تعتبر حكومة عبد الإله بنكيران عن حزب العدالة والتنمية المغربي، حكومة الإسلاميين الوحيدة التي صمدت في وجه “ثورات الربيع العربي”، التي عصفت بالإسلاميين في مصر وتونس، حيث تسير نحو إتمام ولايتها الأولى، ومن المتوقع أن تستمر إلى ولاية أخرى حسب استطلاعات الرأي التي أجرتها بعض المؤسسات ذات المصداقية.
وصول حزب حزب العدالة والتنمية المغربي إلى رئاسة الحكومة جاء بشكل تدريجي؛ حيث شارك الحزب في الانتخابات التشريعية لأول مرة سنة 1997 وحقق فوزًا مقدرًا بالنظر إلى محدودية الدوائر التي شارك بها حيث حصل الحزب على 9 مقاعد من أصل 325، وقد كانت نتائج مشاركة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية 2002 أكثر من لافتة حيث حصل على 42 مقعدًا وبالتالي أصبح المعارضة الأولى بالبلاد، في الانتخابات البرلمانية 2011 الأخيرة في المغرب التي جاءت نتيجة تغيير دستور البلاد إثر اندلاع ما يسمى بالربيع المغربي؛ حصل الحزب على المرتبة الأولى، وبالتالي أصبح من حقه تشكيل الحكومة التي عينها الملك محمد السادس يوم 3 يناير 2012 برئاسة عبد الإله بنكيران، رغم أن الحزب في شخص أمينه العام عبد الإله بنكيران قرّر عدم المشاركة في الاحتجاجات التي قادتها حركة 20 فبراير المغربية سنة 2011 بتأثير من الربيع العربي التي شارك فيها بعض الأحزاب ومجموعة من جمعيات المجتمع المدني المغربي وشخصيات سياسية واقتصادية بالإضافة إلى قطاع كبير من الشباب المغربي.
يعتبر عبد الإله بنكيران الذي يوصف بالشعبوي لأن خطاباته تلامس الفئة الشعبية بالمغرب، أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية الذي تأسس في أواخرالتسعينات من القرن الماضي والدينامو والعمود الفقري له، استطاعت حكومة بنكيران لأول مرة منذ سنوات أن تتبوء المرتبة الثانية كأكبر نسبة نمو بين الدول العربية حسب توقعات صندوق النقد الدولي، حيث سيحقق نسبة تصل إلى 4.4 في المائة خلال السنة الحالية، على أن تصل هذه النسبة إلى 5 في المائة خلال السنة القادمة، بالتالي سيكون المغرب خلف قطر في ترتيب الدول العربية على مستوى النمو الاقتصادي لسنة 2015، احتلال المغرب لهذا المركز مرده التوقعات بتحقيق موسم فلاحي جيد – يُرتقبُ أن يسجل الموسم الفلاحي 2014/2015 رقمًا قياسيًا واستثنائيًا – وتراجع سعر البترول على الصعيد العالمي.
هذه المرتبة التي احتلتها حكومة بنكيران راجعة بالأساس إلى الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية الكبرى والصعبة والاستثنائية التي قادتها الحكومة في مجموعة من المجالات وعلى رأسها الرفع التدريجي للدعم على المواد الأساسية المعروف بالمغرب بإصلاح صندوق المقاصة، وإصلاح أنظمة التقاعد والقضاء، والإصلاح الجبائي، هذه الإصلاحات التي يقودها بنكيران تمس بشكلٍ مباشر الحياة المعيشية اليومية للسكان؛ هذا الأمر أدى إلى استقرار الاقتصاد المغربي، الذي كان من نتائجه ارتفاع الطلب الداخلي، وعودة الثقة في الاقتصاد المغربي من قِبل الفاعلين الاقتصاديين، بالإضافة إلى تخفيض نسبة العجز في الميزانية.
حتى الآن مازالت الحكومة التي يقودها عبد الإله بنكيران بصفة عامة وحزبه بصفة خاصة، تتميز بالقوة رغم مجموعة من القرارات الصعبة التي اتخدها بن كيران والتي مست شريحة كبيرة من المواطنين، فقد تكون نتائجها وخيمة على حزبه في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، هذه القرارات التي لم يجرؤ أي حزب من الأحزاب المغربية قبل بنكيران على الاقتراب منها خوفًا من نقصان شعبيته، ورغم ذلك مازال يتميز هو وحزبه بشعبية كبيرة وواسعة، ويرجع مجموعة من المراقبين ذلك إلى قوة بن كيران وخاصة في لسانه؛ فهو يخاطب الفئات الشعبية لسكان الهامش والقرى والفئات الصغيرة والعمال، ولا يراعي نهائيًا منطق النخبة في خطابه وكذلك في لقاءاته الإعلامية التي لا تعد ولا تحصى أو بغيرها من المناسبات، وقد نجح بنكيران فيها إلى حد كبير، حيث يشعر الناس أنه واحد منهم ويخاطبهم بنفس لغتهم.
الرجل الذي يوصف بالظاهرة في المشهد السياسي الجديد بالمغرب ويشكّل الآن قوة كبيرة في السياسية المغربية، يؤكد دائمًا أن حزبه إصلاحي ويسعى إلى “الإصلاح في ظل الاستقرار” وهو شعار رفعه الحزب مند توليه الحكومة، وهذا مفهوم وخطاب جديد في عالمنا العربي، دون أن ننسى إظهار الحزب المرونة الكبيرة وتقديم التنازلات من أجل البقاء حاضرًا في المشهد السياسي كرقم صعب في المعادلة السياسية المغربية المعقدة.
بن كيران الذي لا يعرف اسمه حتى بعض رؤساء العالم العربي كما جرى في إحدى دورات الجامعة العربية، يقود المغرب نحو تقدم ملموس بدأت بعض ملامحه تظهر على المواطن المغربي بعد ثلاث سنوات ونصف من الحكم، تذكرنا بالبدايات الأولى للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في مجال الصحة والتعليم والقضاء والبنية التحتية التي قام بها أردوغان والتي شكلت نقطة انعطاف تركيا للوصول إلى مصاف الدول الاقتصادية؛ فالرجلان – بن كيران وأردوغان – ليسا فقط يتشابهان في أن حزبيهما يحملان نفس الاسم والشعار – حزب العدالة والتنمية المغربي كان هو السبّاق لاستعمال هذا الاسم وشعاره المصباح -، بل أكثر من ذلك فكلاهما له شعبية ساحقة في بلديهما تزيكمها شخصيتهما القوية والمحورية في الحزب والحياة السياسية بصفة عامة، إضافة إلى خطابتهما الملهمة للجماهير والرأي العام، فما إن تستمع للرجلين حتى تقتنع بكلامهما وبصيرة رؤيتهما لبلديهما.
هذا التقدم الملحوظ في المغرب جعل المعارضة المتمثلة في أربعة أحزاب في سابقة من نوعها في المغرب، تشتكي من بنكيران لدى الملك من أجل الصدع والتشويش على العلاقة الجيدة التي أصبحت تربط بنكيران بالمؤسسة الملكية، خوفًا من أن يكتسح الرجل الانتخابات القادمة في هذا الصيف والعام المقبل.