ماذا يريد الاتحاد الأوروبي من تركيا؟

turkey-eu

ترجمة وتحرير نون بوست

الاتحاد الأوروبي لديه بالفعل العديد من المشاكل، أولها اليونان غير القادرة على التعامل مع أزمتها الاقتصادية، والتي ستبقى تشكل عبئًا كبيرًا على عاتق الاتحاد الأوروبي، طالما عجزت عن معالجة مشاكلها الاقتصادية؛ فانسحاب اليونان من منطقة اليورو لا يهم طالما أن تحوّلها من الدراخما إلى اليورو لم يكن تحولًا مستحقًا أساسًا، وهذا البلد أثبت أنه ليس سوى مشكلة تناطح البنك المركزي الأوروبي ومنطقة اليورو حتى الآن، وسوف يبقى يمثل مشكلة بغض النظر عمّا إذا انسحب من منطقة اليورو أم لا.

واليونان ليست الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي تعاني من أزمة اقتصادية، فقائمة هذه الدول تطول إذا ما نظرنا إلى مشاكل دول مثل قبرص وإسبانيا وأيرلندا وإيطاليا والبرتغال وبريطانيا.

من ناحية أخرى، تعاني دول الاتحاد الأوروبي من أزمات أمنية عميقة، حيث تم اختراق الأجهزة الأمنية في ألمانيا – الدولة الأكثر استقرارًا من الناحية الاقتصادية في أوروبا – من قِبل وكالة الأمن القومي في الولايات المتحدة، ووكالة الاستخبارات الألمانية (BND)، خدمت الولايات المتحدة – على ما يبدو – أكثر مما خدمتها الدولة الألمانية في السنوات الأخيرة؛ فوفقًا لصحيفة دير شبيغل الألمانية، استخدمت وكالة الأمن القومي الأمريكية وكالة الاستخبارات الألمانية (BND) لممارسة جميع أنواع الأنشطة التجسسية، واستهدفت أنشطتها مؤخرًا كل من الاتحاد الأوروبي والدولة الألمانية، وعلاوة على ما تقدم، ذكرت الصحيفة أنه كجزء من هذه الأنشطة التجسسية، عملت وكالة الاستخبارات البريطانية “هيئة مقر الاتصالات الحكومية البريطانية” على خيانة المخابرات الألمانية ضمن العملية التعاونية السرية التي قامت بينهما والمسماة “كتف القرد”، ونتيجة لهذه الخيانة، تم اختراق أنظمة الأمن الألمانية، وتسربت بيانات إلى الولايات المتحدة، لم تقتصر على معلومات عن المنظمات الإرهابية والأسرار العسكرية فحسب، وإنما أيضًا تم تسريب معلومات عن الشركات الألمانية وشركات الاتحاد الأوروبي في مجال التجسس الصناعي، وهو أمر ذو أهمية حيوية بالغة للصناعة في الولايات المتحدة، حيث تم استهداف بيانات سرية ذات أهمية إستراتيجية وتسريبها إلى الولايات المتحدة من كبرى الشركات الألمانية مثل إيرباص بوينج، شركة الفضاء الأوروبية للدفاع والطيران (EADS)، سيمنز، بورنغير إنغلهايم، ودويتشه بنك، ديبيتل للاتصالات، رود و شوارتز، مرسيدس بنز، شركة MTU الألمانية، وهلم جرا.

على الرغم من التحذيرات التي تم توجيهها إلى الحكومة الألمانية على مر السنين، بيد أن الحكومة الفيدرالية الألمانية والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لم يتخذوا أية تدابير وقائية، وأشارت لي بعض المصادر في بروكسل أن كشف دير شبيغل عن العمليات الاستخبارتية هو مجرد غيض من فيض، وأن أجهزة الاستخبارات الأمريكية تضطلع وتقود العديد من الأنشطة الاستخبارتية الأخرى في جميع دول الاتحاد الأوروبي.

بصراحة، لم يكن لهذا الخبر وقع مفاجئ بالنسبة لي، كون مشاكل دول الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا، لا تقتصر على مشكلة الاختراقات الأمنية؛ فمثلًا لا يمكننا الزعم أن هذه الدول انتهجت سياسات ناجحة في مكافحة الإرهاب، فكما تبين خلال الفترة السابقة، عملت الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) على تجنيد شباب في صفوفها من هذه البلدان، وعلى الرغم من وضوح ما كان يقوم به تنظيم داعش، بيد أن هذه الدول لم تكن قادرة على اتخاذ تدابير فعالة في هذا الشأن حتى الآن.

قضية اللاجئين هي معضلة أخرى بالنسبة للاتحاد الأوروبي، والمشكلة تزداد سوءًا يومًا بعد يوم، في خضم ضياع الاتحاد الأوروبي ووضوح عدم قدرته على التعامل مع التدفق المستمر للاجئين، ولكن هذه المشكلة حدثت في الواقع نتيجة لسياسات الاتحاد الأوروبي ذاته؛ فنتيجة لعدم قيام الأخير باتخاذ موقف حاسم بمواجهة الديكتاتور السوري بشار الأسد، تواجه دول الاتحاد الأوروبي الآن أعدادًا متزايدة من اللاجئين السوريين، ولو لم ينتهج الاتحاد الأوروبي سياسة عدم المبالاة لاقتراحات تركيا بخصوص هذه الشأن، فعلى الأقل لم تكن بلدان الاتحاد الأوربي تعاني الآن من مشكلة اللاجئين السوريين.

وعلى أرض الواقع، انتهاج سياسة زيادة أعداد السفن الحربية لمكافحة مشكلة إطراد أعداد اللاجئين القادمين من أفريقيا باءت بالفشل، خاصة في ظل أن الدول ذات الماضي الاستعماري الوحشي، بما في ذلك بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا، هي في الواقع مسؤولة عن الوضع الحالي في أفريقيا، وطالما أن بعض دول الاتحاد الأوروبي لا توفر الدعم المالي الكافي لإحداث التنمية هناك، وتدعم الطغاة في العديد من تلك البلدان الأفريقية، تمامًا مثل الحالة المصرية، فإن زيادة الاحتياطات العسكرية من قبل الاتحاد الأوروبي لن تتمكن من حل مشكلة اللاجئين.

بالإضافة إلى كل ما تقدم، فإن الانتخابات البرلمانية التي ستجري في 7 مايو في بريطانيا – الدولة التي لم توقع على اتفاقية الشنغن ولم تعتمد اليورو كعملة – قد تشكل أيضًا مشكلة أخرى بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وعلى الرغم من أن الانتخابات تبدو وكأنها مجرد منافسة محتدمة بين رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون وزعيم المعارضة إيد ميليباند، بيد أن النتيجة التي سيحصل عليها نايجل فاراج، زعيم حزب الاستقلال البريطاني، هي ما يهم في هذا السياق، كون حزب الاستقلال، المتوقع حصوله على حوالي 14% من الأصوات، هو حزب يميني معادٍ للاتحاد الأوروبي، و7 مايو قد يكون التاريخ الذي سيشهد بداية للعملية التي من شأنها أن تنهي عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، رغم أن البعض يشير أن بريطانيا أصلًا كانت تستخدم الاتحاد الأوروبي لمصلحتها الخاصة، دون أن تقدم أي شيء بالمقابل.

ولكن يبقى السؤال، في خضم المشاكل العديدة التي يواجهها الاتحاد الأوروبي، لماذا تحاول دول هذا الكيان أن تختلق خلافات مع تركيا؟ وما هي مشكلة بعض مؤسسات وقادة الاتحاد الأوروبي مع تركيا؟ ولماذا استغلت بعض البلدان المسألة الأرمنية في مواجهة تركيا، رغم أنهم لا يهتمون بالدفاع عن الأرمن فعلًا؟

أجهزة استخبارات دول الاتحاد الأوروبي بدأت تظهر على العلن في تركيا مؤخرًا، حيث يظهر بعضهم في صورة مناصرين للبيئة، أو خبراء في المواضيع الإسلامية، أو داعمين للقضية الكردية، أو صحفيين وسياح، وهؤلاء العملاء الذين يحملون دراية عميقة بمحاولات انقلاب ما بعد حوادث جيزي بارك، ظهروا مرة أخرى على الساحة التركية في مظاهرات 1 مايو في بعض المواقع في إسطنبول، رغم أن هؤلاء الأشخاص الذين يعملون كعملاء للاستخبارات وصحفيين في ذات الوقت، لم يبرحوا غرف إقامتهم في الفنادق في مختلف المحافظات التركية، بما في ذلك إسطنبول وديار بكر، قبل أو بعد 1 مايو.

ولكن لماذا كل هذا الانزعاج من قِبل دول الاتحاد الأوروبي حول تركيا؟ هل يرجع هذا إلى حقيقة أن أكثر من 55% من الناخبين في تركيا صوتوا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في جميع الانتخابات الديمقراطية التي أجراها حتى الآن؟ وإذا كانت الانتخابات الديمقراطية هي حقًا ما يزعج الاتحاد الأوروبي، أفلا يكون الاتحاد يعارض معظم قيمه المقدسة حول الديمقراطية؟

من المهم أن نسأل بعض بلدان الاتحاد الأوروبي ماذا حدث عندما قمتم بدعم بعض الدوائر المعادية للديمقراطية التي تنشد عودة تركيا إلى مرحلة ما قبل الدولة الجديدة، فقط بهدف إفشال أردوغان عن طريق حوادث جيزي بارك، وعمليات 17 و25 ديسمبر، في الانتخابات المحلية في 30 مارس، والانتخابات الرئاسية في 10 أغسطس؟

من الواضح أن الاتحاد الأوروبي وبعض دوله لم يتعلموا الدرس، والآن ينخرطون في أنشطة مختلفة لتأجيج الفوضى في تركيا، وتخريب عمليات الوفاق، ومنع حزب العدالة والتنمية من الفوز بالانتخابات التركية المقبلة، وتحقيقًا لهذه الغاية، فإن هذه الكيانات لا تتردد في التعاون مع الجماعات غير القانونية مثل الكيانات الموازية، وأعضاء هذه الكيانات هم أولئك الذين يحاولون تأسيس الدولة العميقة في تركيا، والذين يرغبون بفرض النظام الانقلابي الذي ينتهك الأسس الديمقراطية، والذين يدعمون المنظمات الإرهابية، التي حظرت في بلدانها الأصلية.

ولكن جميع هذه الجهود تذهب أدراج الرياح، كون الأتراك يرمقون جميع الأنشطة المناهضة للديمقراطية باشمئزاز، وسوف يقفون إلى جانب ديمقراطيتهم مرة أخرى من خلال الإدلاء بأصواتهم.

الكراهية العامة تجاه الاتحاد الأوروبي وبعض دوائره تزداد يومًا بعد يوم، بعدما لمس الشعب التركي الانزعاج الأوروبي من الديمقراطية التركية، ومحاولات الاتحاد الأوروبي المستمرة لتقويض البلاد، فإذا كان الهدف الحقيقي للاتحاد هو استحضار مثل هذه الكراهية، فلقد كان ناجحًا بشكل مبهر في هذه المهمة.

المصدر: ديلي صباح