في ظل ما تعانيه الجامعات المصرية من شلل تام فيما يخص النشاط الطلابي بعد سيطرة العسكر على السلطة والتي عمدت إلى عسكرة الجامعة والنشاط الطلابي، فيكفي فقط أن نعرف أنه منذ انقلاب الجنرال السيسي لم يتم تنظيم انتخابات لاتحاد الطلاب بينما نسبة ليست بالقليلة من أعضاء الاتحادات الطلابية الذين اُنتخبوا قبل الانقلاب قيد الاعتقال ويواجهون محاكمات عسكرية ومدنية والتهمة هي الإرهاب أو للدقة تهمتهم هي الدفاع عن حقوق زملائهم الطلاب وعن مستقبل بلادهم، في ظل حالة الجامعة تلك أطلق مجموعة من الطلاب حملة توعوية تحكي عن تاريخ الأمم والدول التي انطلقت من الديكتاتورية إلى الحرية والتعددية ومن ثم إلى التنمية عبر ثورات شعبية أو عبر مسيرة نضال وطني مليئة بالتضحيات .
الحملة التي جاءت تحت عنوان “أبيض وأسود” عبرت عن سعي الطلاب للبحث عن طريق للخلاص من ديكتاتورية النخبة العسكرية التي تسيطر على وطنهم اليوم، وانطلقت من القول بأن الحكمة ضالة المؤمن فطفقت تبحث عن تجارب الآخرين لتستفيد منها في إصلاح واقعها المرير.
إحدى منشورات الحملة والتي أثارت انتباهي وإعجابي الشديد كانت الحديث عن ديلما روسيف رئيسة البرازيل الحالية وإحدى قيادات العمل الوطني ضد استبداد العسكر في بلادها، وكيف واجهت محكمة عسكرية تتهمها بالإرهاب والعمل ضد الجيش، بل تم أيضًا معاقبتها وسُجنت لعدة أعوام في سبيل تحقيق الحرية والتنمية لبلادها والتي ساهمت بقدر كبير في تحقيقها بعد إرساء الديموقراطية والتعددية السياسية والتخلص من الاستبداد، فعملت كوزيرة مع الرئيس لولا دي سيلفا الذي كان له فضل كبير على نهضة البرازيل ثم انتخبها الشعب مرتين كرئيسة للبلاد قاطعًا بذلك الصلة مع ماضٍ مرير وراسمًا مستقبل أفضل للبرازيل وشبابه.
مراجعة التاريخ تثبت أن سيطرة الجيش على السلطة دائمًا ما تؤدي إلى كوارث وإلى فشل محقق مهما كانت الحجة أو المبرر لذلك، بل حتى لو نجح قادة الانقلابات في تحقيق طفرة اقتصادية في بداية الأمر فإن ذلك يكون قصير الأجل مقارنة بمطالب الشباب في الحرية والكرامة فضلاً عما يمارسه العسكر من قمع يورث الأحقاد ويوسع دائرة الظلم بشكل تدريجي حتى تصل إلى مرحلة الثورة أو التمرد فينهار الاقتصاد ويبدأ الجيش في التراجع أمام حركة الجماهير الغاضبة وتنطوي صفحة الاستبداد في نهاية سعيدة وإن كلفت الشعوب الكثير من دماء وحرية أبنائها.
وإن كانت لكل تجربة خصوصيتها فإن سلوك المستبد غالبًا ما يتشابه وكذلك تتشابه الانقلابات التي تديرها أيادٍ خارجية على تجارب الديموقراطة في دول العالم الثالث، فقراءة انقلاب البرازيل في الستينات وتشيلي في السبعينات بتفاصيلهما من غطاء شعبي وادعاء الجيش الحفاظ على الدولة من الانهيار وتهم الإرهاب تجاه المعارضين وإنهاء حالة الحرية ومن ثم تأسيس جمهوريات الرعب والقتل؛ يجعلك تعتقد أن الحديث أقرب ما يكون عن مصر والنخبة العسكرية التي بيدها مقاليد الأمور بعد انقلابها على تجربة ديموقراطية لم يتجاوز عمرها العام تمامًا، هي المدة التي سمح لرؤساء دولتي أمريكا الجنوبية أن يحكماها قبل أن تتم الإطاحة بهما وبتعبير كيسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق: “الأمور أكثر أهمية بالنسبة للناخبين التشيليين من أن تترك ليقرروها بأنفسهم”.
كذلك من الضروري دراسة طرق ووسائل الشعوب في مواجهة الاستبداد والتي تنوعت بين تجارب اللاعنف واستخدام الجماهير لأساليب مبدعة في التعبير عن رفضهم للسلطة أو النضال المسلح وتكرار محاولات اغتيال الجنرالات المستبدين والتصدى لعصابات الشرطة، وهو الأمر الذي ينبغي دراسة كل حالة على حدة في ضوء ظروفها ونتائجها وبعناية ودقة شديدة حتى تستطيع صنع نموذجك الخاص والمناسب للحالة المصرية.
أخيرًا، بدا واضحًا في تجربة الثورة الإيرانية (مع التأكيد على اختلافنا مع مبادئها ومشروعها) أهمية القائد الذي يوجه الجماهير وما له من تأثير كبير في نفوس الناس وما يتمتع به هذا القائد من صفات كاريزمية وفكرية تجعله قادرًا على إدارة ثورة ناجحة، والانتقال من مرحلة إسقاط النظام إلى بناء نظام جديد يحقق أهداف من قاموا بالثورة بنجاح حتى اليوم رغم ما تعرض له من مصاعب وتحديات.
في النهاية، كم كنت سعيدًا بهؤلاء الشباب الذين قرروا أن يستفيدوا من تجارب الآخرين بحثًا عن رسم مستقبل بلادهم بأيديهم وأملاً أن تلحق بلادهم بركب التنمية والتطور الذي طال تأخرنا عنه والذي آمل أن يكون على يد هذا الجيل كما ساهمت روسيف في قيادة شعبها إلى ما وصل إليه.