كشفت وثائق مسربة عن طريق متعاقد وكالة الأمن القومي الأمريكية السابق إدوارد سنودن عن أن حكومة الولايات المتحدة قامت بتصنيف الصحفي أحمد زيدان، مراسل قناة الجزيرة في باكستان على أنه عضو بالقاعدة، كما وضعته على قائمة المراقبة كإرهابي مشتبه به.
وجاءت تلك المعلومات في وثيقة عالية السرية تُفصل الجهود الاستخباراتية الأمريكية في تتبع قيادات القاعدة عبر تحليل ما يعرف بالـ metadata أو البيانات غير المباشرة مثل جهات الاتصال وأوقات الاتصال بها وغيرها، والتي تتعلق بالشخص تحت المراقبة.
أحمد زيدان، الصحفي السوري الشهير، والذي أدار مكتب الجزيرة في إسلام آباد لفترة طويلة في مسيرته المهنية، قام بتغطية ملفات طالبان والقاعدة كما قام بإجراء العديد من المقابلات مع قيادات جهادية مختلفة بما فيها زعيم القاعدة أسامة بن لادن.
وفي عرض تقديمي تم تسريبه، نرى صورة أحمد موفق زيدان في شريحة من العرض، تضم اسمه، ورقم تعريفه لدى المخابرات، كما تم وصفه على أنه عضو بالقاعدة، وعضو بجماعة الإخوان المسلمين، وكذلك بأنه يعمل مع شبكة الجزيرة.
وفي حوار سريع مع موقع The Intercept الذي قام بتسريب الوثيقة التي حصل عليها الصحفي جلين جرينوولد عن طريق إدوارد سنودن، نفى زيدان بشكل قاطع انتماءه إلى الإخوان المسلمين أو إلى تنظيم القاعدة، مؤكدا أن طبيعة عمله الصحفي هي ما حتمت عليه لقاء الأشخاص الفاعلين في المنطقة ومن بينهم قيادات القاعدة.
وكتب زيدان يقول إنه “بالنسبة لنا نحن الصحفيين، لكي نستطيع نقل المعلومة للعالم، فإنه ينبغي أن نكون قادرين على التحدث مع الرموز المعنية بالشأن العام، وأن نتحدث مع الفاعلين على الأرض، وأن نقوم بجمع المعلومات الخطيرة. وأي رقابة حكومية تعرقل هذه العملية هي انتهاك لحرية الصحافة” وتابع زيدان “الحديث عن أني، أو أي صحفي آخر، ينتمي إلى فصيل ما بناء على شبكة علاقاته أو معلومات هاتفه النقال، هو حرف ساذج للحقيقة، وانتهاك صارخ لمهنة الصحافة”.
وفي تصريح له، قال متحدث باسم شبكة الجزيرة أن الانتهاك ضد زيدان يأتي ضمن سلسلة طويلة من الانتهاكات ضد صحفيي الشبكة في الدول التي يعملون بها.
الوثيقة التي تم تسريبها هي مثال آخر على قوة برنامج سكاي نت SKYNET الحكومي الأمريكي الذي يحلل مواقع الأشخاص وبيانات الاتصال الخاصة بهم.
وطبقا للعرض التقديمي الذي تم تسريبه، فإن وكالة الأمن القومي الأمريكية تستخدم سكاي نت للتعرف على الأشخاص الذين يُعتقد أنهم يعملون كمراسلين مستخدمين بين قيادات القاعدة. وقام البرنامج بتحليل البيانات التي أوصلته إلى أن زيدان هو شخص مناسب لهذه المهمة، وهو ما يطرح العديد من الأسئلة حول الأدوات التي تستخدمها واشنطن للتعرف على الأهداف “الإرهابية” اعتمادا على ذلك النوع من البيانات.
وطبقا لمعلومات أخرى، يبدو أن زيدان كان قد تم تعريفه على أنه عضو بالقاعدة من قبل أن يظهر على برنامج سكاي نت، حيث كان قد حصل على رقم تعريفي سابق، ضمن برنامج يحوي أكثر من مليون اسم مشتبه به ويتم تشاركه بين الأفرع المختلفة لأجهزة الاستخبارات الأمريكية على تنوعها.
وفي التقرير الذي أصدره موقع ذا إنترسبت تحدث بيتر بيرجين، محلل الأمن القومي لدى شبكة سي إن إن الأمريكية قائلا إنه عرف زيدان لأكثر من عشر سنوات، واصفا إياه بأنه صحفي متميز من الدرجة الأولى.
وقال بيرجين إن زيدان “لديه مصادر لا يملكها أي صحفي غربي”، وتابع “بتلك المعايير يمكن لأي صحفي يقضي بعض الوقت مع القاعدة أن يُعد واحدا منهم”. جدير بالذكر أن بيرجين نفسه قام بلقاء بن لادن في 1997.
وطبقا للعرض التقديمي المسرب، فإن برنامج سكاي نت يبحث في الصلات بين الإرهابيين وبعضهم عن طريق سؤال أسئلة مثل “من الذي سافر من بيشاور إلى فيصل أباد أو لاهور وعاد من هناك خلال الشهر الماضي؟ بأي شخص اتصل حينما وصل؟” والعديد من المعايير الأخرى. بيانات المكالمات يتم الحصول عليها من شركات الاتصال الباكستانية الكبرى.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها تسريب وثائق تتعلق بالتجسس على الجزيرة. ففي نهاية أغسطس 2013 أظهر تقرير نشرته مجلة دير شبيغل الألمانية أن وكالة الأمن القومي كانت تتجسس على شبكة الجزيرة.
وقال التقرير أن الوثائق التي نشرها إدوارد سنودن والذي سرب موادا مصنفة على أنها سرية للغاية من وكالة الأمن القومي، منها برنامج بريزم إلى صحيفة الغارديان و صحيفة الواشنطن بوست، تلك الوثائق أشارت إلى أن وكالة الأمن القومي تجسست على اتصالات القناة التي تبث من الدوحة.
وكشفت إحدى الوثائق والمؤرخة في مارس 2006 أن مركز تحليل الشبكات التابع لوكالة الأمن القومي استطاع اختراق وقراءة الاتصالات الداخلية بين “أهداف مهمة” كانت على اتصال مع الجزيرة. كما أشارت الوثيقة إلى أن وكالة الأمن القومي لم تبد ارتياحا تجاه تحليل لهجة الجزيرة، في إشارة -ربما- لموقف القناة والشبكة الداعم للمقاومة ولقضايا المنطقة.
استهداف الجزيرة تعدى مراقبة اتصالاتها إلى ما هو أكثر من ذلك، فقد قُصف مكتب القناة في كابول في نوفمبر 2011. وكانت هذه هي البداية فقط، فقد اعتُقل بعدها مصور القناة سامي الحاج في غوانتانامو لست سنوات قبل أن يُفرج عنه في 2008 بدون أن يتم اتهامه بأي شيء.
وأثناء الغزو الأمريكي للعراق هاجمت القوات الأمريكية مكتب القناة في بغداد، حيث قتلت مراسلها طارق أيوب. الأمريكيون قالوا إن الأمر غير متعمد، رغم أن القناة كانت قد أعلمت الأمريكيين بإحداثيات موقعها قبل ذلك.
وعندما حاصر الأمريكيون القلوجة، كانت الجزيرة هي الوسيلة الإعلامية الوحيدة التي تبث من داخل المدينة، وهو ما دفع إدارة جورج بوش إلى اتهامها بأنها تبث دعايا كاذبة، واستهداف مراسلها هناك أحمد منصور بالطائرات الحربية.
على الرغم أن مواقف الإدارة الأمريكية الحالية قد بدت أقل حدة من سابقتها، فقد مدحت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون تغطية الشبكة للربيع العربي، كما دافع باراك أوباما عن حرية صحفيي الجزيرة الذين اعتقلهم النظام العسكري في مصر عقب الانقلاب على الرئيس السابق محمد مرسي، إلا أن الوثائق المسربة تثبت أن الموقف الأمني لم يتغير تجاه القناة.
وكان أحمد زيدان قد لمع نجمه في أعقاب هجمات 11 سبتمبر حيث كان من بين مصادره العديد من القيادات الهامة للقاعدة، وهو ما أهله لاحقا لكتابة كتاب بالعربية عن أسامة بن لادن، الذي قابله بشكل شخصي عدة مرات.
كما كان زيدان أحد القلائل الذين تسلموا أشرطة أسامة بن لادن الصوتية والمرئية. ورغم أن بن لادن كان قد تخوف من مقابلة زيدان، إلا أنه لم يعتقد أن الأمريكيين استطاعوا استهداف أي من قادة القاعدة عن طريق مراقبة صحفي الجزيرة.
ولا يزال أحمد زيدان مديرا لمكتب الجزيرة في إسلام آباد، كما قام بتغطية عدة أحداث في سوريا واليمن في السنوات الأخيرة.