميل لحود الرئيس اللبناني السابق أدى اتفاقهم على إلى اغتيال الحريري.
ليفتح هذا الملف القديم الحديث ففي 14 من فبراير لعام 2005، قتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري مع 21 شخصًا، إذ تم تفجير ما يعادل 1000 كجم من المواد المتفجرة بينما كان موكب الحريري يسير بالقرب من فندق “سان جورج” في العاصمة اللبنانية بيروت، بعدها اتفقت الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة على تشكيل محكمة دولية خاصة بالقضية في لبنان، حيث كانت هذه المرة الأولى التي تحاكم فيها محكمة دولية أشخاصًا لجريمة ارتكتبت ضد شخص معين بعينه، ومن وقتها وتحقيقات هذه المحكمة مستمرة واستدعائها للشهود جاريًا حتى هذه اللحظة، مع خروج تسريبات من حين لآخر عن نتائج التحقيقات.
وبالعودة لشهادة جنبلاط التي نشرتها الصحافة والتي اتهم فيها وليد جنبلاط إميل لحود بأنه كان يسير تحت طواعية النظام السوري وكان يأتمر بأمر الأجهزة الأمنية السورية وفق ما تمليه عليه، موضحًأ أن الأمور في لبنان كان تدار من سوريا بواسطة حافظ الأسد ثم ابنه بشار بعد ذلك.
وأضاف جنبلاط في شهادته أن رفيق الحريري وهو رئيس وزراء لبنان وإلياس الهراوي وهو رئيس الجمهورية لم يكن لهما أي تأثير نهائيًا على الجيش اللبناني، حيث كان الحريري يحاول التخلص من اليهمة السورية على مجريات الأمور في لبنان، لكن نظام المخابرات المشترك اللبناني – السوري لم يسمح بذلك مطلقًا حسبما أورد جنبلاط في شهادته، الجيش اللبناني في هذه الفترة كان يعمل تحت العباءة السورية بإشراف إميل لحود، ولكن الحريري كان يقف أمام لحود كثيرًا لمعرفته بولائه المطلق للنظام السوري، فقد كان هدف الحريري الاستقلال بالقرار السياسي اللبناني عن المتغيرات الخارجية وهو ما لم يحظ بقبول لدى هوى نظام بشار الأسد.
سعى الحريري بجهد كبير لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لدعوة كافة القوات الأجنبية الباقية إلى الانسحاب من لبنان وبالطبع في مقدمتها القوات السورية وتفكيك كل الميلشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها وفي قلبها حزب الله اللبناني ودعم بسط سلطة الحكومة اللبنانية على كل أراضيها، وتأييد انتخاب رئيس الجمهورية المقبل انتخابًا حرا نزيهًا من دون أي تدخل أجنبي لدى القوى السياسية.
وبالفعل صدر قرار مجلس الأمن الدولي الذي حمل رقم (1559) بتاريخ 2 سبتمبر لعام 2004، وقد كان رفيق الحريري صاحب الدور الأبرز والتحضير لمثل هذا القرار الذي أغضب النظام السوري وتابعه حزب الله في لبنان، والذي اعتبره محللين السياسيين أحد أهم أسباب ودوافع اغتيال رفيق الحريري.
إذ رأى حزب الله اللبناني في القرار استهدافًا لسلاح المقاومة حسب تعبيرات أمين الحزب حسن نصر الله، كما رأت سوريا أنه استهداف لنظام ممانع في وجه إسرائيل، وكذلك رأت القوى السياسية الموالية لسوريا داخل لبنان، وازداد العداء لرفيق الحريري الذي اعتبره كل هؤلاء السبب الرئيسي في استصدار مثل هذا القرار، وذلك ربما بسبب العلاقة التي كانت تربط الحريري بالرئيس الفرنسي الأسبق “جاك شيراك”، أحد عمل على خروج هذا القرار بالتفاهم مع الولايات المتحدة؛ حيث أراد الحريري حينها منع تمديد ولاية رئيس الجمهورية اللبناني “إميل لحود” الحليف القوي للنظام السوري ولحزب الله، ولكن هذا الأمر لم يستطع الحريري إدراجه في القرار وتنازل عنه تحت الضغط السوري، وهو البند الذي كانت تسعى إليه فرنسا من القرار حينها أكثر من سواه.
فبعد مقتل الحريري في هذه الحادث الغامض، أشارت أصابع لبنانية كثيرة بالاتهام إلى حزب الله ومن خلفه رأس النظام السوري بشار الأسد، واتهمتهم بالضلوع في قتل الحريري، بصفتهم أكبر المستفيدين من مقتله، بسبب خلافاتهم المستمرة معه، فقد رأت سوريا وحزب الله وإيران التي ظهرت في الصورة لاحقًا في تحقيقات المحكمة معهم أن السنوات العشر الماضية اختزلت المحكمة الدولية التحقيقات ، مع فريق واحد ألا وهو الفريق المعادي لإسرائيل، الأمر وصل إلى أن دعى حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبنانيين في عام 2010لمقاطعة المحكمة الدولية ولجنة التحقيق تحت توصيف أنها إسرائيلية، داعيًا كل المسؤولين والمواطنين اللبنانيين إلى مقاطعة المحققين الدوليين وعدم التعاون معهم بزعم أن كل المعلومات تصل إلى العدو الإسرائيلي.
هذه الشبهات التي ثارت حول نظام الأسد في دمشق، فقد كانت دخانًا بنار، فقد خرج عبدالحليم خدام نائب الرئيس السوري في تصريحات صحفية ليؤكد شكوك البعض عن مسؤولية النظام السوري في مقتل الحريري، حيث قال خدام: “أن الرئيس السوري بشار الأسد هو قاتل رئيس الحكومة اللبناني الراحل رفيق الحريري، ولا يمكن أن تقوم جهة أمنية بعمل مماثل من دون اللجوء لرأي الأسد، كما أنه ليس هناك من له مصلحة بقتل الحريري غير بشار الأسد”،مضيفًا: “قبل مقتل الحريري بأسبوع كان هناك اجتماع بقيادات الحزب “حزب البعث السوري” لبحث موضوع تنظيمي داخلي ليس له علاقة بالسياسة الخارجية، فجأة قال بشار الأسد: “إن الحريري متآمر علينا، هو وشيراك والأميركيين.. والحريري عدونا اللدود”، فذهل أعضاء القيادة من هذا الكلام وسألته حينذاك: “لماذا هذا الكلام الآن وما الفائدة منه؟”، لم يجب الأسد وإلتزم الصمت”، يحسب ما ورد من تصريحات خدام في جريدة عكاظ السعودية.
تفاصيل أخرى تفيد علاقة الأسد بجريمة قتل الحريري نشرتها صحيفة اللواء اللبنانية أن الهاتف الشخصي للرئيس السوري بشار الأسد وجد على الشبكة الخضراء للمتهمين الخمسة الذين يشتبه بانتمائهم لحزب الله، والذين طالبت المحكمة اللبنانية الحزب تسليمهم وقوبل هذا الطلب بالرفض.
وقالت الصحيفة نقلا عن وزير الداخلية اللبناني، “نهاد المشنوق” : سنسمع شهادات في المحكمة الدولية من أصعب ما يمكن علينا سماعه”.
إذ أعرب الوزير في تصريحاته عن أمله في احتواء المستجدات دون أن تتسبب بأزمات جديدة، مؤكدا أن خط التليفون المباشر للرئيس السوري بشار الأسد كان على اتصال مع أرقام المتهمين باغتيال رفيق الحريري، حيث تحدثت التحقيقات أن هناك علاقة بين هواتف الشبكة الخضراء و”حزب الله” و بشار الأسد، كما أن هناك غياب ما يسمى باللدوافع الشخصية لدى المتهمين بتنفيذ الجريمة، لأن الحريري كان يتقلد منصبًا سياسيًا وكان لديه أعداء وخلافات مع كثر، ما يرجح أن الجريمة تمت في سياق سياسي بدافع العداء، ويشر إلى أن بشار الأسد وحزب الله، كان أشد المعادين لتصرفات الحريري السياسية في الأوانة الأخيرة من حياته.
كذلك نفس الأمر الذي أكده النائب اللبناني مروان حمادة الذي تعرض لمحاولة اغتيال قبيل حادثة اغتيال الحريري ـ في شهادته أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان- إن نزاع النظام السوري مع الحريري حول بند الانسحاب السوري الكامل من لبنان كان سببًا رئيسيًا في اغتياله.
وقد نقلت جريدة القدس العربي شهادات من واقع التحقيقات تقول إن عميدا منشقًا عن مخابرات النظام السوري أبلغ لجنة التحقيق الدولية أن اثنين من المتهمين باغتيال الحريري التقوا الرئيس السوري الأسد في دمشق لأكثر من مرة قبيل اغتيال الحريري في 2005، حيث اعترف الرجل بأنه كان يشرف شخصيا على نقل اثنين من المتهمين باغتيال الحريري بشكل دوري من بيروت، ويؤمن لهما دخول الطائرة من غير ختم جوازات السفر الخاصة بهما برفقة مسؤول رفيع من حزب الله، ثم يذهب معهما للقصر الجمهوري في دمشق، لكنه قال إنه لم يحضر معهما أيا من الاجتماعات داخل القصر مع بشار الأسد.
هناك شاهد آخر على ضلوع النظام السوري في هذه القضية، وهذا الشاهد هو بحسب متابعين قرار النظام السوري بالتخلص من كافة المتورطين في هذه القضية والمدرجة أسمائهم في لائحة الاتهامات أو التحقيقات في القضية، فقد كان آخرهم رئيس إدارة الأمن السياسي في سوريا اللواء “رستم غزالة”، رجل النظام السوري الأول في لبنان قبل الانسحاب السوري، الذي توفي بعد سحله وضربه في ظروف غامضة.
فبعد صدور قرار المحكمة الغير نهائي حتى الآن باتهام خمسة عناصر تابعين لحزب الله بالضلوع في الجريمة كمنفذين الا أن ذلك الأمر لن يبعد الاتهام عن الاسد ونظامه, لأن الأسد يدرك أن وقائع الجلسات الأخيرة تحمل ما لا يسره, إذ بينت أن فريق الادعاء يملك معلومات هامة لم تظهر حتى هذه اللحظة, يقال أنها ستظهر في الوقت المناسب,تفيد تورط النظام السوري مباشرة، بالتخطيط وبتنفيذ عملية اغتيال الحريري, ما يعني أن الأمر لن يغلق كما يريد النظام الذي لا يمانع في تحميل شريكه “حزب الله” توابع الجريمة كاملة لطالما سيحفظع في منأى عن المساءلة، ولكن التحقيقات كشفت وفق ما أوردنا في السابق أن ثمة اتصالات هاتفية أجريت, بين منفذي الجريمة الخمسة وبين جهات سورية، من ضمنها هاتف الأسد شخصيًا.
فثمة تحليلات تؤكد تخلص الأسد من كل شركائه في هذه الجريمة، بداية ترويج النظام لانتحار “غازي كنعان” الذي تقلد منصب رستم غزالة في لبنان قبل ذلك، ومقتل الضابط “محمد سليمان” أحد رجال باسل الأسد المشتبه بهم في قضية الحريري، والتخلص من رجل حزب الله “عماد مغنية” في حادثة غريبة في سوريا، وبعده اللواء “جامع جامع” ، ومحاولة اغتيال “ميشل سماحة” مستشار بشار الأسد الإعلامي، كل ذلك لا يمكن أن يحدث صدفة بحسب ما صرح محللون لأن الذي يجمع بين هذه الأسماء هو شئ واحد ألا وهو مقتل الحريري.
وفي النهاية يتسائل كثيرين متى ستوجه المحكمة الدولية الاتهام مباشرة دون تورية للنظام السوري ولبشار الأسد شخصيًا في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، بينما يؤكد آخرون أن الأمر لا يحتاج التأكد من تورط الأسد، فالبفعل قد لا يكون الأسد متورط بشخصه كما تقول بعض التسريبات من التحقيقات، ولكن أجهزة النظام السوري الأمنية لا شك وأنها تورطت بالأمر أو المشاركة أو أقل القليل أنها علمت بأمر اغتيال الحريري وصمتت، وهي جريمة للنظام الذي يترأسه الأسد حتى هذه اللحظة.