زادت مؤخرًا حالة التساؤل الشعبي عن دخول الأردن في أتون حرب مباشرة مع تنظيم الدولة الإسلامية، الشهير إعلاميًا بـ “داعش”، الذي أعلن مسؤوليته عن التفجيرات الثلاثة لمعبر طريبيل ظهر السبت الماضي 25 أبريل، والتي أسفرت عن مقتل آمر السيطرة الأولى في المعبر مع عدد من الجنود وإصابة آخرين.
ويتفق مراقبون أن ثمة حالة من التوتر الشعبي، تحدثها بشكل غير مباشر تطمينات وتصريحات لمسؤولين أردنيين عن تعزيزات عسكرية وأمنية عند المعبر، فضلًا عن حديث وسائل إعلامية عن أن المسافة الفاصلة بين الحدود الأردنية وأول دورية تابعة لتنظيم الدولة 6 كيلومترات، نقلًا عن بعض أعضاء مجلس النواب.
قلق عام وتساؤلات جادة
يُعد معبر طريبيل الحدودي، المنفذ الرسمي الوحيد بين الأردن والعراق، وهو يبعد عن العاصمة عمّان بحوالي 330 كيلو مترًا، وطريبيل بلدة عراقية كانت مركزًا تجاريًا مهمًا، قبل الحصار والاحتلال الأمريكي، وأغلب ساكنيها من اللاجئين الفلسطينيين، وقد أغلق المعبر لعدة مرات بين الجانبين الأردني والعراقي لأسباب أمنية.
في مقاله “طريبيل…أرق جديد” المنشور بصحيفة السبيل 28 أبريل الجاري، يقول الكاتب عمر عياصرة، إن “تفجيرات معبر طريبيل الحدودي أصابتنا بالقلق، فمن ناحية، هناك ضرر اقتصادي كبير في حال أُغلقت الحدود، ومن ناحية أخرى، يبدو أن الرسائل السياسية من داعش بدأت تتوافد إلينا بقوة”، ويضيف “الأهم من قصة الاقتصاد هي القضية الأمنية؛ فمعبر طريبيل لم يمس من قِبل داعش طوال السنتين الماضيتين، فلماذا الآن؟ وهل نحن بصدد رسالة سياسية أم مجرد عملية عابرة؟ لافتًا إلى وقوف الأردن بين جبهتي صراع قاسيتين؛ الحدود الشمالية، التي تتبدل بسرعة ومع ذلك هناك منطقة عمق تفصلنا عن الخطر الأقرب، أما العراق فلا يوجد منطقة عازلة، ووجود داعش أصيل في مناطق السنة، وهناك انكسارات عسكرية يتعرض لها الجيش العراقي والحشد الشعبي”.
مدير مكتب صحيفة القدس العربي في عمان، بسام بدارين، ذهب إلى القول إن “التفجيرات الأخيرة في باطنها رسالة من الدولة الإسلامية للسلطات الأردنية تنهي عمليًا فترة هدنة لطالما صمدت في إطار المواجهة العلنية بين داعش والحكومة الأردنية، حيث بقيت نقطة طريبيل لسنتين على الأقل خارج سياق أهداف تنظيم الدولة؛ بسبب عدم وجود قوات حقيقية من الجانب العراقي، قبل أن تتغير المعطيات بإعلان الأردن الانضمام للتحالف الدولي ضد الدولة الإسلامية، وتساءل بدارين في مقاله “هل تؤسس داعش لمرحلة اشتباك مع الأردن؟” موضحًا “أن التطور اللافت حصل على نقطة طريبيل بعد مستجدين سياسيين لا يمكن إنكارهما؛ تمثلا في إحكام داعش سيطرتها على مدينة الرمادي عاصمة الأنبار، التي تعتبر أقرب تجمع سكاني للحدود مع الأردن، وبعد تسرب معلومات عن نية بعض قادة عشائر الأنبار التلاقي في عمان مجددًا لبحث مستقبل العلاقات مع الأردن، خاتمًا بقوله إن “المأزق يتعاظم هنا ويتجه لتعقيدات في الكثير من الاتجاهات، لكن الرسالة السياسية التي تقولها داعش للحكم المركزي في عمان وبغداد مضمونها إن طريبيل في طريقها للتحول لمسرح عمليات”.
الكاتب محمد علاونة في مقاله “هل تتحول الحدود الأردنية إلى بؤر ساخنة بعد هجوم طريبيل؟” المنشور في البوصلة 26 أبريل الجاري، يرى أن ارتدادات معركة الأنبار أصبحت أكثر وضوحًا فالحدود السعودية أيضًا تعرضت قبل ساعات لهجوم نفذه عناصر تنظيم الدولة على منطقة مكر النعام الحدودية، التي تبعد 75 كم شمال منفذ عرعر الحدودي، ذلك يؤشر على أن التنظيم لديه المرونة الكافية في التحرك داخل الحدود العراقية وخارجها وبحسب تضاريس المملكة، ويطرح العلاونة تساؤلًا مفتوحًا يتناقله الشارع الأردني بقوة: “ماذا لو اعتمد التنظيم أشكالًا مختلفة في عمليات الهجوم مثل تفجيرات انتحارية، يتبعها عمليات تسلل أو استخدم عناصر غير مشكوك فيهم ينتمون إليه، ودخلوا الحدود إلى الأردن بشكل قانوني؟”.
تخوف غربي: الأردن حجر الزاوية
تتعدى حالة القلق من إقدام تنظيم الدولة على فتح ساحة صراع مباشر مع الأردن أو العكس، إلى تخوفات غربية في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، في مقال هام حمل عنوان “لماذا يجب على أوباما وضع إستراتيجية لإنقاذ الأردن؟” للكاتب الأمريكي جيمس جاي كارافانو نشرته ذا ناشيونال إنترست في 8 سبتمبر 2014 وقامت صحيفة الغد بترجمته للعربية، يقول كارافانو “على السطح، ربما لا يبدو مصير الأردن ذا أهمية حيوية بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة؛ لكن واضعي الإستراتيجيات سيجانبون الحكمة إذا تجاهلوا مصير الأردن الذي يصفه بـ “حجر زاوية” لمركزه بين الدول، التي يُعتبر مستقبلها مسألة حيوية لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة، ويضيف “لقد ناضل الأردن طويلًا ليكون قائدًا ورائدًا إقليميًا في مسيرة التنمية المستدامة، وسيكون في مصلحة الولايات المتحدة أن تساعد الشعب الأردني على أن ينجح ويصبح محفزًا للتقدم في المنطقة بدوره”.
قبل وقت طويل من أن تصبح الحرب الأهلية السورية وداعش موضوعات بارزة على تويتر، وثقت دراسة قامت بإجرائها كلية الحرب التابعة للجيش الأمريكي، وصدرت في العام 2008، طبيعة الدور الذي يلعبه الأردن في الجغرافيا السياسية الإقليمية، والأهمية الهائلة التي يشكلها هذا البلد الصغير، قياسًا بوسائله المحدودة.
وزاد كارافانو، “منذ عدة أشهر من الآن، ماتزال الحكومة الأردنية ترسل إشارات تعبر فيها عن قلقها إزاء تهديد مباشر ربما يواجهه البلد من داعش، ففي شهر يونيو قامت الحكومة بإرسال قوات إضافية إلى الحدود في أعقاب تقارير أفادت بأن المتمردين المتشددين استولوا على المرافق العراقية عند نقطة عبور طريبيل”.
احترازات أمنية وتعزيزات عسكرية
سبق تفجيرات طريبيل بعدة أيام، ازدياد الاحترازات الأمنية؛ بنشر مئات الدوريات على الطرق الرئيسية، وبعض الطرق الفرعية في العاصمة عمان، وبعض المدن والأطراف في إطار حملة تدقيق، وذلك، مع نمو أنباء عن معارك تجري في محيط وعمق محافظة الأنبار العراقية شرقي المملكة، أدت لسيطرة مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية على الرمادي، وبالتزامن مع إعلان الملك عبدالله الثاني عبر الصحافة الأمريكية بأن الأردن تعمل مع التحالف بالميدان داخل العراق.
وتعليقًا على تفجيرات طريبيل أكد وزير الداخلية حسين المجالي أن “القوات المسلحة والأجهزة الأمنية لن تسمح لأي جهة اختراق الحدود الأردنية”، وأضاف المجالي خلال جلسة لمجلس النواب، أنه تم اتخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة على الحدود مع العراق؛ من خلال تشكيل فريق مشترك من الجيش العربي الأردني والأمن العام، وتم تجهيز مناطق دفاعية من دبابات ومدرعات.
وفي حديث سابق لإذاعة بي بي سي قال وزير الخارجية الأردني ناصر جودة، إن “الأردن يسيطر بشكل كامل على أراضيه، محذرًا من أن القوات المسلحة الأردنية ستلقن مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام درسًا قاسيًا إذا حاولوا الاقتراب بوصة واحدة من الحدود”، وقال قائد حرس الحدود الأردني العميد الركن صابر المهايرة، في مؤتمر صحفي، إن تأمين الحدود أمر أساسي في حالتي الحرب والسلام، والواجب هو منع، من وصفها بالجماعات المتطرفة/ من التسلل، مشددًا على أن المملكة لن تسمح لأي شخص بدخول أراضيها بطريقة غير قانونية.
عشائر سنية وغرف مشتركة
تنقسم العشائر السنية في الداخل العراقي بموقفها من تنظيم الدولة الإسلامية، فبينما ترى أطراف منها بالتنظيم قوة ضاربة تؤمن حمايتهم وتواجه صلف وطغيان الميليشيات الشيعية، ترى أطراف أخرى داخلة في اللعبة السياسية أن التنظيم خطر يتهدد مصالحها، ويشكل عبئًا على السلم الأهلي.
بدورها، تعول الحكومة الأردنية بشكل كبير على مكون عشائري سني، ترتبط معه بعلاقات جيدة في محافظة الأنبار العراقية، يسعى جاهدًا لطرد عناصر تنظيم الدولة من المحافظة، فضلًا عن الحديث مؤخرًا عن استحداث غرفة عمليات مشتركة بين القيادتين الأردنية والعراقية، لمتابعة تفاصيل المعارك بالأنبار، التي توصف رسميًا بالبالغة الأهمية، بحسب مصادر رسمية رفيعة المستوى، تحدثت لبعض الوسائل الإعلامية منها وكالة رويترز وصحيفة الخليج أونلاين.
وقال مسؤول أمني لصحيفة العرب اليوم في 28 يناير الماضي، إن “القوات المسلحة الأردنية تمتلك زمام المبادرة العسكرية، ولديها القدرة على رصد التحركات العسكرية داخل الحدود المقابلة بعمق 40 كيلومترًا على طول الحدود، وأضاف أن القوات في حال الاستعداد والتأهب الطبيعي، التي تؤهلها لمراقبة الحدود لمنع أية محاولة تسلل أو اختراق للحدود، لافتًا إلى عدم وجود أية خواصر رخوة، لا على طول الحدود الأردنية – العراقية، التي تمتد نحو 200 كيلومتر، أو الحدود الأردنية – السورية التي تمتد نحو 378 كيلومترًا.
وأكد على أن الجيش لن يتردد بالرد بالقوة القصوى، على كل من يحاول خرق أو تسلل الحدود، ويتعامل مع تلك الحالات، وفق قواعد الاشتباك العسكرية المتمثلة بالتنبيه، وفي حال لم يستمع الطرف المقابل للتنبيه والعودة من حيث أتى، يتم إطلاق كتلة نيرانية كبيرة وتدميره، وبيّن أن القوات المسلحة والأجهزة الأمنية تمتلك قدرات عالية، وآليات وأسلحة دقيقة وفتاكة، كذلك تمتلك الموقف العسكري والمبادرة لحماية الحدود الأردنية مع دول الجوار، مشددًا على أن التعليمات العملياتية اليومية تفيد بمنع أية عمليات تسلل أو تهريب من الأردن أو الدول المجاورة، للحفاظ على الأمن وعدم تعكير صفو العلاقات مع دول الجوار.
المصدر: أردن الإخبارية