اندلعت اشتباكات بين متظاهرين محتجين من جهة والشرطة من جهة أخرى في بوروندي بالعاصمة “بوجمبورا”، بعدما أعلن الحزب الحاكم ترشيح الرئيس المنتهية ولايته بيارنكورونزيزا، لفترة رئاسية ثالثة، ومن ثم خوض غمار الانتخابات المقررة يوم 26 يونيو المقبل.
المعارضون في بوروندي بدأوا في حرق إطارات السيارات ووضع حواجز في الطرق، بعدما أطلقت الشرطة عليهم الغاز المسيل للدموع، بدعوى خرق قرار الحكومة بإيقاف جميع أنشطة التظاهر والاحتجاج ومنعها، ما أدى إلى وقوع اشتباكات عنيفة قُتل على إثرها خمسة أشخاص وأُصيب المئات من المتظاهرين، بالإضافة لاعتقال السلطات البوروندية للعشرات من النشطاء الداعين لهذه التظاهرات.
امتدت التظاهرات إلى داخل القرى والمدن الصغيرة ولم تستطع قوات الشرطة التصدي لها؛ ما دعى الحكومة لإنزال قوات من الجيش بجانب قوات الشرطة لتفعيل قرار الحكومة بحظر جميع أنشطة التظاهر، كما اضطرت السلطات في بوروندي إلى حجب وسائل التواصل الاجتماعي بما في ذلك تطبيقات فيسبوك وواتس آب وتويتر مع تواصل المظاهرات ضد الرئيس، كذلك لجأت السلطات إلى إغلاق إذاعة معارضة تسمى “صوت من لا صوت له” بدعوى تهديدها السلم الاجتماعي.
فيما دعا منظمو الاحتجاجات في بوروندي وهم أكثر من 300 منظمة مجتمع مدني إلى وقف التظاهر لمدة يومين، لإتاحة الفرصة لمن فقدوا أفرادًا من عائلاتهم في الاحتجاجات للحداد، وليستعيد المحتجون طاقتهم قبل استئناف التظاهرات مرة أخرى.
بعد استئناف الاحتجاجات أكد المتظاهرون أن مشاركة نكورنزيزا في هذه الانتخابات الرئاسية تهدد اتفاقية السلام الموقعة ببوروندي في عام 2005 والتي أدت إلى إنهاء الحرب الأهلية التي دامت أكثر من 12 عامًا وأسفرت عن مصرع أكثر من 300 ألف شخص، حيث يقول المحتجون إن مشاركة الرئيس المنتهية ولايته في الانتخابات ليست هي المشكلة الوحيدة وإنما كونه ينتهك الدستور والقانون أثناء فترات حكمه الماضية.
يشار إلى أن الدستور البوروندي ينص على أن رئيس الجمهورية لا يتولى الرئاسة أكثر من فترتين رئاسيتين، ولكن الحزب الحاكم وأنصاره يقولون إن من حقه الترشح مرة أخرى، لأن فترته الرئاسية الأولى بدأت عندما انتخبه البرلمان، وليس عن طريق الانتخابات المباشرة كما ينص الدستور، هذا وقد طلب مجلس الشيوخ البوروندي (الغرفة الثانية بالبرلمان)، يوم 28 أبريل الماضي، من المحكمة الدستورية في البلاد، البتّ في دستورية ترشح نكورونزيزا لولاية رئاسية ثالثة، بعد كل هذه الاحتجاجات ووسط كل هذا الجدل القانوني بين التيارات السياسية في البلاد، ومن المنتظر أن تفصل المحكمة الدستورية البوروندية دستوريًا خلال 30 يومًا في هذا الوضع المثير للجدل.
وفي محاولات من الجيش لاحتواء الموقف، نقلت وكالة رويترز للأنباء تصريحات لوزير الدفاع البوروندي يقول فيها “إن أحدًا لا يستطيع أن يرغم الجيش البوروندي على انتهاك الدستور أو اتفاق أروشا للسلام الذي أنهى حربًا أهلية استمرت 12 عامًا”، كما دعا الساسة إلى احترام الوثيقتين.
جراء هذا أصدرت الأمم المتحدة بيانًا قالت فيه إن نحو 25 ألف شخص نزحوا من بوروندي في الأسبوعين الأخيرين، خوفًا من تصاعد أعمال العنف، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية.
بوروندي الدولة الصغيرة ذات المشاكل الكبيرة والمعقدة والتي استقلت عن بلجيكا عام 1962، وكانت هذه الدولة محط أنظار العالم أجمع في عام 1993 عندما وقعت داخل حدودها أحداث إبادة جماعية أثناء نشوب الحرب الأهلية بداخلها.
تسود البلاد حاليًا حالة من التوتر والقلق حيث تتنشر التخوفات من الانزلاق مرة أخرى نحو الحرب الأهلية بعد عشر سنوات من السلام والأمن النسبيين، ومن شواهد ذلك في الأشهر القليلة الماضية الهجرة المتواصلة التي تشهدها البلاد إلى دول الجوار وعلى رأسها الكونغو الديمقراطية ودولة رواندا، كما يؤكد المتابعون للشأن السياسي الداخلي هناك أن البلاد تخطو باتجاه مفترق طرق.
كانت منظمة العفو الدولية قد أوردت تقريرًا عن الوضع في بوروندي يؤكد ممارسة السلطات البوروندية ومؤيديها أعمال عنف تجاه المعارضة، فقد تضمن التقرير أن تنظيم يدعى “تنظيم الشباب” يتبع الحزب الحاكم في البلاد يقوم بأعمال ممنهجة تستهدف إرهاب المناوئين للحكومة، إذ أشارت المنظمة إلى أن التنظيم قام مؤخرًا بتنفيذ حكم الإعدام في 47 من أعضاء الحركات المعارضة بعد أن قاموا بتسليم أنفسهم للسلطات وذلك خارج إطار القانون، بينما تغض الحكومة الطرف عن هذه الممارسات.
الحكومة نفسها تريد أن تقضي على الأصوات المعارضة في البلاد بطرق تظنها قانونية، حيث أصدرت قانون يقيد حرية الصحافة في فترة سابقة، فالقانون يجبر الصحافيين على الكشف عن مصادر أخبارهم في محاولة للتضييق على نشر الأخبار والآراء التي لا تصب في مصلحة الحكومة، في استغلال واضح للتشريعات لخدمة حكومة الحزب الحاكم.
هذا الحراك في بوروندي يأتي استكمالًا لحراك بدأ مؤخرًا في القارة ضد الديكتاتوريات التي تسكنها، فالانتخابات النيجيرية الأخيرة تأتي في هذا السياق، حيث أدى الضغط الشعبي لقبول نتائج الانتخابات بواسطة الرئيس النيجيري السابق “جوناثان” لصالح المعارض “محمد بخاري”، وكذلك الحراك في زيمبابوي وأفريقيا الوسطى ورواندا وغيرها من الدول الأفريقية التي تطالب بعملية انتقال سلمي للسلطة، وقد نجحت أمثلة يحتذى بها بالفعل في بقية أنحاء القارة الأفريقية.